Menu

قمة الأمناء العامين للفصائل: مكاسب صافية لنهج السلطة الفلسطينية ورئيسها والفصائل خرجت "بخفي حنين"

عليان عليان

عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في منتجع العلمين  بمصر في الثلاثين من الشهر الماضي، تلبيةً لدعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، دون أجندة محددة ودون تشاور مسبق على جدول الأعمال، وإن كان لرئيس السلطة أجندته المحددة والمدروسة من اللقاء، ودون الاستفادة من تجربة كونفرنس رام الله- بيروت 2020، وانقلاب رئيس السلطة عليها إثر فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن عليها، وفق مبرر مكشوف وفاضح ساقه رئيس وزراء السلطة محمد اشتيه مفاده: "أن رئيس السلطة تسلم رسالة من "الحكومة الإسرائيلية" تؤكد أن هذه الحكومة ملتزمة بالاتفاقات الموقعة مع السلطة"؟!

وما أن تلقت الفصائل الدعوة، حتى بادرت إلى الترحيب بها والاستعداد لحضورها ونفرت قياداتها للحج إلى العلمين خفافاً وثقالا، بأوراق عمل وخطابات سياسية معدة لإلقائها أمام الرئيس، لتبرهن للجماهير عن مواقفها الصلبة، متجاهلةً أن الجماهير كفرت بهذه الفصائل مثلما كفرت بقيادة السلطة، لأن هذه الفصائل لم تنجز شيئاً على أرض الواقع لفرملة نهج السلطة المفرط بالأهداف والثوابت الوطنية منذ أكثر من ثلاثة عقود.

 لقد راحت بعض الفصائل وخاصةً اليسارية منها، تداري موقفها الخاطئ الذي يرقى لمستوى "الخطيئة"، بتغيلف مشاركتها بمناشدة رئيس السلطة، الإفراج عن المعتقلين لتهيئة الأجواء لنجاح الاجتماع، بينما أغلقت رئاسة السلطة أذنيها أمام نداءات الفصائل ونداءات مؤسسات المجتمع المدني، لأن الإفراج عن كوادر المقاومة يتناقض مع أجندة عباس من عقد هذا الاجتماع.

وفي الوقت الذي أثمن كغيري ،من الكتاب والمعلقين والمراقبين موقف حركة الجهاد الإسلامي، التي ثبتت على موقفها المبدئي بمقاطعة الاجتماع، إذا لم يتم الإفراج عن المعتقلين من كوادرها ومن بقية كوادر المقاومة، الذين اعتقلتهم مخابرات السلطة قبل وأثناء وبعد معركة جنين التاريخية، أرى بأن حضور  الفصائل الديمقراطية اليسارية كان مناقضاً لمواقفهما السياسية المعلنة، ولكل الأدبيات الصادرة عنهما منذ انعقاد مؤتمر الأمناء العامين في سبتمبر ( أيلول) 2020، وسهل مهمة عباس في التشبث بذات المواقف السياسية البائسة منذ تسعينات القرن الماضي وإصراره على فرضها على الكل الفلسطيني.

لقد قرأت مداخلات الأمناء العامين، وبشكل رئيسي مداخلة نائب الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق جميل مزهر التي كانت غاية في المبدئية على نحو:

- دعوته لتنفيذ قرارات الإجماعِ الوطني التي جاءت عليها مقررات المجلسين؛ الوطني والمركزي المتمثلة بسحب الاعترافِ بدولة الكيانِ الصهيوني، والتخلّي عن اتفاقِ أوسلو والتزاماته، تجسيدًا للإرادةِ الوطنيّةِ والشعبيّة، والقطعِ مع الرهانِ على إمكانيّة الوصول إلى حل سياسيٍ مع الكيانِ الصهيوني يلبّي حقوق شعبنا، أو الرهان على الإدارةِ الأمريكية التي تدعم الاحتلال بلا حدود".

- دعوته إلى ضرورة "الإعلانُ الفوري عن تشكيلِ القيادةِ الوطنيّةِ الموحّدةِ للمقاومةِ الشاملة يتفرع منها لجان الحمايةِ الشعبية، لحمايّةِ القرى والمخيّمات والمدنِ من اعتداءات ميلشياتِ المستوطنين، وتتولى إدارةَ أشكالِ التصدي لسياسات الاحتلالِ ميدانياً".

- دعوته لإعادةِ بناءِ منظمة التحرير ومؤسساتها على أسس وطنية وديمقراطية تتحقق فيها مشاركة جميعِ القوى، والشراكة الوطنية التي تحفظ التعددية الديمقراطية، وإدارةَ الصراع مع الاحتلال وفق استراتيجية وطنية موحدة لشعبنا.

