Menu

هل تملك "إسرائيل" قوة ردع حقيقية ضد ايران؟

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

كتب حلمي موسى*

 

تقريباً كل وسائل الإعلام والقادة السياسيون والعسكريون يتحدثون عما يسمونه "الرد الإسرائيلي" على "الرد الإيراني" وكلهم يؤكدون أنه قادم لا محالة. وجميعهم يقرون بأن الرد محتوم ولكن كيف ومتى أمر سيتقرر في حينه. ورغم أن طبيعة هذه الأقوال تخالف جوهر سلوك إسرائيل عملياً والتي ترى أن الردع، بمعنى ترهيب العدو من ممارسة حقه في الرد، يشكل مقوماً أساسياً من مقومات الأمن القومي الإسرائيلي. وهنا يغدو السؤال البديهي: هل فعلا تمتك "إسرائيل" قدرة ردع حقيقية ضد إيران؟ وهل حقاً إسرائيل قادرة فعلاً على توجيه ضربة رادعة ل إيران أم أن كل ما يمكنها فعلاً هو إظهار قدرة على توجيه ضربات عسكرية أو معنوية أو أمنية فقط من دون قدرة على الحسم.

في الماضي كان هناك حتى داخل "إسرائيل" من يرى أن إيران ليست لقمة تستطيع إسرائيل ابتلاعها. ولذللك كانت الاستراتيجية الإسرائيلية على الدوام تقوم على مبدأ تحريض أميركا، على وجه الخصوص، لخوض حرب "إسرائيل" ضد إيران. وربما لهذا السبب كرر مسؤولون أميركيون خشية الرئيس  جو بايدن من جر إسرائيل له لحرب لا يريدها مع إيران. وهذا أيضاً يبرر جزئياً احتضان أميركا ودول غربية لإسرائيل ودفاعها عنها في مواجهة الصواريخ الإيرانية لمنع تدهور الوضع إلى حرب لا يريدونها.

ومع ذلك لا بد من الاهتمام بالكلام الأميركي الواضح: لقد دافعنا عن إسرائيل ولدينا خطط لمعاقبة إيران ليس بينها المشاركة مع إسرائيل في توجيه ضربة لإيران. ولذلك ينبغي لإسرائيل الاكتفاء بالفرحة لإفشال الهجوم الإيراني وعدم البحث عن ثأر ليس مطلوباً. أما إذا أرادت إسرائيل الهجوم فهذا قرارها وهي تتحمل تبعاته والمهم أن تطلعنا عليه سلفاً لاتخاذ التدابير الدفاعية ضد قواتنا في المنطقة.

ومع ذلك لا تقبل القيادة الإسرائيلية بهذا الكلام، وتعلن جهاراً نهاراً أنها سترد على إيران وأن ردها سيكون موجعاً. وكتب المعلق العسكري لهآرتس عاموس هارئيل تحت عنوان "الرد سيكون، رغم التحفظات الأميركية" أنه "بعد النجاح في إحباط هجوم الصواريخ والمسيرات الإيراني يبدو أن إسرائيل تخطط للرد. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقد أمس عدة لقاءات مستعجلة وكثيفة حول مسألة رد إسرائيل على العملية الإيرانية الاستثنائية في منتهى يوم السبت. ورغم أنه تم إرسال أكثر من 350 صاروخ ومسيرة نحو أراضي إسرائيل، إلا أن هذا الهجوم انتهى بفشل ذريع – أربع إصابات سطحية لصواريخ وإصابة طفلة في النقب إصابة خطيرة. القيادة الإسرائيلية تؤكد على هذه السابقة الخطيرة وتشعر بأنه يجب عليها التوضيح للنظام في طهران الثمن الذي ينطوي على ذلك".

وأضاف أن نتنياهو سيعقد مجلس الحرب اليوم أيضاً للمرة الثانية خلال 24 ساعة لمناقشة الرد المطلوب. مكتبه أعلن أيضاً بأن رئيس الحكومة قام باستدعاء عدد من رؤساء المعارضة لتقديم إحاطة أمنية استثنائية لهم. في الخلفية يجب أن لا نتجاهل الاعتبارات السياسية المقرونة باتخاذ القرارات. نتنياهو يتم تحديه من اليمين، من قبل رؤساء القوائم المتطرفة في الحكومة، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذان يطلبان علناً انتقاماً مدوياً من ايران.

  ومع ذلك كتب أن الولايات المتحدة، التي كانت لمساعدتها العملياتية لإسرائيل دور أساسي في إحباط الهجوم، تريد منها الآن الامتناع عن الرد. الرئيس الأميركي قال ذلك في محادثة هاتفية مع نتنياهو صباح أول أمس، والرسائل تكررت منذ ذلك الحين في عدة قنوات مع جهات رفيعة في الإدارة الأميركية. أيضاً الدول الأوروبية التي ساعدت في حماية إسرائيل، من بينها بريطانيا وفرنسا، أرسلت رسائل مشابهة. الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل بأنه في هذه الظروف هي لن تشارك معها في أي عملية هجومية ضد ايران.

