Menu

الصراع الديموغرافي: يهود أكثر.. فلسطينيون أقل

إلهام الحكيم

نشر في العدد 51 من مجلة الهدف الإلكترونية

خمس وسبعون سنةً خلت على هيمنة الصهاينة على أجزاءٍ من فلسطين، كما مضت ست وخمسون سنةً على احتلال بقيّتها لتصبح أرضها التاريخيّة فريسةً للسيطرة الصهيونيّة بكل أشكالها البغيضة المتمثّلة بـ "القتل والتدمير والتهجير والتشريد والأسر والمصادرة والاستيطان والتفرقة العنصريّة والإحلال"؛ بهدف الوصول لمبتغاه بإفراغ الأرض الفلسطينية من أصحابها الشرعيين واستبدالهم باليهود المتطرفين والمهاجرين الغربيين من مختلف أنحاء العالم خدمةً للأجندة الصهيونيّة المتمثّلة بإحداث خللٍ ديمغرافي، وقلب المعادلة السكانيّة التي كانت لصالح الفلسطينيين رغم النكبة والنكسة وارتفاع وتيرة التهجير.

فتح الاحتلال باب الهجرة اليهوديّة نحو الأراضي المحتلّة وشجّعهم على الإقامة في المستوطنات التي أقيمت حول المناطق الفلسطينيّة، وأحاطت بها إحاطة السوار بالمعصم للتضييق على الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة الطوعية، كما أقام جدار الفصل العنصري الذي رافقه المزيد من مصادرة الأراضي وحرق الأشجار، وهدم المنازل وطرد أصحابها، والاستيلاء عليها بحجة أنها أراضي دولةٍ أو منطقةٍ أمنيّة رغم هذا لم يستسلم الفلسطينيون وتابعوا معركة الدفاع عن حقوقهم ووجودهم فوق أرضهم وممتلكاتهم، خاصة بعد إيصال الحقيقة للعالم و دحض الرواية الصهيونية بأن " فلسطين أرض بلا شعب" ومن ثَمًّ تنامي عدد المنظمات والهيئات الدولية الإنسانية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني المتضامنة مع القضية الفلسطينية، لكن ذلك لم يمنع الاحتلال من الاستمرار بممارسة سياساته الإجراميّة، خاصّةً في ظلّ الصمت الرسمي الدولي، والدعم الغربي له بذريعة الخوف من تهمة "العداء للسامية"، ومن ثَمَّ النجاة من العقاب.

سياسة صهيونية عنصرية ضد الفلسطينيين:

كان لتزايد عدد السكان في قطاع غزة من 90 ألف مواطن عام 1948 إلى ما يزيد على المليونين حاليًا على مساحةٍ ضيّقةٍ أثرٌ كبيرٌ على المجتمع، فصارت غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم؛ ما شكّل عبئًا اقتصاديًّا ضاعفه فرض الاحتلال "الحصار الشامل" عليه منذ 17 سنة؛ بهدف المزيد من التضييق على سكانه اقتصاديًّا ومعيشيًّا، وترافق ذلك مع الاعتداءات الصهيونيّة المتكرّرة عليه؛ ما أدى لتدمير البنية التحتية وارتفاع نسبة البطالة، خاصّةً بين الخرّيجين الجامعيين، ثم العزوف عن الزواج بين الشباب الذين يشكّلون نسبةً عاليةً في المجتمع الغزّي الفتيّ، واقع دفع بعضهم نحو الهجرة التي تؤدي مع الوقت إلى تراجع عددهم وإفراغ القطاع منهم، وقد بلغت نسبة الهجرة 10% من السكان منذ بداية الحصار حتى النصف الأول من 2022 وهذا مؤشّرٌ خطير.

