Menu

الصورة كسلاح فعال في معركة طوفان الأقصى

موسى مراغة

"كتب موسى مراغة"

تحمل الصورة لغة واضحة، تتجاوز اللغة المكتوبة والمقروءة، فالصورة الصادقة تحمل لغة تختزن الوجدان والمشاعر والعقول، فترسخ في المعاني وتبرهن على الوقائع والحقائق مالا تستطيع الكلمة أن تحققه.

وفي عصر الصورة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة والفضائيات التي تنقل الأخبار والصور لحظة حصولها، أصبحت الصورة تغني عن التعليق والتحليل والوصف والإنشاء، وكما جاء في المثل الصيني الشهير "صورة واحدة تغني عن ألف كلمة" وفي معركة طوفان الأقصى ومنذ انطلاقها في السابع من أكتوبر 2023 وإلى يومنا هذا لعبت الصورة دوراً اساسياً في هذه المعركة المشرفة، واستطاعت المقاومة استخدام هذا السلاح خير استخدام، وقد تفوقت المقاومة على العدو الصهيوني في هذه المجال وأربكت روايته للذي حصل، وكذبت ودحضت الأضاليل التي كان يبنيها، وأوقعت اعلامها وتصريحات قادته في شرك الكذب والنفاق والدعاية الكاذبة، وأظهرت جبن جنوده وقوة أبطال المقاومة واستبسالهم في الهجوم والردع وإيقاع الخسائر في صفوف القوات الغازية.

لقد أضحت الصورة جزءاَ من معادلة النصر، وعنصراً من حساباته المعقدة، وبات حضور الصورة له التأثير الطاغي في مجريات المعركة، لما تتمتع به الصورة من قدرة على الرسوخ في الذهن ونقل للحقيقة، وتصوير الواقع كما هو والتأثير المباشر على جمهور المشاهدين.

ولعلنا نشير إلى أهم الوقائع والمفاصل المهمة لاستخدام الصورة من قبل المقاومة في معركة طوفان الأقصى يتبادر إلى الذهن مباشرة المشاهد الأولى التي ازدحمت وغطت شاشات التلفزة في اليوم الأول للمعركة ولا نزال نتذكر مشاهد المقاومين عندما اجتاحوا جواً وبراَ التحصينات التي كانت تحيط بالمستوطنات والمعسكرات الصهيونية، ولعل مشاهد رجال المقاومة وهم يطاردون جنور العدو داخل معسكراتهم المحصنة وفي غرف نومهم ومهاجعهم لا تزال راسخة في الذاكرة، حيث نقلت لنا الصورة بسالة رجال المقاومة وفدائيتهم المنقطعة النظير واستبسالهم في الهجوم على مواقع العدو وأسرهم للضباط والجنود الصهاينة الذين سيطر عليهم الذهول من هول المفاجأة الصاعقة للذي حصل.

إن تلك الصور التي كان لها التأثير الكبير إن كان على شعبنا الفلسطيني الذي رأى أبناء ورجال المقاومة وهم يصفون هذه الملحمة البطولية، ومن جهة أخرى تلك الصور التي وصلت إلى ما يسمى بالجبهة الداخلية وقادة الكيان وساسته والتي أصابتهم في مقتل وأحدثت ارباكاً وتصدعاً في البنية الداخلية سياسياً وعسكرياً.

والمقصد الثاني الذي قدمته لنا الصورة في هذه المعركة هي جموع الأسرى الذين استطاعت المقاومة أسرهم في تلك المعركة البطولية، حيث رأينا الخوف والهلع الذي انتاب أولئك الضباط والجنود الصهاينة الذين وقعوا في أسر المقاومة، حيث أن تلك الصور أحدثت التأثير الكبير في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني وأيقظت الأمل لإمكانية تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون العدو وزنازينه.

ومع اشتداد المعارك البرية حيث توغلت قوات العدو الصهيونية في بعض مناطق قطاع غزة، ودخلت دبابات والمدرعات وحاملات الجند في مواجهات مع أبطال المقاومة، وهنا لعبت الصورة دورها الأكبر في تصوير الملاحم البطولية لرجال المقاومة مع القوات الغازية ونقلت لنا الصورة العديد والكم الهائل من الصور للتصدي لتلك القوات وإيقاع الخسائر بين أفراده وتدمير آلياته ودباباته، ولعل مشاهد تفجير تلك الآليات سواء بالقذائف المضادة للدروع أو سواء بالمتفجرات التي قام رجال المقاومة وبكل شجاعة وإباء على جسم تلك الآليات والالتحام بها من النقطة صفر، كانت الصورة تنقل هذه البطولات الخارقة والغير معتادة في مثل هذه المعارك ولعل مشاهد اصطياد أفراد العدو وقنصهم وإيقاع الخسائر بهم من أكثر المشاهد التي غطت النقل الحي والمباشر لوسائل التواصل والفضائيات، وعندما جاءت لحظة تبادل الأسرى وظهر جلياً وبالصورة الواضحة والتي لا لبس بها كيف كانت المقاومة التي تم نعتها بالإرهاب تعامل أسراها والذين أفرجت عنهم بطريقة في غاية الاحترام والتواضع واللطف والإنسانية، بينما كان يعامل الاحتلال من أفرج عنهم من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من نساء وأطفال في منتهى القسوة والغلظة والاستفزاز، ويمنع أهلهم من الاحتفاء أو الاحتفال بهم ويهددهم أنفسهم بالاعتقال والسجن.

