Menu

تحذيرات متزايدة من استنساخ قوانين مشابهة أثبتت فشلها

قانون مكافحة الإرهاب في تونس يُفجر تناقضات بالجملة

عناصر الشرطة التونسية تحاول تأمين متحف باردو خلال الهجوم الإرهابي

الهدف_ تونس_ الجمعي قاسمي:

ينظر البرلمان التونسي اليوم في مشروع قانون مكافحة الإرهاب، ومنع غسل الأموال وسط جدل متصاعد تسارعت وتيرة تطوراته في اتجاهات مختلفة، على وقع تناقضات بالجملة في المواقف السياسية والحقوقية المرتبطة به.

ويتألف هذا القانون من 139 فصلا تم توزيعها على أربعة محاور كبرى، تشمل تعريف الارهاب وسبل زجره، ومكافحة غسل الأموال وزجره، وأحكام مشتركة بين مكافحة تمويل الارهاب وغسل الأموال وأحكام انتقالية وختامية.

وكان مجلس الوزراء التونسي برئاسة الحبيب الصيد قد صادق على هذا المشروع في اجتماع طارئ عقده في نهاية الشهر الماضي على وقع الهجوم الإرهابي الذي استهدف متحف "باردو" بالضاحية الغربية لتونس العاصمة، وحوله إلى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه.

وتعطلت المصادقة على هذا القانون لأكثر من عام خلال فترة حكم "الترويكا" بقيادة حركة النهضة الإسلامية، التي عمدت إلى عرقلة مناقشة هذا القانون في المجلس الوطني التأسيسي الذي كانت تُسيطر عليه بأغلبية 90 مقعدا من اصل 217 .

غير أن التطورات التي شهدتها تونس ارتباطا بتنامي ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تُهدد امن واستقرار البلاد، وضرب اقتصادها بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف المتحف الوطني في 18 آذار الماضي، برز شبه إجماع على ضرورة المصادقة على هذا القانون لتمكين أجهزة الدولة من الآليات القانونية لمكافحة هذه الظاهرة.

ورغم الإجماع على اهمية هذا القانون الذي عكسته مواقف الأحزاب السياسية، فإن ذلك لم يمنع الجدل الذي رافقه من الاستمرار بشكل متصاعد حتى تردد صداه لدى بعض المنظمات الدولية التي سارعت إلى انتقاد بعض بنوده.

واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في هذا السياق أن مشروع القانون المذكور "أبقى على تعريف فضفاض وغامض لما يعتبر نشاطا إرهابيا، وهو ما قد يسمح للحكومة بقمع العديد من الحريات المكفولة دوليا".

وأشارت في بيان لها إلى أنه يحتوي أيضا على تعريف "مبهم للتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية"، وهو ما يعني "إمكانية مقاضاة الأشخاص بسبب استخدام مصطلح أو رمز بغض النظر عما إذا كان سينتج عنه أي تصرف ملموس".

وحذرت من أن القانون "سيعطي للقضاة سلطة تقديرية واسعة في عقد الجلسات المغلقة والاستماع إلى شهود مجهولي الهوية، وإجبار محاميي المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب بالكشف عن معلومات تتعلق بموكليهم".

 بل أن هذا القانون أثار فزع بعض المنظمات والجمعيات المحسوبة على بعض التيارات الإسلامية، حيث سعت إلى التحذير منه بذريعة الخشية على الحريات في البلاد، وهي نفس المبررات التي قدمتها حركة النهضة الإسلامية عندما عطلت المصادقة عليه أثناء حكمها للبلاد.

وبحسب حسان قصار عضو مجلس أمناء الائتلاف الحزبي اليساري التونسي "الجبهة الشعبية"، فإن الجدل الذي رافق مشروع قانون مكافحة الإرهاب منذ الإعلان عنه، ولغاية الآن يندرج في سياق عنوان المرحلة التي تعيشها تونس، أي الحريات وضرورة حمايتها من أي نكسة.

ولكنه اعتبر في تصريحات صحفية، أن المتغيرات التي شهدتها الساحة التونسية خلال السنوات الماضية من حكم "الترويكا" بقيادة حركة النهضة الإسلامية، أعادت رسم الأولويات، ذلك أن الجميع أصبح يُدرك "سياسة "الترويكا"  فتحت الأبواب على مصراعيها امام خطاب يدعو للإرهاب، ويُكرس العنف والفتنة".

