Menu

الأقصى في عين العاصفة

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

 

كتب راسم عبيدات*

 

 الاستهداف للمسجد الأقصى والسعي لفرض وقائع جديدة فيه، بما يغير من طابعه الديني والقانوني والتاريخي، ليس بالجديد، ولكن بعد تشكل حكومة اليمين المتطرف والفاشية اليهودية، تسارعت الخطوات على صعيد التهويد للمسجد الأقصى، فبن غفير صاحب مشروع فرض السيادة والسيطرة على الأٌقصى، والمتمثل في إلغاء الوصاية الأردنية على الأقصى، تلك الوصاية التي يجري تجويفها وتفريغها من محتواها شيءً فشيءً، وكذلك هناك سعي حثيث من أجل إلغاء الإشراف الإداري للأوقاف الإسلامية على الأقصى، حيث وُجهت اتهامات للأوقاف الإسلامية بأنها منظمة "إرهابية" من قبل جماعات يهودية متطرفة. وبن غفير شخصياً اقتحم الأقصى ثلاث مرات كوزير في عام 2023، كانون ثاني وأيار وتموز /2023. وبن غفير ومعه مروحة واسعة من وزراء وأعضاء الكنيست من الحكومة الحالية، ومعهم حاخامات وجماعات تلمودية وتوراتية   منضوية تحت ما يسمى بمنظمات الهيكل، يعتبرون بأن المسجد الأقصى، هو أقدس مكان  بالنسبة لليهود، وهو بيت الرب، والذي يجب أن يستمر الصعود إليه، حتى يتحقق حلمهم بهدم مسجد قبة الصخرة وإقامة ما يسمى الهيكل المزعوم مكانه.

من بعد معركة 7/اكتوبر 2023، وفي ظل حالة الحصار الطويل التي فرضت على المسجد الأٌقصى ومنع المصلين من الوصول إليه، إلا بأعداد محدودة ولأعمار معينة، وقيود مشددة، تكثف العدوان على الأٌقصى، حيث كان شبه خالي من المصلين، وكانت تجري الاقتحامات له من قبل الجماعات التلمودية والتوراتية تحت حماية وحراسة جيش وشرطة الاحتلال بحرية تامة، مع استمرار التخطيط لإحداث اختراقات جوهرية في مكانة ووضعية المسجد الأقصى، بما يمكن من فرض السيادة والهيمنة اليهودية عليه، والانتقال به من الزمن الإسلامي إلى الزمن اليهودي عبر سياسات الإحلال الديني، وتوظيف كل مناسبة دينية و"قومية"، لتحقيق حلم إقامة الهيكل المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة. بانتظار مجيء المسيح المخلص لبناء الهيكل، وتكريس الأقصى كمكان للعبادة اليهودية.

هذه المعاني الرمزية المكثفة هي التي تجعل اليمين الصهيوني بمختلف مواقعه في الحكومة والأمن والمحاكم وجماعات الهيكل يرى فيه هدفاً يستحق الإصرار عليه. بالهيكل المزعوم مكانه.

الجماعات التلمودية والتوراتية، تعتقد أنها أنجزت كل ما يتعلق بما يسمى طقوس أحياء الهيكل المعنوي، من نفخ للبوق في ساحات الأقصى، وممارسة طقوس السجود الملحمي، ودخول معظم المصلين بلباس الكهنة البيضاء، وإدخال قرابين الفصح النباتية من سُعف النخيل وأغصان الصفاف وثمار الحمضيات مجففة.

في عيد الفصح اليهودي هذا والتي تدعو فيه جماعات ومنظمات الهيكل و"عائدون إلى جبل المعبد" أعضائها وأنصارها في ليلة 22 للاحتشاد على بوابات المسجد الأقصى، من أجل محاكاة إدخال قرابين الفصح الحيوانية إلى ساحات المسجد الأقصى وذبحها ونثر دمها على مسجد قبة الصخرة، إيذاناً بالشروع في إقامة الهيكل الثالث، وهي رصدت جوائز مالية قدرت بـ50 ألف شيكل لكل من ينجح في إدخال جدي أو خروف أو غنمة إلى داخل الأقصى، ومن يحاول ويفشل 25 ألف شيكل.

هذه العملية تمهد للخطوة الأكبر، والتي باتت تقترب مرحلة تنفيذها، مستغلين حالة "الموات" العربي والإسلامي،وغير عابئين بما يُرفع من شعارات و"جعجعات" كلامية عن تحويل الصراع إلى صراع ديني، فمن لم يقفوا إلى جانب قطاع غزة، بعد حرب تدخل يومها الثامن والتسعين بعد المئة، ليس بالمعنى الدعم العسكري، فهم أعجز من أن يقوموا بهذا الدور، حتى في الجوانب الإنسانية والإغاثية، لم يقوموا بدورهم وواجبهم.