ولعل الصورة نقلت إلينا الأسرى الخارجين من قبضة المقاومة وهم يلحون بالأيدي، ومع مصافحات دافئة، وابتسامات ونظرات مفعمة بالامتنان، ولعل ذلك المشهد الذي انتشر في الفضائيات وعلى كل مواقع التواصل الاجتماعي لتلك المرأة التي كانت تصطحب كلبها الذي كان محتجزاً معها، أما صورة الأسرى المفرج عنهم من السجون الصهيونية، فكانت على النقيض من ذلك، حيث خرج الأطفال والنساء من الزنازين وآثار التعذيب الجسدي والنفسي على وجوههم المرهقة، ومشاهد اللقاء بينهم وبين أهاليهم في ظل إرهاب وعنف صهيوني سرق منهم لحظة الفرح ولقاء أبنائهم المفرج عنهم.

ولعل من الصور البالغة التأثير والتي كان لها الدور الكبير في إدارة وتوجيه المعركة، وفي إشاعة الأمل بين أبناء الشعب الفلسطيني وبث الذعر في نفوس المحتلين والجنود الصهاينة وقيادتهم، ونعني هنا صورة الناطق الإعلامي باسم المقاومة، ومثاله الناصع "أبو عبيدة" والذي كان ينتظره الصديق والعدو ليسمع منه أخبار المعارك والحقائق والموقف العسكري والسياسي الراهن، وكانت لتلك الرسائل الدور المهم والفعال في توجيه الرأي العام، وأصبح "أبو عبيدة" وغيره من الناطقين الإعلاميين والعسكريين بمثابة رسائل تحذير إلى العدو وفضح لأساليبه وكشف لمخططاته على جميع الصعد، وفي نفس الوقت رسائل إلى أبناء الشعب العربي والفلسطيني بأن المقاومة على خطها في الصمود والاستبسال وعلى طريق النصر المؤزر.

وفي هذه العجالة لا يمكننا أن ننسى دوراً مهماً وموجهاً وكان له التأثير الفعال على الجبهة الداخلية للكيان خاصة، وهي الصور التي كانت تبث بين الحين والآخر للأسرى الصهاينة والتي كانوا يوجهونها إلى قياداتهم من أجل حثهم لإجراء عمليات التبادل لإطلاق سراحهم، لقد لعبت المقاومة وباقتدار واستخدمت تلك الصور والمشاهد أحسن استخدام واستطاعت أن توصل الرسائل إلى قيادة ذلك الكيان الغاصب.

ومع ازدياد جرائم العدو الصهيوني طوال هذه الحرب، حيث تم قصف الأبنية السكنية والمشافي وبيوت العبادة والمدارس ومراكز الإيواء، حيث سقط الآلاف من الشهداء والجرحى وهناك الكثير من المفقودين، هذه الإبادة الجماعية ضد البشر والحجر وهذه الحرب الطاحنة التي يشنها العدو جواً وبراً وبحراً ضد القطاع الصامد والتي تشكل جريمة إنسانية وعاراً في جبين كل من شارك وساند ودعم هذه الحرب الإجرامية ولعلنا شاهدنا الصور التي نقلت لنا تلك المشاهد من الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء ومشاهد التدمير للمناطق السكنية الآهلة ومشاهد تشييع الشهداء من قبل اهاليهم وذلك الإصرار على الصمود والثبات رغم كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات إلا أن أهل غزة وأبنائها بقوا صامدين راسخين متجذرين في أرضهم رافضين الرحيل والنزوح ولعل صور أولئك الذين كانوا يعربون عن مواقفهم تلك كانت تملأ الشاشات صغاراً كانوا أم كباراً رغم الجوع والعطش وفقدان المأوى إلا أن اصرارهم وثقتهم بالنصر كان حافزاً للتضحية وتقديم كل ما هو نفيس لتنتصر المقاومة.

لقد كان للصورة دور جد مهم في معركة طوفان الأقصى ولكن هذه المرة إلى الرأي العام العالمي وخاصة خارج المنطقة العربية حيث كانت الصورة داعمة لغزة ولأطفالها ونسائها ومستشفياتها ولكل من تعرض للعدوان فيها، حيث غطى معظم دول أوروبا وأمريكا ومناطق أخرى من العالم تظاهرات مناصرة لغزة ول فلسطين شاجبة العدوان الهمجي والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، كانت الصورة في مساحتها وتنوعها وشمولها ووعيها وتأثيرها في فضح العدوان والمشاركين والداعمين له من دول الغرب وخاصة أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، حيث عادت القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى الضمير العالمي الذي لا يمكن تجاهله، بعد أنا جاء وقت أصبحت تلك القضية من المنسيات حيث تم تجاوزها لفترة طويلة من الزمن خاصة في ظل المشاريع والاتفاقيات الاستسلامية وهرولة بعض الدول العربية إلى التطبيع.

قد ربح الفلسطينيون معركة الصورة وأجادوا استخدامها وحققوا نتائج مهمة في هذه المعركة مستندين بذلك إلى بطولات وتضحيات المقاومين وصمود واستبسال أهل غزة وعموم الشعب الفلسطيني الذي يسجل معارك الشرف والعزة على طريق النصر والتحرير والعودة.