وقال إن تلك السياسة ، "جعلت تونس مخترقة من كل الأطراف التي تُخفي سلوكها الإرهابي، وصولا إلى بروز مجموعات تحمل السلاح ، وتُبيح إراقة الدماء تحت مسميات متعددة ومفردات دينية غريبة عن المجتمع التونسي".

ولم يستبعد حسان قصار استمرار هذا الجدل، خاصة وان أصوات أخرى تعالت لانتقاد هذا القانون مع اقتراب المصادقة عليه بعد ان قرر البرلمان التونسي استعجال النظر فيه من خلال تشكيل عدد من اللجان للنظر فيه قبل عرضه غدا الثلاثاء لمناقشته، منها لجنة تنظيم الادارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح التي أسندت رئاستها على النائب جلال غديرة.

وتوقع غديرة أن تساهم تلك اللجان في تسهيل التسريع بمناقشة هذا القانون والمصادقة عليه "بالنظر إلى موقف كل النواب من الارهاب ورغبتهم في تسهيل عمل الأطراف التي تواجهه،رغم ما قد تسجله بعض الفصول والأحكام من اعتراض، لاسيما من قبل الحقوقيين"، على حد تعبيره.

وخلافا لهذا التفاؤل الذي أبداه غديرة، اعتبر الخبير التونسي في مكافحة الارهاب محمد الناصر الهاني في تصريحات سابقة، أن مناقشة هذا القانون "لن تكون سهلة ما لم تكن هناك ارادة جدية للتسريع بالمصادقة عليه من طرف نواب الشعب".

وقال إن قانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال  المعروض على مجلس نواب الشعب، هو "قانون استثنائي بكل المقاييس، و سيكثر حوله الجدل، كما سيشهد تحركا ضده".

وترافقت هذه التقديرات مع دعوة وجهها الخبير التونسي في القانون الدستوري قيس سعيد الى مراجعة مشروع القانون المذكور عبر "التعمق في تحديد مفهوم الارهاب والابتعاد عن التصور القديم للجريمة الارهابية وسن قانون متأقلم مع الوضع التونسي".

واعتبر سعيد أن أنه قبل البحث عن مقاربة تشريعية جديدة لمكافحة الارهاب "لا بد من البحث عن الاسباب التي تقف وراء تنامي هذه الظاهرة"، مطالبا في هذا السياق "بعدم استنساخ قوانين مشابهة وضعتها عديد الدول وأثبتت فشلها وأثارت الكثير من التحفظات".

وفيما يتسع الجدل حول هذا القانون الذي تعثرت المصادقة عليه مرات عديدة  خلال فترة حكم حركة النهضة الإسلامية، اعتبر حسان قصار في تصريحاته الصحفية ان هذا القانون سيُحظى بالمصادقة لأن حركة النهضة الإسلامية التي كانت سابقا ضد هذا القانون نتيجة خوفها من أن يتعرض البعض من قادتها للمحاسبة، أصبحت اليوم في وضع يمكنها من تفادي تلك المحاسبة.

ومع ذلك، اعتبر جوهر بن مبارك أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية،أن مشروع القانون المعروض حاليا على انظار مجلس نواب الشعب "لا يرمي الى مكافحة الارهاب كظاهرة مترابطة ومتشابكة وإنما الى مكافحة بعض من جوانب الجريمة الارهابية  نظرا لعدم ادراج تعريف دقيق وواضح لظاهرة الإرهاب ولمناخ الجريمة الإرهابية".
وأوضح ان مشروع القانون المذكور "بقي محصورا في تصور تقليدي للجريمة الارهابية كان سائدا في العشرية الفارطة في ظل ما يسمى بتنظيم القاعدة في حين أن الظاهرة الارهابية في السنوات الاخيرة تطورت بشكل ملحوظ وبشكل راديكارلي مع ظهور تنظيم داعش".

ويرى مراقبون أن المصادقة على هذا القانون  تستمد  مشروعيتها في اللحظة التاريخية التي تمر بها تونس ، وهي لحظة تتسم بتدهور الوضع الأمني، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ارتباطا باستمرار النزاع المسلح في ليبيا ، وتوتر الجبهة الحدودية مع الجزائر، والخوف من ظهور نواة لداعش في تونس.