تخيل لو مارس الافارقة في جنوب أفريقيا بعد انهيار نظام الفصل العنصري التمييز ضد السكان البيض ، ثم دافعت جماعات حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي عن تلك السياسات بحجة العبودية والقمع السابق للأفارقة.
لست بحاجة للتخيل ، هذا ما تفعله منظمات الحقوق اليهودية الكبرى ، مثل رابطة مكافحة التشهير (ADL) لتبرير تهجير الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 ، وتواصل اليوم الدفاع عن ممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ليس بسبب المظالم التاريخية لليهود من قبل الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين، بل بسبب سوء معاملة اليهود في أوروبا.
ولضمان هيمنة الرواية الصهيونية، استخدمت رابطة مكافحة التشهير، واللجنة اليهودية الأمريكية، والكونغرس اليهودي، وأيباك، وما إلى ذلك، اتهام منتقدي الكيان الصهيونى بمعاداة السامية كأداة إرهاب فكري لإسكات منتقدي إسرائيل من خلال مساواتهم بحاملي افكار الكراهية لليهود، الى ان وصل التزام منظمات الحقوق اليهودية بالمشروع الصهيوني السياسي، الى استعدادها لتبييض اصحاب الافكار المعادية لليهود طالما أن لهؤلاء علاقه حيده مع اسرائيل، وعلى العكس من ذلك، فإنهم لا يتراجعوا عن نقد أكثر الناس معاداه للعنصرية، حتى اليهود، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ، إذا تجرأوا على تحدي السياسات الإسرائيلية.
استعمل مصطلح الكراهية المعادية لليهود هنا بدلا من التسمية السياسية معاداه السامية حتى لا نجمع اصحاب العنصرية ضد اليهود مع اجماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية و المواقف الراسخة ضد العنصرية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وبتسيلم ... الخ. هذا مهم بشكل خاص عندما تقوم ما يسمى بمنظمات الحقوق اليهودية عن سابق اصرار بدمج اصحاب النزعة العنصرية في بوقه واحده مع اصحاب النقد السياسي العلمي لممارسات اسرائيل العنصرية.
علاوة على ذلك، فغالبا ما يساء استخدام مصطلح "الساميين" عندما ينسب إلى يهود ليس لديهم صلات جينية مثبتة بالساميين الأصليين في بلاد ما بين النهرين، وبنية عنصرية ضمنية لاستبعاد الساميين الحقيقيين.
أنا ادرك الحساسية عند مقارنة الصهيونية السياسية بالجماعات المتعصبة مثل الفكر النازي، ومع ذلك، بصفتي ضحية فلسطينية للمشروع السياسي الصهيوني، نشأت في مخيم للاجئين، وابن لأبوين حرما من حق العودة إلى ديارهما، فقط لمجرد أنهما لم ينتمون للدين اليهودي، اتفهم علل العنصرية تماما مثل اليهود الأوروبيين الذين عانوا في ظل البرنامج النازي.
لوضع طرحي في سياقه الصحيح، شاهدت باشمئزاز تعيين العنصري اليهودي، بتسلئيل سموتريتش، وزيرا في الحكومة الإسرائيلية الحالية. عندما خاطب المنحدر من أصل يهودي أوكراني ذات مرة نائبا فلسطينيا (اسرائيلي الهويه ) قائلا: "أنت هنا بالخطأ لأن (ديفيد) بن غوريون لم ينهي المهمه".
"المهمه" التي يشير إليها على الأرجح يهودي من الخزر هي اوامر بن غوريون بإخلاء والدي بالقوة، إلى جانب 780,000 فلسطيني من منازلهم في عام 1948، وتدمير أكثر من 500 قرية بالكامل، هذا الفلسطيني (الإسرائيلي) ولد من 150,000 من السكان الأصليين الذين تمكنوا من البقاء في ظل الدولة التي فرضت عليهم.