يمثّل الفلسطينيون في الأراضي المحتلّة 20% من العدد الإجمالي للسكان، فقد بلغ عددهم مؤخّرًا "مليون و800ألف نسمة" ومع هذا لم يسمح الاحتلال بتوسيع الرقعة السكنية مترًا واحدًا عما كانت عليه عام 1948عندما كانوا لا يتجاوزون150 ألف، كثافة سكانية تولدت إثرها عوامل اقتصادية ومعيشية وصحية صعبة أدت لتراجع الإقبال على الزواج لعدم توفر المكان المناسب.. إضافةً لتزايد الوفيات بين الأطفال الرضّع بسبب غياب الرعاية الصحية، كما حرص المحتل على اتّباع سياسة الإفقار الممنهج من خلال توسيع الفجوة التعليمية بين الجنسين من جهة، وبين اليهود والعرب من جهةٍ أخرى، واستكمالًا لتلك السياسة العنصرية زرع بذور الفتنة في صفوف الفلسطينيين وأسهم بنشر العنف والجريمة المنظّمة بينهم فتفاقمت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لقد وصل عدد ضحايا القتل منذ بداية العام الجاري إلى "100 شخص" ولم تتدخل الشرطة لاعتقال المجرمين رغم معرفتها بهم كونها هي التي شجعتهم.

أما في الضفة الغربية فقد تابع الاحتلال المصادرة وطرد السكان، والتوسع الاستيطاني وتشجيع المهاجرين المتدينين على الإقامة فيها تحديدًا في القدس للهيمنة على مقدساتها الإسلامية والمسيحية ثم فرض التقسيم الزماني والمكاني وصولًا للسيطرة الكاملة عليها.. وتثبيتًا لذلك عقدت حكومة نتنياهو اجتماعًا في النفق تحت حائط البراق وصادقت على إضافة 17 مليون دولار لميزانية حفر الأنفاق تحت الحائط والبلدة القديمة.. كما تم التصديق لاحقًا على إقامة مئات الوحدات السكنية.. هذه الإجراءات ترسّخ خطة نتنياهو الذي يعدّ "أن معركة توحيد القدس ما تزال مستمرّة"، ما يحتّم استمرار حكومته الحالية بتركيبتها المتطرفة، وقد تفاقمت تلك السياسة الصهيونية مؤخّرًا مع وصول المستوطنين المتدينين إلى الكنيست ثمّ الحكومة، ومن ثَمَّ رسم سياسة الكيان بما يتناسب مع تطلّعاتهم المتطرّفة، فأضافت لكلّ ما سبق سياسةً جديدةً تمثّلت بتحويل الصراع في القدس من صراع بين "احتلال و محتل" إلى حربٍ "ديمغرافيّة – دينية" والمضي تجاهَ زيادة الأنفاق وتوسيع المستوطنات وصولًا لـزيادة عدد اليهود عن الفلسطينيين في كلّ المناطق - خوفًا من ترجيح الكفّة السكانية لصالح الفلسطينيين - ثم المضي نحو "تحرير القدس الصهيونية وتوحيدها"، خاصةً بعد سيطرة الاحتلال على 87% من مساحة القدس رغم الرفض الأمريكي الظاهري لتلك الخطة الصهيونيّة التي تؤدي لوأد حلّ الدولتين بعاصمتين "قدس شرقية وأخرى غربيّة" حسب التصريحات الأمريكيّة.

خشية صهيونيّة من تزايد الولادات الفلسطينيّة:

