Menu

المجزرة في جنين.. والرد في القدس

طارق ناصر

في صباح يوم الجمعة الموافق 26/1/2023، استيقظت جماهير شعبنا الفلسطيني في مدينة جنين ومخيمها، على وقع مجزرة وجريمة بشعة، نفذتها قوات الاحتلال ضد ابناء المخيم، ذهب ضحيتها 9 شهداء. ليست هذه المذبحة الأولى، ولن تكون الأخيرة بحق شعبنا، وما زالت الذاكرة الفلسطينية، تختزن مئات المجازر التي نفذتها عصابات الصهاينة، وكيان الاحتلال في كفر قاسم وقبيا.. في جنين ونابلس والحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى والعديد من المدن والقرى الفلسطينية التي لم يبقَ منها واحدة لم تشهد ذلك.
 نعم حدثت وتحدث هذه المجازر تحت سمع وبصر دول العالم ومنظماته الدولية، التي دافعت دومًا عن الاحتلال، وبررت هذه المجازر، واتهمت شعبنا الضحية؛ بالإرهاب، متناسية ومتجاهلة،  أن الشعب الفلسطيني يخضع للاحتلال، ومن حقه أن يقاوم ويدافع عن نفسه،  حسب كافة القوانين والشرائع،
وها هي اليوم تقوم بتغطية المجزرة البشعة في جنين وتدين الرد المقاوم في القدس ، فمن العار أن تقدم بعض الدول ومن بينها دول عربية على إدانة هذه العملية البطولية.
نعم إنها مرة أخرى؛ سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، فبينما تقدم الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى أوكرانيا مليارات الدولارات وكافة أنواع الأسلحة وترسل لهم المرتزقة والخبراء العسكريين، تحت شعار مقاومة الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية؛ نراهم يقفون ضد الفلسطينيين ويقدمون كل الدعم لكيان الاحتلال "إسرائيل" وجيشه، ويتحدثون في نفس الوقت عن العدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية واحترام القوانين، ويقومون بفرض العقوبات على روسيا وسوريا وكوريا وكوبا وفنزويلا وإيران وغيرها. 
نعم إن أمريكا إمبراطورية الشر والكذب، والمعايير المزدوجة، ورغم كل ذلك ها هي جنين الباسلة، والمخيم الشجاع فيها، تقاوم بكل ضراوة وبسالة، متحدية الاحتلال وحكومته العنصرية الفاشية الجديدة، وترفض الخضوع والاستسلام، وتلقن العدو كل يوم درسًا جديدًا وتقدم التضحيات الكبيرة وتؤكد أن المقاومة هي طريق النصر والخلاص ولا يوجد طريق سواه.
لقد أراد العدو من خلال جرائمه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني أن ينال من صموده وعزيمته، لكن هيهات، فها هو شعبنا البطل قال كلمة الفصل في الساحات والميادين؛ مؤكدًا أن إرادته لن تكسر وعزمه لن يلين. وفي أعقاب هذه المجزرة البشعة، جاء الرد سريعًا على يد بطل فلسطين، الأسد خيري علقم الذي حمل مسدسه وطلقاته المعدودة، وقرر الثأر والانتقام وكان رده مزلزلًا؛ أوقع خسائر كبيرة في صفوف العدو.
نعم لقد كان علقم مقاومًا بحجم جيش كامل أطلق رصاصاته بكل هدوء واحتراف ولم تخطئ واحدة منها، مما أصاب العدو بحالة من الخوف والهلع.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل جاء في اليوم التالي الشبل الفلسطيني، ابن الثلاثة عشرة عاما، وفي القدس نفسها، ليحمل مسدسه ويقرر قتال هذا العدو والانتقام منه.
نعم هذه هي فلسطين، تقاتل أطفالًا وشبابًا وشيوخًا ونساءً ورجالًا؛ قتال سوف يدوم ولن يتوقف إلا بزوال دولة الاحتلال.