لا غبار على هذه المواقف المبدئية للرفيق مزهر، وهي صحيحة مائة بالمائة، لكن هذه المواقف المبدئية لا تبرر مشاركة الجبهة الشعبية، وغيرها من الفصائل الأساسية في لقاء الأمناء العامين في ضوء ما يلي:

1-أن اللقاء تم بدون أجندة محددة لمناقشتها، لتكون الأساس لصدور برنامج عمل أو بيان ختامي على قاعدة من القواسم المشتركة.

2- أن هدف رئيس السلطة من الاجتماع، استعادة هيبة السلطة المهدورة التي تآكلت وتضررت إلى حد كبير، جراء انكشاف عورتها أمام الجماهير، إثر موقفها المتفرج حيال المعارك المفتوحة مع العدو الصهيوني، خاصةً منذ معركة سيف القدس التاريخية مروراً بمعركة ثأر الأحرار وغيرها من المعارك، وصولاً لمعركة بأس الأحرار التاريخية في جنين، وعدم اكتفائها بموقف المتفرج فقط، بل دخولها في مباراة مع العدو الصهيوني في اعتقال رجال المقاومة التزاماً منها بنهج التنسيق الأمني.

3- كما أن توقيت الاجتماع من قبل رئيس السلطة، جاء بعد معركة جنين، ليس بهدف البناء على مخرجات المعركة عبر استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة، ونبذ اتفاقيات أوسلو ومشتقاتها وكل ما تفرع عنها، بل بهدف جر الكل الفلسطيني إلى برنامج قيادة السلطة والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير، ممثلاً بالاعتراف بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود، وبمعزوفة حل الدولة والدولتين التي قبرها العدو الصهيوني، وأهال التراب عليها نهائياً بطرح الحل الاقتصادي، وعلى قاعدة ضم الضفة الغربية وإغراقها بالمستوطنات.

لم يكن بوارد رئيس السلطة الفلسطينية، أن اجتماع الأمناء العامين الذي دعا إلى انعقاده في مصر، بأن الفصائل الفلسطينية الرئيسية، ستوافق على طروحاته، وكان متأكداً بأنها سترفضها جملةً وتفصيلاً، لكنه أراد أن يوصل رسالة إلى الكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية وللرجعيات العربية،  أنه لا يزال سيد الموقف، وأنه قادر على المضي في نهجه السياسي المناقض لاستراتيجية وثوابت شعبنا الوطنية والتاريخية، وأنه قادر على تنفيذ المهمة التي كلف بها في اجتماع العقبة وشرم الشيخ، ممثلةً بتصفية المقاومة المسلحة وتجريد كتائب المقاومة من سلاحها..

لقد أعلن عباس مواقفه بوضوح، بدون اعتراض حاسم أو تجرؤ فصيل على الانسحاب من اللقاء، حين أكد على رفض المقاومة المسلحة بشكل مطلق، وعلى الالتزام فقط بالمقاومة السلمية وفق منظوره، "بأنها الأسلوب الأمثل لمواصلة النضال وتحقيق الأهداف الوطنية في هذه المرحلة"، وحين أكد على شرط أن تلتزم الفصائل الفلسطينية ببرنامج منظمة التحرير الأوسلوي تحت غطاء الشرعية الدولية، وهو بهذا الإعلان يؤكد على ما جاء في خطابه في جنين، حين تحدى وتجاهل مخرجات المعركة وأساء لدماء الشهداء بعد أن وضع إكليلاً من الزهور على قبورهم بقوله: "لن يكون هناك إلّا سلاح واحد، وهو سِلاح السلطة في الضفة الغربيّة وقِطاع غزة، ولن يسمح بأي سِلاح آخَر".

كان بإمكان فصائل المقاومة - رغم حضورها المدان للاجتماع - أن تستثمره للتصويب على نهج السلطة وتنسيقها الأمني وتعريتها، على نحو أن تقترح جدولاً للأعمال يتضمن بنوداً أساسية على نحو:

1- إجراء مراجعة نقدية جريئة على قاعدة المساءلة والمحاسبة، لموقف القيادة المتنفذة للمنظمة والسلطة، بعدم التزامها بقرارات المجلسين الوطني والمركزي، بشأن إلغاء التنسيق الأمني وسحب الاعتراف ب(إسرائيل)، وبشأن التراجع عن اتفاقيات أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي.

