Menu

الاستنزاف

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

الأيام تمضي حيث تقترب الذكرى السنوية الأولى للحرب بعد أقل من خمسين يوماً. ولا وصف لما يجري سوى تعبير الاستنزاف.

وكان الاستنزاف استراتيجية عربية في مواجهة استراتيجية الحسم السريع الإسرائيلية. وتعتمد استراتيجية الاستنزاف على قاعدة أن لدى العرب ( مصر وسوريا حينها) عمقاً وطول نفس يتيح لهما إدامة الاشتباك إلى حين تغيير ميزان القوى. وفي المقابل فإن إسرائيل لا تمتلك العمق وطول النفس لذلك فإن هذه الاستراتيجية ليست في صالح إسرائيل وتستنزفها.

وعلى الدوام لم تر إسرائيل لها مصلحة في حرب استنزاف ولكن الوضع تغير عندما تضاءلت جبهة الصراع وتراجع العمق الاستراتيجي العربي. وتقريباً فإن الصراع حالياً يقوم على جبهة رئيسية هي قطاع غزة وجبهات إسناد الرئيسية منها هي الجبهة اللبنانية.  ورغم أن الاستنزاف ليس هدفاً إسرائيلياً واضحاً خصوصاً بسبب أثمانه الاقتصادية والسياسية إلا أن محاولة حصره بقطاع غزة يعتبر مجدياً.

فالقطاع محاصر تماماً براً وبحراً وجواً وليس له أي جوار يمكنه الاستناد إليه لا في تجديد المخزون ولا في إيصال المدد المعيشي والتسليحي. وهذا يدفع الإسرائيلي إلى تشديد الحصار على أمل أن يقود الضغط الهائل على سكان القطاع والتدمير المنهجي للبنى التحتية ولكل وسائل الحياة إلى تحويل القطاع إلى منطقة إبادة جماعية غير قابلة للعيش فيها. وهذا في نظرهم يقود لاستسلام طال الوضع أم قصر.

لكن النقطة الحساسة في الأمر هي أن جبهة الإسناد خصوصاً في لبنان ليست محاصرة كما الحال في غزة وهي رفعت من شأن الارتباط بمصير غزة إلى درجة التوأمة السيامية. وهذا يتلخص في الموقف القائل أنه لا بحث في أي شأن ثنائي يخص لبنان وحدوده قبل أن تتوقف الحرب على غزة. وطبعاً هذا الموقف فتح الباب على مخاطر الحرب الإقليمية التي يمكن أن تدخل فيها أيضاً إيران إلى جانب جبهات إسناد أخرى مثل اليمن والعراق وربما تنضم سوريا إليها.

وهنا تنبع الخشية الأميركية من أن الحرب الإقليمية قد تقود ليس فقط إلى صراع بين هذه القوى وإسرائيل وإنما أيضاً بين هذه القوى وحلفاء آخرين لأميركا وربما تسقط في هذا الصراع أنظمة وليس مستبعداً أن تتحول الحرب الإقليمية إلى حرب عالمية.

لهذا السبب فأن الاستنزاف قد لا يقف عند حدود غزة وجنوب لبنان وهو يحمل مخاطر الانتقال إلى حرب غير مسيطر عليها. ولهذا كل هذا الضغط الأميركي على إسرائيل من أجل التوصل إلى صفقة لوقف الحرب أو التبادل. وليس مضموناً أن حسابات بيدر أميركا تتوافق مع حسابات الحقل في إسرائيل. فالهوس لدى اليمين الإسرائيلي لا حدود له ولا يقوم على منطق وهذا اليمين يظن أن بوسعه إدارة العالم ودفعه نحو حرب شاملة في الأساس ضد إيران وأن الدول العربية ليست ضمن حسابات الربح والخسارة ولذلك يرفضون صفقة التطبيع.