Menu

حول إضراب المعلمين: ما بعد (لكن) يشطب ما قبله*

وسام رفيدي

حتى لحظة كتابة هذه المقالة لم ينتهِ إضراب المعلمين المطالبين بحقوقهم المالية والمهنية وبمؤسسة نقابية تمثلهم. العديد من المقالات والتصريحات والمداخلات ناقشت الإضراب سواء عبر الصحافة المكتوبة أو شبكات التواصل أو المؤتمرات الصحافية. هذه المقالة تناقش حصراً الموقف الرافض لإضراب المعلمين وفق جملتين انتشرتا عبر الكتابات والتصريحات ونعني بهما جملتي: نحن مع مطالب المعلمين المحقة، ولكن نحن ضد الإضراب. ف(لكن) هنا تفتح الشهية لفحص تلك الجملة. والجملة الثانية أن الإضراب يعطل المسيرة التعليمية.

الجملة الأولى بداية تحمل غير قليل من الخداع، فالتناقض بيّن شقيها، إذ أن من أبسط حقوق المعلمين والمثبتة في القانون هو الحق في الإضراب، وليس لدي أدنى شك أن من يكتب تلك الجملة يدرك هذا تماماً، فلماذا يكتبها والحال هكذا؟ ببساطة لأنه على ما يبدو يستشعر الحرج من إنكار حق المعلمين في مطالبهم المشروعة، وبذات الوقت يتخذ موقفاً ضد الإضراب، فيقع في المحظور الذي لا يمكن معالجته، وهو التناقض الصارخ، ولكن تلك الجملة ربما يراهن صاحبها أن تفعل فعلها في زعزعة المعلمين في إضرابهم، فهي مع الحقوق ولكن....، لتشطب ال (لكن) ما سبقها، فيغدو صاحب الجملة فعليا ضد الإضراب وإن أدعى أنه مع حقوق المعلمين، هنا يكمن الخداع وهنا تظهر حقيقة الموقف المعادي لهذا القطاع الواسع والهام في المجتمع.

هذا من جانب. أما من الجانب الأخر، فالجملة الثانية التي تتكرر مع الجملة السابقة هي: مع حقوق المعلمين وضد تعطيل المسيرة التعليمية. يعني ضد الإضراب لأن الإضراب يعطل، بلا أدنى شك، المسيرة التعليمية. ولكن ينتصب هنا الحقيقة البديهية: إن المشرّع، في أي بلد كان، أدرك ويدرك تماماً عندما أكد الحق في الإضراب أن الإضراب كحق قانوني للعاملين في القطاعات المختلفة، بالضرورة سيعطل الحياة في القطاع المعني سواء أكان هذا القطاع صحياً أم تعليمياً أم صناعياً أم خدمياً، وإلا ببساطة لا معنى لآلية الإضراب كآلية للضغط النقابي إن لم تعطل مرفق ما او قطاع ما، فالتعطيل هنا آلية للضغط وذلك هو معنى الإضراب أصلاً، وفي كل مرة تعلن النقابات إضراباً ما، سواء في قطاع الصحة أو النقل أو المؤسسات الجامعية أو المدارس إلا وينتصب في وجه المضربين تلك الصيحة التي تقدّم كإدانة للمضربين: أنكم تعطلون المسيرة. هذا موقف صريح ضد حقوق المعلمين وإن دارى نفسه بالشق الأول من الجملة.

ولكن بتقديرنا أن مطلقي تلك الجمل إنما يدركون ما سقناه أعلاه، ولكنهم لا يقولون الحقيقة المزدوجة: مَنْ لا يلبي حقوق المعلمين هو المسؤول الأول والأخير عن تعطيل المسيرة التعليمية لا مَنْ يطالب بحقوقه. والحقيقة الثانية أن الحكومة بإمكانها تلبية مطالب المعلمين المالية عبر إعادة النظر في توزيع الموازنة لصالح القطاعات الأكثر حيوية للمواطن، صحة، تعليم، إسكان، زراعة وبنية تحتية، على حساب القطاعات الأكثر استجابة لاتفاقيات أوسلو، مثل قطاع (الأمن) الذي ينهب أكثر من 35% من الموازنة دون أن يوفر الأمن للمواطن. هذه هي الطريق التي على الحكومة أن تسلكها لا طريق نقض الاتفاقيات مع ممثلي حراك المعلمين، ولا طريق شيطنتهم، ولا إشاعة أكاذيب الخلفية السياسية لإضرابهم، فتلك (بربوغاندا) ممجوجة وتافهة لم تعد تجد مَنْ يأخذ بها غير مَنْ يطلقها.

* تنشر بالتزامن مع جريدة القدس