Menu

كمين الكحالة: من الأهداف والتوقيت إلى استراتيجية حزب الله في منع الفتنة وكظم الغيظ

عليان عليان

بات من المؤكد أن الاعتداء على حراس ناقلة حزب الله، بعد انقلابها في حي "الكحالة" في منطقة "عاليه"، على الطريق الواصل بين البقاع وبيروت، من قبل ميليشيات القوات اللبنانية بزعامة جعجع وحلفائه، ما أدى إلى استشهاد أحد مقاتلي الحزب "أحمد علي قصاص" كان مدبراً في إطار التوقيت والأهداف، وفق العديد من المحللين والمراقبين للشأن اللبناني.
في مسألة التوقيت يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- بيان دول خليجية يطلب من رعاياها مغادرة لبنان في أسرع وقت، بذريع أحداث مخيم عين الحلوة، ما أثار استغراب واستهجان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وغيره من المسؤولين اللبنانيين، كون الاشتباكات بين حركة فتح وقوى إسلامية متطرفة في المخيم قد انتهت، وتم معالجتها عبر تثبيت وقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة تحقيق بهذا الشأن.
2-وقبل ذلك قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية باستكمال احتلال بلدة الغجر اللبنانية.
3- الفراغ الرئاسي المستمر منذ عدة أشهر وتحميل القوى الانعزالية المارونية حزب الله وحلفائه مسؤولية هذا الفراغ.
4- الحوار القائم بين حزب الله والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، بعد مغادرة الأخير لوثيقة التحالف (التفاهمات)، التي وقعها الأمين العام لحزب الله مع الجنرال ميشال عون في السادس من فبراير (شباط ) 2006  في كنيسة " مار مخايل"، وسعي قوى الانعزال لإفشال الحوار.
الأهداف المتوخاة من الكمين، وفي مسألة الأهداف يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- سعي قوى الانعزال المرتبطة بأجندة خارجية غربية وصهيونية ورجعية، إلى جر حزب الله إلى حرب أهلية، خدمة للكيان الصهيوني، الذي يعاني من انقسام داخلي غير مسبوق وفي تآكل غير مسبوق لقوة ردعه جراء المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
2- ضرب حالة الالتفاف الشعبي حول حزب الله، بعد أن نجح في الحفاظ على حقوق لبنان الغازية والنفطية، وبعد أن فرض على الوسيط الأمريكي "آموس هوكشتاين" والكيان الصهيوني، الرضوخ لشروط المفاوض اللبناني في مفاوضاته غير المباشرة مع الكيان الصهيوني.
3- ضرب العلاقة بين الجيش اللبناني والمقاومة، التي تعمدت بالدماء عبر الزعم بأن سلاح حزب الله غير خاضع لإرادة الدولة، وتجاهل معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي تم تثبيتها في كافة البيانات الوزارية السابقة.
4- إفشال الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، للحيلولة دون إعادة الاعتبار لوثيقة التفاهمات بين حزب الله والتيار.
حملة إعلامية مبرمجة ضد حزب الله
لقد جاءت الحملة الإعلامية المبرمجة والمنظمة، من العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية التابعة لقوى الانعزال المشبوهة، لتعزف على وتر واحد، لحظة وقوع الحادث وهجوم الميليشيات الانعزالية على مرافقي الشاحنة، في أن السلاح الموجود في الشاحنة غير شرعي وأن سلاح المقاومة غير خاضع لمؤسسات الدولة وخارج عن إرادة الدولة وأن حزب الله يعمل وفق أجندة خارجية، متجاهلةً عن عمد تحرير المقاومة لمعظم أرجاء الجنوب اللبناني، وتحطيمه لقوة الردع الصهيونية، ودورها المركزي في طرد فصيلي الإرهاب الرئيسين من جبال القلمون اللبنانية (داعش وجبهة النصرة)، ودور الحزب المركزي – باعتراف مسؤولي الكيان الصهيوني- بأنه فرض على الكيان شروطه  لانتزاع حقوق لبنان الغازية والنفطية.