في اظهار الطبيعة العنصرية الجوهرية للمضطهدين الأوغاد ، لا احاول ان أقارن المعاناة اليهودية التاريخية بآلام الفلسطينيين، تماما كما أنني لن أقارن بين عبودية الأفارقة ومحنة السكان الأصليين في العالم الجديد.، فبدلا من التنافس على مقياس الحزن والضحية ، من الأفضل لنا جميعا أن نعترف بأن المعاناة شئ مميز وفردي وحقيقي.
وبالمثل، ومن أجل استخلاص الاستنتاجات المناسبة، ينبغي وضع تلك التجارب في سياق الفتره الزمنيه التي نعيش، على سبيل المثال ، في غضون 15 عاما تقريبا ، تم الاعتراف بجرائم الحرب العالمية الثانية ضد اليهود ، واعترفت ألمانيا الجديدة بالفظائع المروعة التي ارتكبها النازيون ، وعوضت الضحايا أو ذريتهم ، واستعادت حقهم في العودة إلى ديارهم.
في المقابل، وبعد مرور 75 عاما، لا يزال شعب فلسطين يعاني من احتلال الفصل العنصري الإسرائيلي، ويحرم السكان المطرودون أو ذريتهم من حق العودة إلى ديارهم الأصلية.
وفقا للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) ، عندما أطالب بالعدالة لوالدي المطرودين أو عندما أقارن بين خطايا النازية لإخلاء أوروبا من اليهود ، وهجرة السكان الصهاينة في فلسطين ، تصف IHRA هذا بأنه "معاد للسامية".
تستغل رابطة مكافحة التشهير والرابطة الدولية لحقوق الإنسان وغيرهما التسمية السياسية "معاداة السامية" كدفاع لفرض رقابة على الخطاب العام، خاصة عندما يفشلون في مناقشة الحقائق والأفعال المتعلقة بالسياسات الإسرائيلية الخبيثة التي لا يمكن الدفاع عنها. بالنسبة لهم، إسرائيل بقرة مقدسة، وعلى عكس الكيانات السياسية الأخرى التي يمنحون أنفسهم الحق في انتقادها، فإن إسرائيل لا يمكن المساس بها، وقبل كل شيء، هي محصنة من الانتقادات من قبل من كان، يهودي أو غير يهودي على حد سواء.
بالإضافة إلى ذلك، فشلوا في تقديم أدلة عمليه على أن انتقاد السياسات الإسرائيلية يؤدي إلى كراهية اليهود، ولا يوجد أي تأكيد على أن تبجيل إسرائيل - الأنجليكان وتبجيل ترامب هي مجرد أمثلة - يحد من حده الكراهية.، على العكس من ذلك، هناك أسباب للاعتقاد بأن ارتفاع احداث الكراهيه المعادية لليهود مرتبطة بشكل مباشر بمواقف جماعات الحقوق اليهودية التي تخلط بين القيم اليهودية وسياسات إسرائيل الغير الأخلاقية، أكثر من أي شيء آخر.
IHIRA و
ADL لا يملكون احتكار للمأساة، إن تكون ضحية لظلم في الماضي لا يعفيك من ان ترتكب الظلم في المستقبل، وكما كتب الباحث الفلسطيني البارز، إدوارد سعيد، في كتابه "الثقافة والمقاومة"، "هناك فرق كبير بين الاعتراف بالاضطهاد اليهودي واستخدام ذلك كغطاء لاضطهاد شعب آخر".
إن استغلال التسمية السياسية "معاداة السامية" لابتزاز منتقدي إسرائيل هو غطاء للقمع الاسرائيلي، ولا يخدم محاربه الكراهية ضد اليهود.، بدلا من ذلك، فان ذلك يفضح فقط نفاق المنظمات القبلية، مثل رابطة مكافحة التشهير، ويطبع ممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية (اليهودية) ضد الفلسطينيين.
-----------///-
* مؤلف كتاب "أطفال النكبه، رحلة من مخيم للاجئين الفلسطينيين إلى أمريكا" بالإضافة لكتب أخرى. ينشر المؤلف مقالات دوريه حول قضايا العالم العربي لمختلف الصحف ودور النشر المحلية والدولية.
** نشر هذا اولا المقال في صحيفة فلسطين كرونيكل