* هذه المقالة الثانية في سلسلة من المقالات لفضح الأساطير الصهيونية والتاريخ الاصطناعي والثقافة المختلقة. المقال الأول: اختراع إسرائيلي للواقع الاصطناعي
يمكننا القول إن الكثير مما تدعيه الصهيونية السياسية عن التاريخ والثقافة "اليهودية" في فلسطين هو "قصص من صنع الخيال"؟
تعود عبارة "القصص الخيالية" لمؤسس الصهيونية السياسية، ثيودور هرتزل، عندما حث اعضاء المؤتمر الصهيوني في عام 1897 على السعي وراء "أحلامهم" في فلسطين، قائلاً "إذا كنتم تريدون تحقيق شيء ما، فهو إذا ليس من صنع الخيال."
في هذا المجال، لا أحد ينفي العلاقة الروحية لاتباع الديانة اليهودية بالأرض المقدسة، لكن هذا لا يبرر أحلام هرتزل "الخيالية" لإقامة دوله يهودية في فلسطين، وبالمثل، فإن القبول بالصلة الإلهية المسيحية بأرض ميلاد وصلب المسيح، لا يبرر غزوات الحروب الصليبية، وكذلك، فإن الارتباط الإسلامي بالأرض التي صعد فيها النبي إلى السماء، لا يجعل فلسطين بلاد للمسلمين فقط.
على مر التاريخ، شهدت أرض فلسطين أعدادًا لا حصر لها من الغزاة والديانات، شهدت صعود اباطرة وهزيمة إمبراطوريات، على سبيل المثال لا الحصر: الأكاديون، المصريون، العبرانيون، الآشوريون، البابليون، الفرس، اليونانيون، الرومان، البيزنطيون، المسلمون، الحروب الصليبية الأوروبية، العثمانيون، البريطانيون إلخ، وكانت شاهدا للعديد من المعارك، والدمار، والانتصارات، والهزائم.
في سياق التاريخ الوطني العام، تساقط المعتدون العابرون مثل أوراق الخريف، بينما بقي شعب فلسطين الثابت التاريخي الوحيد متجذرا بعمق أشجار الزيتون. من خلال كل ذلك، قد يكون من الممكن أن اتخذ الفلسطينيين دينًا جديدًا أو تحولوا إلى دين آخر، أو تبنوا عادات، أو تعلموا لغة جديدة، ويمكن لبعض الغزاة أن تبنوا تقاليد محلية أو اندمجوا في البلاد، وفي نهاية المطاف، أدى ذلك لخلق هوية وطنية جماعية فريدة وفيه لأصولهم التاريخية الموروثة من الفلسطينيين القدماء، والكنعانيين واليبوسيين.
في عام 1948، ادعت حركة سياسية تتألف في الغالب من أحفاد اليهود الخزر في أوروبا الشرقية الذين ادعوا نسبهم إلى المملكة العبرية القديمة التي لم تكن إلا واحدة من بين الكثير من الغزاة لأرض فلسطين، سعت الحركة الصهيونية السياسية الأوروبية إلى التحالف مع المستعمر البريطاني لتهجير السكان الأصليين، للمرة الأولى في تاريخهم الطويل، وإبدالهم بمجموعة دينيه مورس عليها الاضطهاد في أوروبا، لقد عوض الغرب عن خطيئته بحق اليهود الأوروبيين بارتكاب جريمة بديلة بحق الفلسطينيين.
قد يختلف المؤرخين فيما يتعلق بمدة حكم المملكة العبرية على جزء من أرض كنعان، لكن هناك اجماعًا على أن المملكة العبرية المتحدة استمرت قرابة 80 عامًا قبل أن تنقسم إلى كيانين منفصلين، في نفس السياق لا يوجد خلاف على أن العبرانيين لم يكونوا من سكان فلسطين الأصليين، هذا ما أكده كتابهم الديني، سفر التكوين 17: 8، حين خاطب الله إبراهيم بخصوص أرض كنعان قائلًا: "حيث تعيش الآن كغريب...".
من المفترض، ووفقًا لسفر التكوين، أن الله وعد هذا "الغريب" بملكية أرض كنعان، ورغم أنني أُفضل الابتعاد عن مناقشة الميتافيزيقية او الطرح النظري المجرد، إلا أن هناك تفسير مقنع في الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي بأن وعد الله قد تحقق في وجود المملكة العبرية الموحدة وانتهى هذا الوعد عندما عصا اليهود الله بعد ان انقسمت الدولة اليهودية إلى جزئين متناقضين بما يسمى "بشعب الله المختار".
