Menu

هل يمكن الجمع بين صفقةٍ مطلوبةٍ وطنياً وردٍّ محسوبٍ للمحور؟

وسام رفيدي

 


 
تعجّ المنطقة بالتحركات الدبلوماسية والعسكرية، والتصريحات أيضاً، وكلها تستهدف شيئاً واحداً: لجم محور المقاومة عن رد موجع وقاس، عسكرياً ومعنوياً، وبالحد الأدنى، رد محسوب يمكن لدولة الإبادة استيعابه ويمكن بردّ آخر محسوب! باختصار: الإمبرياليات الأمريكية والأوروبية وقفوا خلف دولة الإبادة في جريمتي اغتيال هنية وشكر، كما يقفون خلفها، بل ويشاركونها، في حرب الإبادة. وحين آن أوان أن تدفع ثمن جرائمها هبّوا لإنقاذها، بكل الطرق، عسكرياً دفاعاً عنها، وباحتواء رد المحور المتوقع، وعبر ذات المعزوفة (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها).

يمكن رصد مجموعة من التحركات الأخيرة: استنفار عسكري أمريكي وأطلسي لحماية دولة الإبادة والدفاع عنها، يتمثل ببوارج حربية وحاملات طائرات، وتعزيز ميداني في القواعد الأمريكية في المنطقة، وتنسيق حربي على أعلى مستوى، وطائرات متطورة، و3٫5 مليار دولار دعم عسكري. وفي الوقت ذاته تحركات وضغوطات وتهديدات ورشاوى، تحدث عنها أطراف محور المقاومة وتناقلتها وسائل الإعلام، وهدفها وقف رد المحور المتوقع حرصاً علىى عدم التصعيد، وبالحد الأدنى: تحويل الرد لرد رمزي، معنوي، ومحسوب، يسهّل بالتالي قبول دولة الإبادة عدم الرد على الرد، أو الاكتفاء برد محسوب أيضا،ً ليكون في حقيقته ليس رداً، كما جرى في نيسان الماضي مع الجمهورية الإسلامية.

أما الجديد، فهو تجديد الدعوة لعقد صفقة لوقف إطلاق النار، بل وتحديد موعد للاجتماع الخميس المقبل، وأكثر من ذلك، ذهبت هيئة البث الإسرائيلية لتحديد موعد للتنفيذ بأيام بعد يوم الخميس! وكأننا بهم يؤكدون أن الطبخة نضجت، وما على الأطراف إلا التوقيع، فيما أعلنت حماس أن لا جديد مطروحاً من الوسطاء، ونتياهو كالعادة يتمسك باستمرار حرب الإبادة ورفض شروط المقاومة. إن السعي لامتصاص اندفاعة المحور للرد يبدو خلف الاندفاع نحو عقد اللقاء والحديث عن الصفقة، ومع ذلك، فوقائع عديدة توضّح أن هناك ما هو جديد في اللحظة تجعل السؤال/ عنوان المقالة مطروحاً؟

 

وقائع جديدة

أولاً، صحيح أن أمريكا لا تريد حرباً واسعة في المنطقة، ليس لعدم رغبتها في التصفية النهائية لمحور المقاومة بتوجيه ضربة قاتلة له، بل لأنها تدرك أنها و(ذراعها) في المنطقة، دولة الإبادة لا يمكنهما كسب الحرب. ولو اعتقد الإمبريالييون الأمريكان أن باعتقادهم كسب الحرب لحرقوا المنطقة على رأس شعوبها، فذلك تاريخهم وهم يفعلونه منذ 8 أكتوبر بالمشاركة في حرب الإبادة، وما مطلبهم الملحّ لوقف إطلاق النار، إلا لاكتشافهم، بالدم والمقاومة والصمود، أنهم، مع (ذراعهم)، باتوا عاجزين عن كسب الحرب ضد المقاومة وتحقيق أهدافهم.

ثانياً، لقد تأكد للإمبرياليين ولدولة الإبادة أن دولة الإبادة ليست (ذراعاً) يراهن عليه في المنطقة، فهو هش وضعيف ومفكك، وحرب مع مقاتلين غواريين لمدة عشرة أشهر حولت جيشه لجيش عاجز لا يستطيع تحقيق أهدافه ويطالب علانية بوقفها، أما حساباته وتوقعاته برد قاسٍ من المحور فتطلب طلب العون العسكري لإنقاذه، فهو عاجز بمفرده، بالضبط كما كان حاله في نيسان الماضي، علماً أن التهديد اليوم برد موجع وقاسٍ أكبر. ذلك متغير تاريخي يعيد موضعة دولة الإبادة في علاقتها بالامبريالية الأمريكية والأوروبية، وينقض ما ترسخ في من وعي مهزوم في الثقافة اليومية حول قوة دولة الإبادة وجبروتها. لقد صدق نصر الله قبل سنين إذ وصفها بأنها "أوهن من بيت العنكبوت".

ثالثاً، إن كان محور المقاومة لا يرغب في حرب شاملة وواسعة لا تبقي ولا تذر، وفقط نتياهو يريدها، فهو يعلن، ولا مبرر لعدم الثقة بإعلانه، جاهزيته لها إن فُرضت عليه، خاصة مع إعلان الإيرانيين تلقي معدات عسكرية متطورة للدفاع الجوي والرادار، إعلان كان بمثابة رسالة، وجاهزية حزب الله المختبرة مصداقيتها تاريخياً معروفة وموثوقة.