 لقد أكدت هذه العمليات البطولية مجموعة من الحقائق ووجهت العديد من الرسائل في اتجاهات مختلفة، أهمها: 
-    الحقيقة والرسالة الأولى: موجهة للعدو الصهيوني تقول رغم المجازر والقمع شعبنا لن يخضع، وكلما زادت الجرائم والعدوان، كلما ازدادت مقاومة شعبنا وتصديه، وتصاعدت مقاومته، جنين لن تخضع، القدس لن تخضع، نابلس لن تخضع، شعبنا لن يخضع ولن يساوم.
-    الحقيقة والرسالة الثانية: فشل كافة الإجراءات الأمنية التي اتخذها ويتخذها العدو، خاصة في مدينة القدس كون العمليات البطولية التي نفذها علقم وعليوات تؤكد ذلك، وتوجه رسالة للمستوطنين لن تحميكم هذه الإجراءات ولن تفلتوا من العقاب.
-    الحقيقة والرسالة الثالثة: موجهة للمطبعين العرب تؤكد فيها أن دولة الكيان غير قادرة على حماية نفسها وهي بالتالي لن تكون قادرة على حمايتكم، من يحميكم هو شعبكم الذي أعلن موقفه بوضوح في مونديال قطر عندما رفع العلم الفلسطيني وهتف لفلسطين.
-    الحقيقة والرسالة الرابعة: حقيقة تظهر انحياز المجتمع الدولي في الغرب أساسًا إلى دولة الكيان ورفض إدانة الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني والتعامل بمعايير مزدوجة، وهذا ما أظهرته الحرب في أوكرانيا.
-    الحقيقة والرسالة الخامسة: أن الشعب الفلسطيني موحد في الميدان وساحات المواجهة، وهذا ما ثبت في كافة المعارك السابقة، وهي موجهة للقيادة الفلسطينية تؤكد فيها أن الذهاب والرهان على التسوية؛ يؤدي إلى الانقسام، أما الرهان على خيار المقاومة يؤدي الى الوحدة، وأن دولة العدو لا يمكن أن تقدم شيئًا من خلال المفاوضات، والحق الفلسطيني يتم انتزاعه من خلال القوة والمقاومة فقط.
-    الحقيقة والرسالة السادسة: أن الشعب الفلسطيني قاتل منذ أكثر من 100عام وما زال يقاتل ويقدم التضحيات في كل يوم؛ جيلًا بعد جيل، وسوف يستمر في ذلك ولن يستسلم، وها هم شباب وأشبال فلسطين؛ يتقدمون الصفوف ويحملون الراية وأغلبهم ولدوا بعد أوسلو، وهذا يدل أن الجيل الجديد لم ولن ينسى وهو أكثر استعدادًا للتضحية، وبالتالي فشل المراهنات الصهيونية على ذلك.
واليوم في ظل كل ما جرى ويجري؛ يصبح المطلوب من القيادة المتنفذة، خاصة في المنظمة والسلطة الفلسطينية أن تتخلى عن امتيازاتها، وأن تكون بمستوى تضحيات شعبها، وأن يتوحد الجميع في جبهة وطنية عريضة مقاومة؛ تعمل من أجل انتفاضة شاملة لا تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وهذا يستدعي:
أولا: الخروج من دائرة التسوية والذهاب إلى خيار المقاومة. 
ثانيا: إلغاء واضح وصريح لاتفاقيات لأوسلو وكل ما نتج عنها من تنسيق أمني وبرتوكول باريس وغيرها.
ثالثا: استعادة وحدة منظمة التحرير الفلسطينية على أساس ميثاقها القومي ومشاركة كافة الفصائل والقوى فيها، باعتبارها البيت الجامع للكل الفلسطيني.
رابعا: إنجاز وحدة وطنية حقيقية؛ تقوم على قاعدة الشراكة ونبذ الانقسام والابتعاد عن الإقصاء والتهميش والفردية والهيمنة.
خامسا: اتخاذ كافة الإجراءات والخطوات اللازمة التي تضمن تحقيق ذلك  الدماء تسيل في كل يوم.. وفي كل يوم نودع الشهداء. 
إن الوضع لم يعد يطاق؛ فشعبنا عظيم يضحى في كل يوم ويريد قيادة بمستواه.. قيادة تعيش معه الألم والمعاناة.. قيادة تتخلى عن الامتيازات.. هل أنتم فاعلون؟ 
الشعب في الانتظار وهو من يقرر المصير.