حتى أواخر القرن التاسع عشر، وعند ظهور الصهيونية السياسية ردًا على الكراهية اليهودية في الغرب، تمسك الصهاينة الروحيون برفض الصهيونية السياسية وبعدم احقيه اقامه دوله يهودية قبل عوده المسيح اليهودي المنتظر، هذا وتشارك الديانات المسيحية والإسلامية الدين اليهودي، ولكن في صيغ مختلفة بعض الشيء، المعتقدات حول علامات القيامة، إلا أنه بغض النظر عن الجوانب اللاهوتية، لا توجد هناك علاقة جينية بين العبرانيين الأصليين الذين هاجروا إلى فلسطين من بلاد ما بين النهرين منذ ما يقرب من 4000 عام، ونسل الخزر الذي اعتنق اليهودية في شرق أوروبا في القرن الثامن. إن ادعاء الخزر نسبهم لأرض على أساس الانتماء الديني، هو أمر مثير للسخرية مشابه لمسلم إندونيسي قد يدعي حقه في المملكة العربية السعودية، لأنها الأرض التي خرج منها الإسلام. لا يوجد في العالم هوية وطنية حسب الدين، بل الوطنية هي الانتماء لهويه ثقافية وتاريخ وعادات مشتركة.
لسوء الحظ، عندما يدعي إنسان أنه يتخاطب مع "الله"، فإنه غالبًا ما تكون النتيجة، موت، حروب ودمار، أمثلة تتبادر إلى الذهن في حياتنا جيم جونز وديفيد كوريش، أما على نطاق أوسع، فقد يتذكر الكثيرون ما قاله الرئيس الأمريكي الثالث والأربعون، جورج دبليو بوش، للداعية التلفزيوني جيمس روبسون بأن "هاجسًا" دفعه إلى السعي إلى الرئاسة لأن الله أراده "أن يفعل ذلك".
كان من كان الذي أوحى لبوش من أجل "أن يفعل ذلك"، بالتأكيد لم يكن هو القادر ولا العالم، لأنه أتى "بهاجسًا" كاذبًا كانت نتيجته مقتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء وأكثر من 4000 أمريكي، وكذلك هي المعاناة المستمرة للفلسطينيين.
أخيرًا، حتى لو كان معتنقي اليهودية الخزر من نسل العبرانيين القدماء، فبموجب القانون الدولي المعمول به اليوم، لا يملكون الحق بأن يكونوا ورثه لاحتلال سابق غير قانوني، بنفس القدر الذي لا يملك فيه عرب اليوم الحق في أن يرثوا احتلال إسبانيا، حيث استمر الحكم العربي في إسبانيا أكثر من 700 عام، اي أكثر من ثلاثة أضعاف الحكم العبري الشامل لفلسطين. بالإضافة إلى العلاقة بقوى غير دنيوية، تدعي الصهيونية السياسية أيضًا بحقهم بإقامة دولتهم على أرض فلسطين لأنها الدولة اليهودية "الوحيدة" في هذا العالم ، في محاولة للإيحاء بأنها مثل كل الدول الأخرى، إلا أن هذا الطرح يشابه الدفاع عن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا تحت ذريعة أنها الدولة البيضاء "الوحيدة" في إفريقيا، أو لتبرير وجود دولة "وحيده" للعرق الآري في أوروبا، علاوة على ذلك، لا توجد هناك دولة "وحيدة" مسيحية، مسلمة، هندوسية، سيخية، بهائية، زرادشتية، راستافاريه، إيزيدية، الخ، حتى في البلدان ذات الأغلبية الدينية المطلقة، لأن الانتماء للعقيدة لا يحل مكان الهوية الوطنية، حيث أن القومية ليست انتماء روحي، بل قيم ثقافية وأرض مشتركة.
إذا كان هناك أي شيء، فقد يكون لدى يهود القرن الثامن في أوروبا الشرقية أرضية قانونية، تستند إلى علم الوراثة الماكد للمطالبة باستعادة الإمبراطورية اليهودية الخزرية التي استمرت لمدة 500 عام، فترة أطول بكثير من "القصص الخيالية" للمملكة العبرية الغريبة عن ارض كنعان.