التغيير الكبير في وضع ومكانة الأقصى التي يريدها بن غفير وكل المتطرفين وجماعات الهيكل، هي السعي إلى ذبح واحدة من البقرات الخمس الحمراء التي تم استولادها  جينياً عبر الهندسة الوراثية في ولاية تكساس الأميركية، وتم إحضارها في تشرين أول/2022، ووضعت في أماكن سرية في منطقة بيسان، حتى تبلغ عدتها الشرعية عامان فما فوق، ولكي يجري ذبح إحداها، في البداية كان الحديث، يجري أن تذبح على قطعة أرض استولى عليها المستوطنين في جبل الطور المقابل للمسجد الأٌقصى، وعلى أن تجري طقوس عملية الذبح في مستوطنة "شيلو" قرب نابلس، ولكن يبدو بأن الأمور تغيرت، بان تجري عملية الذبح في داخل الأقصى، على أن يكون ذلك في عيد الفصح اليهودي، ولكن الظروف والأوضاع المتصاعدة في المنطقة والإقليم، أجلت عملية التنفيذ، دون التخلي عن الفكرة، ذبح البقرة الحمراء، بهدف التطهر من ما يعرف ببند نجاسة الموتى لتجاوز قرار الحاخامية الكبرى، بأنه يُمنع على اليهود اقتحام الأقصى بدون بند التطهر، فذبح البقرة واستخدام خشب الزيتون في حرق جثتها ونثر رمادها على أكبر عدد من الحاخامات، من شأنه أن يضع المسجد الأٌقصى أمام عمليات اقتحامات واسعة تصل بالآلاف يومياً، فإذا كان معدل الاقتحامات اليومية الآن بين 100 إلى 150 مقتحم، فالرقم سيصل إلى 1500 - 2000 مقتحم يومياً، وليصل في الأعياد اليهودية وخاصة الفصح ورأس السنة العبرية وما يعرف بيوم الغفران وعيد العرش اليهودي إلى 5 ألآلاف مقتحم فما فوق.

وهذا يعني بأن هذه الأعداد لن تكون اقتحاماتها دخولاً وخروجاً للأقصى من بوابة باب المغاربة والخروج من باب السلسلة، بل هي ستوسع من دائرة اقتحاماتها من أكثر من بوابة وبالذات بوابات باب الأسباط وباب حطة، وستحاول بسط سيطرتها على مصلى باب الرحمة، لكي تحوله الى كنيس يهودي، وتقيم في ساحته البالغة 500 م2، مدرسة دينية، بحيث يقوم المقتحمون من باب المغاربة، بالتوقف لسماع دروس وشروح تلمودية وتوراتية في المدرسة الدينية، ويؤدون طقوسهم وشعائرهم الدينية في الكنيس، ويصبح خروجهم من باب الأسباط، هذا الباب الذي يتحكم بالحركة التجارية والاقتصادية في البلدة القديمة، والذي من خلاله يُدْخِل تجار القدس بضائعهم إلى البلدة القديمة، وهذا يعني بأن الحركتين التجارية والاقتصادية ستصابان بالشلل.

ويبقى السؤال المركزي هنا في ظل كل التطورات والمتغيرات التي تحصل، وفي ظل حالة "الموات" العربي والإسلامي، وما نشهده من حالة "توحش" و"تغول" إسرائيلي غير مسبوقتين، والهجمة الشاملة التي تُشَن على الشعب الفلسطيني، وخاصة ما تتعرض له مدينة القدس من طرد وتهجير وتطهير عرقي وهدم غير مسبوق للمنازل وتكثيف للاستيطان والبؤر والمشاريع الاستيطانية في المدنية، فهل سيتمكن حائط الصد الأمامي من سكان القدس والداخل الفلسطيني\48 بشكل خاص، من إفشال مشاريع ومخططات التهويد للأقصى؟ أم أن الهجمة ستكون أكبر بكثير من قدراتهم وإمكانياتهم؟ ويكون مصير الأٌقصى كمصير الحرم الإبراهيمي الشريف؟ أسئلة لن تطول الإجابة عليها، وقادم الأيام سيجيب على ذلك، مع ثقتنا بأن شعبنا في القدس والداخل الفلسطيني \48، نجح في إفشال مخططات تهويد الأٌقصى السابقة .

 

*كاتب سياسي فلسطيني