Menu

الهجمة الاستيطانية المنفلتة: ما بين (المناشدة) و(التحفظ) و(التنديد)

وسام رفيدي

ليس من شك أن حكومة الصهاينة الفاشيين الحالية تضع التهويد والاستيطان على رأس أولوياتها، دون مراعاة لأية اعتبارات سياسية أو دبلوماسية تقتضيها مصلحة الكيان الصهيوني السياسية، ومكانته الدولية وبين يهود العالم. هنا يكمن الفرق بين اليمين الصهيوني و(اليسار) الصهيوني، الفرق بين مَنْ يضع الاعتبارات نصب عينيه وبين مَنْ لا يوليها أية اهتمام. يبدو هذا الفارق بينهما استمرار لذاك الفارق في تاريخ المشروع الصهيوني بين الصهيونية العملية (اليمينية) والصهيونية السياسية (اليسارية)، وفي النهاية، فالصهيونية السياسية هي التي بنت الكيان وقادته حتى العام 1977.

ومع ذلك ينبغي ملاحظة المدى الذي تذهب إليه حكومة الصهاينة الفاشيين اليوم، إنه مدى يتسم بالتسارع والشمولية والانقضاض دون اية التفاتات تذكر لما يسمى (اعتبارات). العودة لمستوطنة حومش المخلاة سابقاً وبقرار من وزير حربهم، منح صلاحيات واسعة لسموتريش للضم الفعلي والتهويد (القانوني) في الضفة، والأهم والأكثر توسعاً استيطانياً وضع المشروع الاستيطاني المعد منذ سنوات والمعروف ب E1 للربط الجغرافي بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم موضع التنفيذ، ما يعني مصادرة 12 ألف دونم من أراضي الطور والعيزرية وأبو ديس وعناتا، وبالتالي تحقيق هدفين صهيونيين: توسيع ما يسمى بالقدس الكبرى لتصل مساحتها ل 10% من مساحة الضفة، وبالتالي تحقيق الفصل التام بين جنوب الضفة وشمالها، كل ذلك يؤشر للمدى الذي ذهبت إليه حكومة المستوطنين الفاشيين.

نتنياهو أجّل البت في المشروع بناء على (ضغط) الأمريكان الذين أبدوا (تحفظهم)، والأوروبيين (نددوا) فيما السلطة (تناشد) العالم التدخل وتبكي حل الدولتين. وأمام قضية خطة القضاء وتعيين لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا فوضع نتنياهو الداخلي، وعلى أقل تقدير، لا يبشر بخير، وبالتالي لا ينقصه معركة دبلوماسية مؤقتة جديدة، وليس أكثر من دبلوماسية مؤقتة، مع الأمريكان والأوروبيين، وكأنهم، (بتحفظهم وتنديدهم) يقولون له: هدّي اللعب أنت أصلاً في وضع داخلي بائس. وليس كل هذا الحرص الأمريكي الأوروبي إلا تخوفاً من تأثير ذلك على مكانة الكيان المتراجعة شعبياً في العالم، والتي تحرك اليوم قطاعات جديدة أيضاً من اليهود الأمريكيين الشباب ضد نتنياهو وحكومته. لذلك (فالتحفظ والتنديد) ينبغي قراءتهما في هذا السياق: فرملة نتنياهو في سعي لتحسين صورة ومكانة الكيان شعبياً على المستوى الدولي، وبالتالي فهو تناقض يقع في باب التناقض الثانوي الذي يُحل بحوار الحلفاء الثلاث، الصهاينة والأمريكان والأوروبيين، والمراعاة المتبادلة للمصالح والرؤى لا أكثر، هو ذات السبب الذي جعل قطاعات تتسع من اليهود الأمريكيين الشباب تعلن انتقادها لسياسة حكومة نتنياهو وممارساتها من أن تلك السياسة والممارسات تلحق الضرر (بصورة إسرائيل الديموقراطية) وتسبب (الحرج لمؤيدي إسرائيل) كما أعلنوا مراراً.

أما القيادة الفلسطينية العاجزة تماماً والفاقدة للحد الأدنى من إرادة المواجهة، فهي تستمر بذات الخطاب: مناشدة المجتمع الدولي التدخل، والتباكي على حل الدولتين في تنويعة جديدة/ قديمة لبكائية (اِرحمونا) كخطاب حصري لهكذا قيادة مهزومة تاريخياً وتستمريء الهزيمة. إنها قيادة لا توفر الحد الأدنى من مقومات مقاومة الهجمة الاستيطانية، فبدلاً من خطاب يدين بصريح العبارة السياسة الإمبريالية الأمريكية والأوروبية وتضعها في مصاف السياسة المعادية لشعبنا، تستمر بعقد اللقاءات المكثفة في الشهر الأخير مع المبعوثين الأمريكان والبريطانيين وكأن شيئاً لم يحصل. أما على الصعيد العربي، فالموقف هو هو: مقاطعة فعلية لمحور المقاومة والانحياز فعلياً لمحور النظام العربي الرسمي الغارق بمعظمه في التطبيع، وحتى التعاون الاستخباري والعسكري مع الكيان شأن المغرب والإمارات.

على الجبهة الأخرى هناك مًنْ يقاوم الاستيطان وهدم البيوت، في برقة يتصدون، وفي بلاطة وجنين ونابلس والبلدة القديمة والنبي صالح، يسقط الشهداء ويستمر النضال بوحدة المقاومين ميدانياً... يستمر شعبنا في تجسيد شعار: المقاومة جدوى مستمرة.

الهجمة الاستيطانية المنفلتة والنوعية تتطلب أكثر من أي وقت مضى تأكيد العمل على الأرض لتعزيز الوحدة الميدانية الوطنية المقاومة على طريق بناء جبهة مقاومة وطنية ميدانية توحد الصفوف وتكون بديلاً فعلياً للانقسام وللهياكل التي لم تعد قادرة على تمثل تلك المهام الوطنية بالوحدة والمقاومة، إنها مهمة كل المقاومين أفراداً وقوىً وفصائلاً.