وهذه الحملة الإعلامية المتناسقة والمبرمجة، أكدت صحة ما ذهب إليه المراقبون فيما يتعلق بقضيتي توقيت الهجوم، والأهداف المتوخاة منه، ناهيك أن الإدارة الأمريكية أعفت المراقبين، من الاستمرار في مناقشتهم لمسألة الأهداف المتوخاة من الهجوم على مرافقي الشاحنة من حزب الله، عندما خرج ديفيد هيل – أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، بتصريح جاء فيه " لا بد من البناء العمل المتدرج لإنهاء بنية حزب الله في لبنان".
فشل المشروع الفتنوي مجدداً
لكن هذه الحملة المبرمجة ضد حزب الله وسلاح المقاومة، لم تحقق هدفها، حيث أجمع العديد من المحللين على هدف استغلال حادث "الكحالة" للتحريض على المقاومة وسلاحها، وأن مشروع الفتنة المتنقلة بين المناطق اللبنانية لن يجد موطئ قدم له، وذلك بسبب قرار المقاومة الاستراتيجي بعدم تحقيق مخططات هؤلاء، وأن ما جرى من تحريض على الحزب، لا يتعدى كونه أمراً من بعض الجهات التي تتبع مخابرات خارجية تعمل بإمرتها.
وتقتضي الموضوعية هنا، أن نسجل بأن بيان لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، بشأن الاعتداء من قبل مسلحين على شاحنة تابعة للمقاومة، لعب دوراً أساسياً في ضرب المخطط الفتنوي للقوات اللبنانية ولحزب الكتائب، وأفشل الحملة الاعلامية المأجورة ضد حزب الله، حين أكدت على ما يلي:
1-أن الهجوم المسلّح، الذي نفذته عناصر مجرمة تابعة لبعض الميليشيات المعروفة سابقاً بتعاملها مع العدو الصهيوني، يؤكد أنها ما زالت تعمل وفق أجندة خارجية بعيدة كل البعد عن مصلحة لبنان واستقراره وأمنه.
2-أن الخطاب التحريضي الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام المأجورة، خطاب مأجور ومدفوع الثمن، ويضرب بعرض الحائط المصلحة الوطنية، ويخدم المصالح الطائفية بأبعادها الفئوية والمالية المأجورة.
3- أن سلاح المقاومة الذي حقّق توازن الردع مع العدو الصهيوني، هو الضمانة لانتشال لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية من خلال حماية الغاز والنفط.
 سياسة كظم الغيظ والصبر الاستراتيجي
ما يلفت النظر بشكل رئيسي، صبر حزب الله  الاستراتيجي، وسياسة ضبط النفس لإفشال المخطط الفتنوي، في إطار سياسة كظم الغيظ، وعدم الانجرار للفتنة رغم قدرته على حسم الأمور عسكرياً في زمن قياسي، عندما أكد على رفض الانجرار للفتنة الداخلية وحصره العداء الرئيسي مع الكيان الصهيوني، وهو بهذا الموقف عمل على وأد الفتنة في مهدها بما يذكرنا بموقفه من كمين "الطيونة" الذي نصبته ميليشيا سمير جعجع لمسيرة لجماهير وأعضاء من حزب الله، قرب قصر العدل في بيروت، في أكتوبر ( تشرين أول) 2021، ما أدى إلى استشهاد ( 6) من أعضاء الحزب.
في تلك اللحظة السياسية، تصرف الأمين العام لحزب الله بمسؤولية عالية، عندما دعا مقاتلي الحزب لعدم الانجرار للفتنة، قائلاً لهم: "اكظموا غيظكم لحين تتوفر اللحظة السياسية الملائمة لوأد مشروع الفتنة بشكل نهائي، الذي تقف ورائه جهات غربية وغيرها" مضيفاً: "أن حزب الله لديه 100 ألف مقاتل، لكنهم مجندون للدفاع عن لبنان من أعداء الخارج وليس للقتال في حرب أهلية"... وأضاف مخاطباً سمير جعجع: "مع مين بدك تعمل حرب أهلية مع مين بدك تعمل اقتتال داخلي، مع مئة ألف مع جهازهم وعتادهم". 
وفي الذاكرة أيضاَ موقف حزب الله شأن عدم الانجرار للفتنة، عندما نصبت ميليشيات تابعة لتيار المستقبل في مطلع (آب) أغسطس 2021 كميناً لأعضاء من الحزب، ما أدى إلى مصرع أحد أعضائه وجرح آخرين.
وهذا الموقف المسؤول لحزب الله ينسجم مع مشروعه الاستراتيجي في مواجهة العدو الصهيوني، وفي مواجهة المشروع الصهيو أميركي في لبنان، إدراكاً منه أن هزيمة العدو الصهيوني وتحطيم قوة ردعه، وأن إفشال استهدافات المشروع الصهيو أميركي ممثلةً بشكل رئيسي بتأليب الحاضنة الشعبية اللبنانية ضده، سيضع حداً للمشروع الفتنوي ويضع أصحابه المحليين في مستنقع العزلة والسقوط.