 2-إجراء مراجعة لاتفاق الأمناء العامين في سبتمبر (أيلول) 2020، لمحاسبة قيادة السلطة عن تراجعها  الكامل عن بنود الاتفاق، الذي شمل تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية ووقف التنسيق الأمني، ووقف الاتصال والتعامل مع العدو  الصهيوني.. الخ.

2-  إجراء مراجعة على قاعدة المحاسبة الوطنية، بشأن تراجع قيادة السلطة عن اتفاق القاهرة مع الفصائل الفلسطينية، لإقامة انتخابات للمجلسين الوطني والتشريعي في مايو ( أيار) 2021، بذريعة منع العدو الصهيوني عقد الانتخابات في القدس، متجاهلةً حقيقة أن عباس نفسه وقع على اتفاقات مع الكيان الصهيوني، تحصر الانتخابات في القدس ستة من مكاتب البريد، وأنه قبل بتأجيل البحث في موضوع القدس والمستوطنات واللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي، دون إسنادها بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، في حين أن حقيقة تراجع قيادة السلطة عن إجراء الانتخابات، يكمن في وصولها إلى قناعة، بأن نتيجة الانتخابات لن تكون في مصلحتها، بعد  انشقاق عضو لجنة فتح المركزية "ناصر القدوة" وتشكيله قائمة مشتركة للانتخابات مع القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي.

 وعلى سبيل التذكير، نذكر بما صدر عن لجنة الانتخابات المركزية في السلطة الفلسطينية في 19 نيسان (أبريل) 2021، بخصوص انتخابات أعضاء للمجلس التشريعي في القدس "بأن عملية الاقتراع يمكن أن تتم في ستة مراكز بريد في مدينة القدس الشرقية تتسع لحوالي 6300 شخص، وأن هذه الخطوة، التي تتعلق بالتسجيل الجغرافي لهؤلاء السكان ووفق ما نصت عليه اتفاقية أوسلو (1993)، تحتاج إلى موافقة (إسرائيل) التي تسيطر على مراكز البريد".

3- طرح استراتيجية وطنية لا تستند على الكلام الإنشائي، عن الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بل تركز على الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، على قاعدة برنامج المقاومة الشاملة بكل أشكالها.

وهنا يثور تساؤل لم تجرؤ الفصائل على طرحه: ما قيمة إنهاء الانقسام إذا كان هدف رئيس السلطة منه هو أن يكون السلاح الوحيد في قطاع غزة هو سلاح أجهزة الأمن وليس أي سلاح آخر؟ في إشارة واضحة منه إلى رفض سلاح المقاومة بشكل مطلق، وأن التنسيق الأمني المطبق في الضفة الغربية سيطبق على قطاع غزة كشرط منه لإنهاء الانقسام.

باختصار شديد، فإن المستفيد الوحيد من هذا الاجتماع، هو رئيس السلطة الفلسطينية في حين لم تتمكن الفصائل الرئيسية، من زحزحة رئيس السلطة عن أي موقف من المواقف التي يتشبث بها منذ توقيع اتفاقيات أوسلو 1993، ومنذ توليه مقاليد السلطة بعد رحيل أبو عمار وجاءت عبارة تشكيل لجنة لمتابعة الحوار، بشأن الوحدة وإنهاء الانقسام، لتشكل مخرجاً لإنقاذ ماء وجه الفصائل التي هرعت لحضور الاجتماع.

وأخيراً أخاطب الفصائل التي لا زالت تنتمي لعالم الماركسية – ال لينين ية، وتأخذ بالمنهج العلمي المادي الجدلي في تفسيرها للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي قراءتها للخارطة الطبقية وموقع قوى الكومبرادور والطفيلين فيها، لأتوجه لها بالسؤالين التاليين:

1- هل موقف (وحدة نقد وحدة) الذي سبق وأن طرحه حكيم الثورة وضميرها الدكتور جورج حبش في ثمانينات القرن الماضي، يمكن تطبيقه حالياً في علاقة فصائل المقاومة مع قيادة السلطة في ضوء التزامها باتفاقيات أوسلو واعترافها بحق (إسرائيل) في الوجود ونبذها للمقاومة والتزامها بالتنسيق الأمني؟

2-هل قانون التحالف والصراع، المعمول من قبل قوى التحرر الوطني وفي أدبيات التحرر الوطني، في مواجهة التناقض الرئيس مع الاستعمار الجديد والكولونيالي، يصلح للتطبيق في علاقات فصائل المقاومة مع قيادة السلطة والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير؟

سؤالان برسم الإجابة موجه لفصائل المقاومة بشكل عام ولفصائل اليسار الفلسطيني بشكل خاص.