Menu

عن بؤس الفعل وثقل الظّل.. "أبو العز"

بهاء

علي سمير

في خلافات البشر لم يعد بالإمكان التغاضي عن خفّة الظل في الطرح، الاتهامات، أو المعارك الصغرى، لاحتمال كم البؤس في رؤية فلان أو علّان لا بد من ذلك.

نشر رسام الكاريكاتير بهاء ياسين من قطاع غزة قبل أيام، رسماً يُظهر فيه سكان القطاع يلتفّون حول "أرجيلة/نرجيلة"، وعلى الجانب الآخر أحد المقاومين وشخصية "أبو العز" التي يتحدّث من خلالها الرسام ياسين، تقول "مش حرام هاض المجاهد يموت عشان هذول الكلاب يعيشوا؟!".

للأسف سنضطر هنا لمجاراة الأمر وتفنيد رأي بهاء أو لنقل "أبو العز"، مبدئياً إذا كان الحديث عن الموت، فشهداء غزة من بينهم أولئك الملتفّين حول "الأرجيلة" ويشاهدون المسلسلات والأفلام والمباريات، ويشتمون هذا وذاك بمختلف مفردات قاموس "الألفاظ البذيئة"، وربما يأكلون ويشربون أيضاً، من يعلم؟ هذا عالم غريب، نتحدّث عن مجموعة بشرية تقوم بتصرّفات للبشر غالباً، عن سكان يمارسون "الحياة"، عن أهل البلد يا بهاء، بالطبع لن نصل لمرحلة تبرير شكل "ممارسة الحياة" سابقة الذكر.

بهاء وغيره الكثيرين، يرفض أن تجتمع فكرة الشهادة أو غيرها من الأشياء ذات الرمزيّة في مجتمعاتنا أو حتى لدى كافة الجنس البشري، مع حقيقة غالبية مجتمعه التي يرى فيها نقصاً يرفض قبوله، ويظن أن محاولات الفصل الدائم ونسب هذه الرمزيّة أو "الفضيلة" أحياناً، لمجموعة أو شريحة تبدو أقرب له، يساعد على ترسيخ الحقيقة التي ترضيه.

لنتحدّث عن مفهوم "احتكار عملية الدفاع أو المواجهة أو المقاومة" لدى البعض، فعل "المقاومة" لا يرتكز على المواجهة المباشرة وحدها، وليس من الواقعي أن يصطف كل سكان قطاع غزة على الحدود لمواجهة الاحتلال، في حقيقة الأمر هم يواجهون الأباتشي والاف 16 وأطنان المتفجّرات، وتأمين لقمة العيش ومحاولة الحياة، طوال الوقت في منازلهم وأعمالهم، ويكاد لا يخلو بيت في القطاع من أحد فصائل المقاومة أو أكثر، فهل هناك حاجة لأحدهم ليعطي تصنيفاً لهؤلاء السكان والمفاضلة في موتهم اليومي؟

ذكر بعض المعقّبين على الأمر أن بهاء ياسين يمثل شخصه فقط ولا يمثّل شريحة في المجتمع الفلسطيني، عزيزي المعقّب، كان بودّي أن تبقى في فقاعتك الورديّة، لكن سبقني أحدهم وفقعها بضحكة وتشجيع حار "كلنا معك يا بهاء ياسين بدنا صورة معبرة كثيرا وبنفس الوقت مقهرة هههههههه"، في أحد المخيمات الصيفية تم توزيع ملصقات "أبو العز" على الأطفال، هناك شريحة موجودة بالفعل تعبّر عن هذه الرؤية، بإمكانك تجاهلها لكن لن تتمكّن من نفي وجودها، الجانب الأكثر سوداوية يتمثّل بانعدام خفّة الظل لدى هذه الشريحة، الجمهور "السمج" أشد وقعاً عليك من مصائب أخرى.

في أحد رسومات بهاء يظهر الحاخام "يهودا غليك" فاتحاً ساقيه و"أبو العز" مصوّباً سلاحاً بينهما، وتشير له السيدة الفلسطينية التي برفقته أن يرفع السلاح قليلاً لأعلى، غليك هو الحاخام الذي قام الشهيد معتز حجازي بإطلاق الرصاص عليه في عملية فدائية بتاريخ 30 أكتوبر من العام 2014، ما حاجة "أبو العز" لأن يصيب العضو التناسلي للحاخام بدلاً من رأسه أو قلبه؟

في صورةٍ أخرى يُظهر "أبو العز" الضفة الغربية المحتلة في حالة اغتصاب من "إسرائيلي"، ويطالبها "أبو العز" بالدفاع عن شرفها، وكاريكاتير آخر يشير فيه لأبو مازن أنه نتاج اغتصاب فلسطين. طيب، متى سينتهي الإنسان الفلسطيني من الزجّ بأزمته الجنسيّة في كل مكان؟ مجدداً، بهاء ليس وحده، المجتمع الفلسطيني يعج بأولئك الذين يربطون القضية الفلسطينية بمسألة الشرف والاغتصاب والعرض، وبإمكان هذه المصطلحات أن تنسحب على مواقف أخرى، إن كان بالحديث عن المرابطات في المسجد الأقصى أو حتى الشهيدات على الحواجز ونقاط التفتيش والشوارع بالضفة المحتلة.

تمكّنت تلك المرابطات والشهيدات أو الفتيات في المظاهرات من فرض الفعل المقاوم، وفصل حالة التبعيّة في عملية الدفاع، واجهن جنود الاحتلال في المسجد الأقصى ونفّذن عمليات فدائية في شوارع الضفة المحتلة، دون أن يكن للأمر علاقة بحالات اغتصاب أو ذكر ما ليدافع عن شرف لا ندري ما علاقته في صراع على حياة وأرض.

يذكّرنا الرسام بهاء ياسين في معرض مناكفات كاريكاتير "اغتصاب الضفة"، بأنه شقيق الشهيد رشاد الدين ياسين، رشاد ابن فلسطين وكتائب عز الدين القسام، الذي كان أول شهيد في العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014، لكن ما شأن بهاء في ذلك؟ وما شأن تبرير كل فكرة أو فعل بعلاقتنا بالشهداء أو الأسرى أو أي رمز "مقدّس" بشكل ما؟ ولمَ علينا الزّج بقرارهم وفعلهم في ضعفنا وبؤسنا وقبح فعلنا؟