ولاحظ هارئيل وجود خلافات داخل كابينت الحرب إلا أنه أوضح أن هناك إجماع في القيادة العليا يتجاوز المعسكرات السياسية، وحتى أنه يشمل رؤساء أجهزة الأمن. ورئيس الأركان هرتسي هليفي قال أمس أثناء زيارته في قاعدة نفاتيم بأن "إسرائيل" سترد على إطلاق النار على أراضيها. الاعتقاد هو أنه مطلوب الرد، حتى لو كان يبدو أنه سيتم بذل محاولة لاختيار عملية محسوبة، ترسل الرسالة إلى إيران بدون أن تدهور منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.

ومن الواضح أن أميركا بدأت حملة مع أصدقائها وداخلها لمنع "إسرائيل" من توجيه ضربة لإيران. وقد تحادث وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع عضو كابينت الحرب غانتس وأبلغه برفض أميركا أي هجوم إسرائيلي على إيران. كما أوضح هذه الرسالة في حديثه مع قادة اليهود في أميركا عندما قال لهم أنه أوضح لإسرائيل أن "القوة والحكمة وجهان لعملة واحدة". وقال بلينكن لقادة اليهود الأميركيين في لقائه معهم أمس أن التصعيد ضد إيران لا يخدم مصالح أميركا ولا إسرائيل. وأضاف بلينكن أن واقع مشاركة الأردن و السعودية في الجهد الدفاعي لصد الهجوم الإيراني تعتبر أمراً فائق الأهمية وهويفتح فرصاً للمستقبل.

وتوحي أميركا لكل أصدقائها أنه إذا وجهت إسرائيل ضربة لإيران فإن الأخيرة سوف ترد مرة أخرى على إسرائيل. وحسب مسؤولين أميركيين قولهم: "حينها يصعب علينا تكرار النجاح الهائل الذي تحقق ليلة السبت الفائت، إذا ما أطلقت إيران مئات الصواريخ والطائرات من دون طيار وإسرائيل تعرف ذلك".

وكما سلف تحادث بلينكن مع غانتس كما تحادث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي يؤاف للمرة الرابعة منذ الهجوم الإيراني. وحسب البنتاغون فإن أوستن أبلغ غالانت أن الهدف الاستراتيجي لأميركا وإسرائيل ينبغي أن يكون الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

في كل الأحوال تحاول إسرائيل رغم التحذيرات الأميركية والغربية تكرار تصميمها على الرد. ولكن بدل الحديث الكبير عن ضربة عسكرية مؤلمة صارت أوساط إسرائيلية تتحدث عن ضربة سايبرية ضد منظومات تحكم إيرانية أو ضربات محدودة هدفها توجيه رسائل لا أكثر. ومع ذلك عرضت وسائل الإعلام الإسرائيلية نوعية الأهداف التي يمكن لإسرائيل اختيار ضربها في إيران. وأول هذه الأهداف المحتملة هي حقول النفط والتي ترى إسرائيل أنها عقب أخيل في إيران لأنها تقريباً من دون دفاعات جوية مكثفة لأنها أهداف مدنية واقتصادية واضحة.

والهدف المحتمل الثاني من وجهة نظر إسرائيلية هي المنشئات والمصانع العسكرية. فإيران تمتلك قواعد ومخازن صواريخ فوق وتحت الأرض، وكذللك مصانع عسكرية كثيرة. بينها مصانع طائرات من دون طيار في مدينة كرمنشاه والتي سبق مهاجمتها في الماضي.

أما الهدف المحتمل الثالث فهو المنشئات النووية الإيرانية وهناك اعتقاد بأن احتمالات التوجه نحو تحقيق هذا الهدف متدنية جداً لاعتبارات كثيرة أهمها أن هذا فعلاً سيقود إلى حرب مفتوحة في المنطقة على نقيض تام مما تريده أميركا.

وعدا ذلك هناك أهداف أخرى تتمثل في مهاجمة قادة إيرانيين بأساليب الاغتيال والتصفية داخل إيران وهو ما سبق لإسرائيل أن فعلته مراراً في الماضي.

وهناك هدف آخر يمكن لإسرائيل ضربه وهو التوجه نحو ما تسميه إسرائيل "وكلاء" إيران في المنطقة والمقصود بذلك حلفاءها في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن. وهذا طبعاً لا ينطوي على أي جديد لأن إسرائيل لم تدخر وسعاً في مهاجمة هؤلاء.

عموماً لا تحسب إسرائيل حساباً لسلاح الجو الإيراني الذي لا يملك أسلحة نوعية وكل ما يخيفها في هذا الجانب هي الطائرات من دون طيار خصوصاً طراز شاهد 136 الانتحارية إذا استخدمت بشكل مفاجئ وبكثافة. ويقال أن قدرة إيران الانتاجية من هذه الطائرات عالية وأنها باعت روسيا أكثر من 6000 منها أثناء الحرب مع أوكراينا. كما أن الدفاعات الجوية الإيرانية ليست عالية الكفاءة ما عدا منظومات S-300 وهي قليلة. ولكن لدى إيران قدرات صاروخية لا يستهان بها خصوصاً الصواريخ البالستية التي حسب التقديرات تملك ما لا يقل عن 3000 منها ومداها متوسط إلى بعيد.