يعدّ المتطرفون أن "القنبلة الديمغرافيّة الفلسطينيّة" أكثر خطرًا على كيانهم من المواجهة والعمليات والصواريخ، وقد قال بن غوريون: "يجب رفع الخصوبة اليهوديّة حتى لا نصبح أقليّة" وأكّدت عليه جولدا مائير أيضًا لأنّ التزايد المضطرد والمدروس للفلسطينيين بين العامين "1980 و 2020" بسبب ارتفاع نسبة الزواج وزيادة الخصوبة والولادات خدمة للقضية، قابله تناقص عدد اليهود نتيجة تحديد النسل، إلى جانب تراجع عدد القادمين بالتوازي مع ارتفاع الهجرة المعاكسة خارج فلسطين المحتلّة يمكن أن يؤدي لاحقًا لسيطرتهم على المؤسّسات والهيئات الحكوميّة المختلفة، وتشكيل مصدر قوة يضاعف الضغوطات الحزبية والشعبية والدولية ويعطيهم الحق بالتصويت ورسم "سياسة الدولة" ومن ثَمَّ اضطرار الاحتلال للاتفاق مع الأغلبية الفلسطينية والقبول "بحل الدولتين".. هذا الواقع دفع المتدينين المتطرفين لدق ناقوس الخطر خوفًا من تلاشي دولتهم المزعومة ففرضوا على النساء اليهوديات المتدينات تنشيط أرحامهن وزيادة الولادات، هذه السياسة رجحت الميزان الديمغرافي لصالحهن بعد أن كان سابقًا بشكلٍ معاكس، حيث كانت التوقّعات أن يتجاوز عدد الفلسطينيين عام 2050 نسبة الـ 50% من عدد السكان والتفوق على نسبة اليهود، لكن التزام المرأة الفلسطينية بالتوجه القائل بضرورة خفض معدلات الولادة؛ بهدف رفع المستوى المعيشي والاقتصادي للأسرة الفلسطينية أخلّ بكفّة الميزان.. بداية حصل التقارب بالولادات بين الطرفين فتغير الخط البياني جزئيًّا ثم انعكس الاتجاه لصالح اليهود مع اتباع المتطرفين السياسة الداعية لتنشيط الأرحام اليهودية مع تحفيزهن بالمكاسب المادية والعينية لكل ولادة.. باتت التوقعات تؤشر لوصول نسبة اليهود عام 2025 إلى 79% من نسبة السكان في الكيان المحتل بما فيه القدس، بسبب زيادة عدد الولادات في صفوف المتدينين وارتفاع متوسط الولادة إلى 8 ولادات للسيدة اليهودية مقابل تناقص العدد إلى النصف عند المرأة الفلسطينية، وذلك حسب تقرير أعدّه فريق من الباحثين الأمريكيين والإسرائيليين حول مستقبل الميزان الديمغرافي بين العرب واليهود المقيمين في فلسطين المحتلة.

مؤشرات صادمة:

يتوقع الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن يبلغ عدد سكان "الكيان" عام 2030 نحو 11،1 مليون مواطن ثلثيهم من اليهود.. وفي عام 2040 نحو 13،2 مليون، وفي الذكرى المئوية للنكبة 2048 سيبلغ العدد 15،2 مليون نسمة، ثم 16 مليون عام 2065 مع المحافظة على نسبة اليهود بما لا يقل عن 80% رغم التخوّف الصهيوني من زوال "إسرائيل" - قبل ذلك - حسب مقالة إيهود باراك في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 4 أيار 2022 - تلك الأرقام تعني أن عدد الفلسطينيين لن يتجاوز 3،2 مليون وثبات نسبتهم على 20% كما هو مخطط صهيونيًّا.

الخلاصة:

إنّ الإحصاءات والمؤشرات السابقة تدعونا لحث القيادات الفلسطينية على التمعّن فيها ورسم سياسة المواجهة الديمغرافية بما يترافق مع أشكال النضال الوطني كافةً ضد الاحتلال الصهيوني، وهذا يتطلب الوقوف بحزم أمام الانقسام وتداعياته على القضية الفلسطينية، وليعلم الجميع أن الزمن لن يتوقف بانتظار صحوة الأخوة الأعداء. كما أن التاريخ لن يرحم كل من أسهم ويسهم بضياع القضية أو فرّط بحقٍّ من حقوق شعبنا الفلسطيني وعلى رأسها حق بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس بشقّيها، خاصة وأن شعبنا متمسك بمقولة "باقون ما بقي الزعتر والزيتون".

المصادر:

الجزيرة نت، نشرة أفق، صحيفة الاستقلال، فضائية العربي.