Menu

مآلات المرحلة بين تهديدات هليفي وتحدي المقاومة

وسام رفيدي

كرر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال تهديداته للبنان بأن يعيده للعصر الحجري إن قام حزب الله بأي خطوة تصعيدية ضد دولة المستعمِرين، بالمقابل لم يتأخر رد نصرالله، فأعلن بأن المقاومة هي مَنْ ستعيد الكيان للعصر الحجري. لم يكتفِ نصرالله بذلك، بل عدد المواقع العسكرية والحيوية للكيان التي يمكن للمقاومة تدميرها كالمطارات والقواعد المدنية والعسكرية ومنشآت المياه والكهرباء ومفاعل ديمونا والطرق والموانئ.

لا شك أن لدى الكيان قدرة تدميرية هائلة وقد استخدمها سابقاً ضد لبنان وضد القطاع، ويمكن أن يستخدم أكثر منها، ولا شك أيضاً أن لدى حزب الله قوة تدميرية، وإن لم تعادل قوة الكيان، خاصة أن تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية وإعلان نصرالله مراراً أن سلاح الحزب التدميري بات يمتلك قوة أخرى: الدقة، وبالتالي فمن زاوية عسكرية صرف لا معنى لتهديد هليفي، لأن الحزب يستطيع الرد العسكري وأيضاً بقوة تدميرية، علماً أن طاقة الجبهة الداخلية للمجتمع الاستيطاني ومعنويات المستوطنين لا تتحمل الخسائر كما أصحاب الحق اي نحن المستعمَرون. وبالتالي ففي الحسبة العسكرية الصرفة فهم الخاسرون إن لجأوا لقوتهم التدميرية، آخذين بعين الاعتبار أن كل اعتداءاتهم السابقة، وبقوة تدميرية هائلة في لبنان والقطاع، والتي لم تحقق ما يصبون إليه بالقضاء على ممكنات المقاومة، بل بالعكس: تراجعت قدرتهم على الردع، وباتوا في العد التنازلي لوجود كيانهم أصلاً، وهذا ما يقوله خبراؤهم واستراتيجيوهم وجنرالات جيشهم وأجهزتهم الأمنية قبل أن نقوله نحن.

هذا جانب واحد من المسألة، هو الجانب المتعلق بالنتائج المادية، علماً أن الحرب بكل الأحوال هي ظاهرة بشعة في التاريخ بكل المقاييس فلا يجوز التعامل معها بخفة، ولكن في النضال الوطني لتحرير الأرض من المستعمِرين تنطرح كخيار لا بديل عنه، رغم بشاعته ورغم ضحاياه، وإلا فالاستسلام والمسالمة والخضوع لإرادة المستعمِر. أما الجانب الآخر فهو الذي يتجلى بروح التحدي وإرادة المقاومة التي عبر عنها السيد بخيار (العصر الحجري)، وهذا ملفت للنظر كما جرت العادة في تلك الخطابات. فالرد على عنجهية وتهديدات الصهاينة يكون بذات المستوى لا أقل. وشتان بين رد كهذا وبين نهج الاستعطاف والتفاوض: التعويل على هذا الطرف العربي الرسمي أو ذاك بتحصيل فتات ما عبر علاقاته بالإمبريالية الأمريكية، التعويل على بايدن ومشاريعه التطبيعية مع السعودية، التعويل على إنعاش مسار التسوية بإعادة طرح المبادرة العربية.

الغريب في هذا النهج أنه يصر على التعلق بذات الوهم: ممكنات التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني، رغماً عن إعلان الحكومات الصهيونية المتعاقبة أن لا تفاوض لأن لا شريك فلسطيني، وأن الممكن الوحيد هو ما هو قائم: سلطة ذاتية تقوم بدورها الوظيفي المحدد حسب الاتفاقات، خاصة التنسيق الأمني، تلك الاتفاقات التي أدار الصهاينة الظهر لحصتهم فيها، وتوسيع الاستيطان، وفي واقع الحال وبالتجربة التاريخية لمن احتكم للتاريخ لا لأوهامه، فنتياهو ليس بمختلف عن لبيد، وهليفي وغالانت ليسا بمختلفين عن غانتس- وهل نحن بحاجة لتأكيد ذلك؟- وإن كان الصهاينة الحاليون في الحكم يعلنون فاشيتهم دون رتوش، فيما ليبراليو الصهاينة الذين أسسوا المشروع الصهيوني، ورحّلوا شعبنا في العام 48، واغرقوا الوطن بالمستوطنات، وارتكبوا المجازر، هم بالذات أولئك الليبراليون أمثال لبيد وغانتس وقبلهم رابين وبيرس وبراك وبن غوريون. أولئك الفاشيون وهؤلاء الليبراليون يجمعهم رغبة الصحو يوماً فلا يجدوا شعبنا فوق وطنه، تلك حقيقة وجوهر الصراع، الصراع الوجودي، وهم الذين لم يتحلوا يوماً بأدنى حد من الأخلاقية الإنسانية لكي يتوقع أياً كان انحيازهم لعصر سلمي بدلاً من العصر الحجري.

وبين نهج الاستعطاف والتفاوض ونهج التحدي وإرادة المقاومة تتموضع معطيات المرحلة الحالية، هشاشة الرهان وبؤسه على التسوية والتفاوض، مقابل المصداقية التاريخية المجرّبة لخيار المقاومة، وفي علم السياسة فتقدير الموقف للخلوص لتوقعات ما، لا يتوقف عند المعطيات ذات الطابع العقلاني التي لا شك يتقنها إلى هذا الحد أو ذاك التحليل الأكاديمي: موازين القوة، علائم الضعف والقوة، القدرات والإمكانيات، السيناريوهات المتوقعة، الفرص المتاحة والخيارات، بل يتعداها ويجب أن يتعداها، إلى ملامسة روح التحدي والإرادة والقدرة على التحمل والصمود، وهذا بتقديري ما يميز شعبنا والشعوب العربية عن مجتمع المستوطنين الهجين، وهذا ما لا يلمسه التحليل (العقلاني) دائماً، وهذا ما يركز عليه نصرالله في خطاباته باستمرار، وما عبر عنه أخيراً بمقولة: (العصر الحجري).