وشرح المعلق العسكري لصحيفة إسرائيل اليوم اليمينية، يؤاف ليمور، المعضلة التي تواجهها إسرائيل وتمنعها من الرد فكتب: "تفاقمت المعضلة الاستراتيجية المحيطة بالرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني خلال اليوم الماضي. من ناحية، فهم أن الهجوم لا يمكن أن يبقى دون رد. ومن ناحية أخرى، الرغبة في تجنب التحول إلى حرب استنزاف ضد إيران، وربما حتى حرب إقليمية شاملة.

وقد أتيحت لإسرائيل الفرصة للرد على الهجوم في الوقت الحقيقي، عندما كان ضباب المعركة لا يزال كثيفاً. يُزعم أنها تجنبت ذلك لأن القوات الجوية قررت أنها غير مستعدة للقيام في الوقت نفسه بمهمتين معقدتين هجوم عميق في إيران والدفاع ضد مثل هذا الهجوم الكبير. والحقيقة أن من قاد الامتناع عن الرد تلك الليلة هو أرييه درعي الذي تحدث في جلسة مجلس الوزراء مشيداً برد رئيس الوزراء الراحل إسحق شامير في حرب الخليج الأولى وأوصى بالانتظار حتى تتضح الصورة العامة قبل اتخاذ القرارات.

لكن في الأيام التي مرت منذ ذلك الحين، تبلور واقع استراتيجي معقد، يتطلب تفكيراً عميقاً وخوض مخاطر كبيرة على الأمن القومي بمعناه العميق. ومن الواضح أن إسرائيل يجب أن تهاجم إيران ليس فقط كرد، بل كوسيلة للردع بشكل رئيسي. وتجنب ذلك قد يفسر في إيران على أنه ضعف ويشجع النظام الشيعي على استغلال كل فرصة لشن هجمات مماثلة. كما أن حقيقة أن النخبة السياسية والأمنية برمتها سارعت إلى الإعلان عن أنه سيكون هناك رد، حفزت إسرائيل، لأن الانسحاب من الرد سيفسر على أنه ضعف واستسلام لتهديدات الرد الإيرانية والضغوط الدولية.

 

كما أن إسرائيل لا ترغب في التدهور إلى حرب شاملة مع إيران ووكلائها، وعلى رأسهم حزب الله. لقد أوضح الإيرانيون بالفعل أنهم سوف يردون على الرد، وقد يتم جر إسرائيل إلى مناطق لا مصلحة لها في التواجد فيها، بكل تأكيد ما دامت مهمة هزيمة حماس واستعادة الرهائن من غزة لم تكتمل بعد.

 

يجب الاعتراف بصدق أن إسرائيل تجد صعوبة في تقييم طبيعة الرد الإيراني. لقد كان من الخطأ القيام بذلك قبل التأكد من اغتيال مسؤول الحرس الثوري حسن مهداوي، وقد يكون من الخطأ مرة أخرى الآن. وكان ثمن الخطأ الأول هو الهجوم الصاروخي الذي وقع يوم السبت، والذي تم احتواؤه إلى حد كبير، لكنه أضر بالردع الإسرائيلي وكلف الاقتصاد الإسرائيلي ثروة. وقد يكون ثمن أي خطأ آخر أثقل، ليس فقط في الأرواح والأضرار والأموال، بل وأيضاً في الإضرار بالتحالف الغربي العربي الذي يشكل سابقة.

 

 

ويعرض الأميركيون أيضاً ما يبدو وكأنه صفقة حلم، محور إقليمي استراتيجي، يشمل تحالفاً دفاعياً رسمياً وعلاقات دبلوماسية مع معظم دول العالم الإسلامي، والذي سيواجه إيران ووكلائها في المنطقة، وسيكون أيضاً العامل الرئيسي. في خلق واقع مستقبلي جديد في غزة.

وخلص ليمور إلى أنه في الواقع السياسي الحالي في إسرائيل، من المشكوك فيه أن تتحقق مثل هذه الصفقة الكبرى. والنتيجة هي أن إسرائيل سوف ترد في إيران، ولكن قد تضطر إلى التعامل مع العواقب وحدها. لقد علمنا الهجوم الذي وقع يوم السبت أن إسرائيل قوية، ولكنها أيضاً تجد صعوبة في التعامل بمفردها وتحتاج إلى مساعدة خارجية. ومن المفترض أيضاً أن تغمر مناقشة مجلس الوزراء المفتوحة كل هذه القضايا وتتعامل مع عواقبها المحتملة.

 

 

*كاتب صحفي من غزة