Menu

مشروع نيمبوس: التكنولوجيا للقتل

ثائر أبو عياش

Nimbus project

كتب ثائر أبو عياش"

في عام 2021 أنطلق مشروع نيمبوس بالتعاون ما بين دولة الاحتلال مع شركتي "أمازون وغوغل" ضمن صفقة سيبرانية وعسكرية وأمنية سرية، بموجب عقد تصل قيمته إلى 1.2 مليار دولار، ويهدف الاتفاق إلى زيادة قدرات الجيش في تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر توفير سحابة ضخمة تضم معلومات كثيفة، بالإضافة إلى توفير خدمات على الانترنت لقطاع الاحتلال الحكومي وانظمته العسكرية، فضلاً عن ذلك زيادة قدرات جيش الاحتلال في التجسس، والأخطر أن الاتفاق ما بين الاحتلال وشكرتي "أمازون وغوغل" يقضي بتخزين قواعد البيانات والبرمجيات للشركتين في مراكز خاصة داخل الأراضي المحتلة، وبطبيعة الحال يسمح هذا الأمر بمراقبة أكبر عدد من البيانات، وتخزين المعلومات، ورصد تحركات الفلسطينيين عبر تصوير الوجوه لمعرفة هويات الأشخاص، وتحديد نواياهم وفقاً لملامحهم.

بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تحدث بعض المسؤولين في "إسرائيل" عن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي خلال الحرب على قطاع غزة، ليعود مشروع "نيمبوس" إلى الواجهة من جديد، ويُثير التساؤلات حول دور الشركات الكبرى في العالم في دعمها للاحتلال، خصوصاً أن بعض موظفين شركة "غوغل" قاموا بتقديم استقالتهم احتجاجاً على مشاركة الشركة في الإبادة على قطاع غزة على حد وصف الموظفين مما أثار القضية بشكلٍ أوسع.

يُدرك الموظفين في الشركات الكبرى مثل "غوغل وامازون" وغيرها خطورة الخطوات الاحتجاجية التي من الممكن القيام بها، وفي هذا السياق يقول مهندس البرمجيات "سرمد جيلاني" الذي أنظم إلى "غوغل" في عام 2021 لصحيفة "إنغيدجت": "إنّه باعتبارك أحد موظفي غوغل، عليك أن تكون حذراً للغاية، لأنّ أي نوع من الانتقادات الموجهة إلى كيان الاحتلال يمكن أن يُنظر إليها بسهولة على أنّها معاداة للسامية".

إذن تتورط الشركات الكبرى في العالم بشكلٍ مباشر في احتلال الشعب الفلسطيني، وذلك عبر السماح للاحتلال باستخدام البرمجيات والذكاء الاصطناعي والشيفرات وغيرها لمراقبة الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تحديد الأهداف العسكرية وقصفها كما جرى مؤخراً في قطاع غزة ما بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهذا بدوره يؤكد أن الشركات الكبرى في العالم هي جزء من الحرب على الشعب الفلسطيني، وتُساعد في التضييق عليهم، وتشرديهم من أرضهم، وقمع حرياتهم، فضلاً عن ذلك تقوم بمراقبة خصوصياتهم أيضاً.

من زاوية ليست بعيدة عما سبق تكمن خطورة مشروع "نيمبوس" في أنه يقوم بتقديم بيانات جغرافية ومساحية لإدارة ما تُسمى "الأراضي الإسرائيلية" من أجل توسيع رقعة المستوطنات في الضفة الغربية، وفي سياف منفصل بات واضحاً أن الاحتلال يبحث عن كل الطرق والأساليب لقتل الفلسطينيين ضارباً بعرض الحائط كل القوانين والشرائع الإنسانية، بالإضافة إلى سعيه المستمر لتطوير التكنولوجيا في الحروب لتعميق سيطرته على حياة الفلسطينيين والتحكم فيها، وفي هذا السياق يقول الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيرش":" هناك قلق من أن تصبح قرارات الحياة والموت مرتبطة بحسابات تجريها الخوارزميات"، وهنا تؤكد كلمات غوتيرش التي جاءت بعد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة أن الاحتلال أصبح يعيش حالة من الهستيريا على الصعيد الاستراتيجي بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ولذلك يقوم بتسخير التكنولوجيا للحفاظ على أمنه، بالإضافة إلى محاولته تحقيق انتصار فعلي على أرض الميدان عبر هذه التقنيات بعد فشله في تحقيق الانتصار عبر العنصر البشري فقط.

في ذات المنوال تُعتبر التكنولوجيا سلاح ذو حدين، إذ يمكن استخدامها في التعليم والصحة وغيرها من المجالات، إلا أن الاحتلال يسعى منذ سنوات إلى تطوير حقيبته التكنولوجية لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، وكما قلنا سابقاً يسعى الاحتلال من خلال هذه التكنولوجيا لتعميق سيطرته على حياة الفلسطينيين، بالإضافة إلى مراقبة وتتبع "الإعداء"، سواء الدول وذلك عبر الأقمار الصناعية، أو الأشخاص وذلك عبر برامج التجسس مثل برنامج "بيغاسوس"، ناهيك على أن الاحتلال يقوم بشكلٍ مستمر في قتل المبرمجين وخبراء تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى قتل أصحاب العقول والخبرات، لا سيما ذو الكفاءة في مجال التكنولوجيا والبرمجة والحاسوب، وبطبيعة الحال يتم هذا القتل بشكلٍ ممنهج يهدف من خلاله الاحتلال إلى حرمان قطاعات الشعب الفلسطيني من الكوادر المتخصصة والمميزة التي يعصب تعويضها على المدى القريب بالدرجة الأولى، يضاف إلى ذلك خلق حالة من الخوف لدى باقي الكفاءات.

أخيراً وليس أخراً يستخدم الاحتلال التكنولوجيا للقتل، والتشريد، والقمع، والسيطرة، وتوسيع رقعة المستوطنات...، بالإضافة إلى ذلك يستغل الاحتلال كل الإمكانيات والتطورات كي يلاحق الفلسطينيين ليغتالهم أو يأسرهم أو يعذبهم عبر الاحتلال الرقمي، أو لتعمق في وصف الصورة يمكن القول إنه استعمار تكنولوجي، ويبقى هنا السؤال أمام مشهد استخدام التكنولوجيا في قتل الفلسطينيين، وأيضاً قتل خبراء التكنولوجيا والانترنت :" كيف على الفلسطينيين التغلب على هذا الأمر؟"، ويأتي هذا السؤال من صلب الأدب المقاوم الذي يؤكد أن التكنولوجيا هي بمثابة جاسوس على الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر يعتبر الأدب المقاوم أن "الهاتف المتنقل" هو بمثابة جاسوس صغير يحمله الإنسان الفلسطيني بين يديه، ولذلك بات من الضروري بناء استراتيجية لكيفيه التعامل مع التكنولوجيا لبناء ستار حديدي أمام محاولات الاحتلال خصوصاً ما بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.