رابعاً، ينبغي الانتباه جيداً لما أعلنه حزب الله على لسان نصر الله بالفصل بين مسار عسكري إسنادي متواصل، وبين التأكيد على الرد في لحظة (الظروف والفرصة) على اغتيال شكر وهنية، وكذا إعلان مندوب الممثلية الإيرانية في الأمم المتحدة، تباعاً، بحتمية الرد، وفي الوقت ذاته تأييد أي اتفاق لوقف إطلاق النار توافق عليه حماس.

إن أخذ تلك الوقائع وربطها مع التحركات يمكن طرح السؤال من جديد: هل يمكن الجمع بين صفقة مطلوبة وطنياً وبين رد المحور المتوقع؟ إذ بات واضحاً أن الأمريكان والصهاينة يسلمون بأن هناك رد قادم، لذلك تتركز التحركات بتقديري على احتواء هذا الرد ليتحول لرد رمزي معنوي يضبط الرد على الرد الإسرائيلي، وهذا الاحتواء لن يتم إلا بتقديم صفقة (تغري) المحور برد رمزي.

وإذا كان من الصحيح أنه يمكن النظر للتحشدات العسكرية الأمريكية كتأكيد للدفاع عن دولة الإبادة، فإنه أيضاً (تهديد) للمحور، وورقة ضغط للقبول بصفقة ما، دعوا لاجتماع الخميس لنقاشها، أي أنهم يطرحون الصفقة من على أسطح البوارج الحربية!

ومع ذلك، يمكن التأكد من أن التهديد لن ينفع بقبول صفقة مفرّغة من اشتراطات المقاومة، وخاضعة لاشتراطات نتنياهو، وإلا لغدا ذلك محض استسلام، والاستسلام بالنسبة للمقاتلين، أينما وُجدوا، ليس خياراً بتاتاً. شروط المقاومة واضحة ولا اعتقدها تحيد عن جوهرها، وإن تغيرت كلمة أو جملة هنا أو هناك، كصياغات مرنة: وقف كامل لحرب الإبادة، انسحاب كامل من القطاع، بما فيه محورا نتساريم وفيلادلفيا، وعودة معبر رفح للسيادة الفلسطينية، وعودة نازحي الشمال دون قيود، ورفع القيود عن دخول المساعدات والمعونات، وصفقة تبادل وفق محددات المقاومة للأسماء والفئات والأحكام، وإعادة الإعمار ورفع الحصار تماماً.

إن فرض هذه الشروط يعني تحصيل صفقة مطلوبة وطنياً، وفق مواصفات المقاومة، ما يعني أيضاً بلا أدنى شك هزيمة لدولة الإبادة وجيشها، وإعلان فشل حربها، لذلك ليس من السهل على نتنياهو قبولها إلا إذا توصل لقناعة أن البديل رد موجع وقاسٍ للمحور قد يقود لحرب تضع دولة الإبادة في موقف تاريخي يهدد وجودها فعلياً لأول مرة. بالمقابل فإن المحور لن يتنازل عن الرد على جريمتي الاغتيال لأسباب باتت معروفة، إلا إذا انتزع بالمقابل صفقة حسب مواصفات المقاومة، أي انتصاراً تاريخياً للمحور، يكون من الممكن أن يكون مقابله تحول الرد من قاسٍ وموجع، لرد رمزي ومعنوي يمنع نشوب حرب شاملة.

من المفهوم لدى جمهور محور المقاومة، أي شعوبها وكل الأحرار في العالم، أن المحور يجب أن يرد. والرغبة في الرد خلقت حالة انفعالية مشروعة ومفهومة، تنتظر بفارغ الصبر أن يؤدّب المحور دولة الإبادة، ومع ذلك فإن الرد المحسوب برويّة وتأنّي وعقل كما وصفه نصر الله لا بد أن يأخذ كل الشبكة المعقّدة من التحركات والوقائع والتصريحات والاحتمالات، ليناقش المحور فعلاً إمكانية تحصيل صفقة مطلوبة وطنياً مقابل رد رمزي ومعنوي، لتكون تلك الصفقة هزيمة لدولة الإبادة.

ضمن هذه الشبكة المعقدة من الوقائع والتحركات والمواقف والضغوطات والتهديدات، يمكن افتراض أن النقاش يدور اليوم حول ممكنات الجمع بين صفقة مطلوبة وطنياً، وبين رد محسوب للمحور. وقبل ذلك وبعده على المحور، وتحديداً المقاومة الفلسطينية الحذر من أن استمرار التفاوض، كما يحصل منذ شهور وفق الصيغ والآليات والمواقف ذاتها يعني استمراره كغطاء لاستمرار الإبادة لا أكثر.

إن فرض هذه الشروط يعني تحصيل صفقة مطلوبة وطنياً، وفق مواصفات المقاومة، ما يعني أيضاً بلا أدنى شك هزيمة لدولة الإبادة وجيشها، وإعلان فشل حربها.