Menu

15 عاماً على هجمات 11 سبتمبر

هجمات 11 سبتمبر

نغم أسعد - وكالات

منذ 15 عاماً وتحديداً في 11 ايلول 2001، اقتحم 19 إرهابياً مستخدمين أربع طائرات مدنية كصواريخ مُسيّرة، برجي التجارة العالميين في واشنطن، قتلوا 2977 شخصاً. الهجوم وما تبعه من ازمات وحروب، قلبت العالم وتحديداً الشرق الأوسط، رأساً على عقب وتسببت بمقتل مئات الاف الابرياء حول العالم.

إنه الهجوم الأول على أراضٍ أميركية بعد أحداث "بيرل هاربر". يومها تنبّهت الولايات المتحدة إلى أن الأعداء الذين لطالما هدّدوا الدول الأخرى، وصلوا إلى عقر دارها. يروي الرئيس الأميركي باراك اوباما، وهو لم يكن قد انتُخب رئيساً بعد، أنه أيقن عشية الهجمات، وللمرة الأولى، أن "واشنطن أصبحت، فعلاً، عُرضة للإرهاب".

من أسوأ تداعيات هذا اليوم المشهود في التاريخ الأميركي، ما اصطلحت الإدارات الأميركية المُتعاقبة على تسميته "الحرب الكونية على الإرهاب"، ومبدأ "الأمن القومي" الذي برّر إسقاط أنظمة ودول بتهم "دعم الإرهاب"، ومنح الصلاحيات لأجهزة الاستخبارات، وأطلق العنان لحركة الطائرات من دون طيار.

لكن هل جعلت هذه الإجراءات "الحمائية" التي اتّخذتها الولايات المتّحدة، وجرّت إليها عدداً من حلفائها الغربيين، العالم أكثر أمناً؟

نظرية "المؤامرة"

بعد ساعات فقط من أحداث 11 أيلول، وجّهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، لتنشر لاحقاً تفاصيل المُخطّط الذي نفّذه 19 شخصاً ينتمون إلى التنظيم الذي خطّط للعملية من أفغانستان، بينهم 15 سعودياً، وفقاً للأجهزة الأمنية الأميركية.

ولا تزال نظرية تلقّي منفّذي الاعتداءات "الدعم من الداخل الأميركي"، الأكثر تداولاً ضمن "نظريات المؤامرة"، وكان آخرها ما تحدّث عنه السيناتور السابق بوب غراهام، الذي تولّى رئاسة لجنة التحقيق في الاستخبارات الأميركية، وكان رئيساً شريكاً في لجنة التحقيق الثنائية المُشتركة لمجلس الشيوخ حول الفشل الاستخباراتي أثناء أحداث 11 أيلول، عن شبكة أشخاص يُعتقد أنهم دعموا المُختطفين أثناء إقامتهم في الولايات المتحدة.

وقال غراهام، في حديث لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي اس" الأميركية: "لا يُصدّق بأن ١٩ شخصاً، أغلبهم لم يتكلّموا اللغة الإنكليزية قط ولم يذهبوا إلى الولايات المتحدة من قبل ولم يحصلوا على تعليم ثانوي، استطاعوا تنفيذ مهمّة مُعقّدة كهذه من دون بعض الدعم من داخل الولايات المتحدة".

ويرى العديد من المُحلّلين، سواء من أنصار "نظرية المؤامرة" أو غيرهم، أن الولايات المتحدة اتّخذت من الاعتداءات "ذريعة" لتُطارد أهدافها في كل مكان، وأوجدت "المرونة" اللازمة لتحقيق أجنداتها الاستراتيجية في العالم من دون مُساءلات من الداخل أو الخارج.

محاربة الإرهاب؟

استثمرت الإدارة الأميركية "الرهاب العالمي" عقب الاعتداءات، لتُروّج لخطاب "ثأري" ضدّ الحركات الإسلامية وانظمة الحكم التي تعارضها، فكانت الحرب على أفغانستان وتنظيم "القاعدة"، ومحاولة إسقاط نظام "طالبان"، واستغلّت كونها "القطب الأوحد" في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، و"إنكفاء" روسيا بداية الألفية الثانية، لتفرض على أوروبا مُخططاتها في الشرق الأوسط ضمن مُعادلتي "الشرق الأوسط الجديد" و"نشر الديموقراطية"، فاحتلّت العراق تحت ذريعة "الأسلحة النووية"، ثمّ عززت تدخلاتها السياسية والعسكرية، عبر "الربيع العربي" في كل من تونس و مصر وليبيا وسوريا وغيرها.

في 2 أيار 2011، أعلنت واشنطن مقتل بن لادن، خلال هجوم على منزل في مدينة أبوت آباد الباكستانية، من دون أي تفاصيل وافية عن العملية أو جثة بن لادن التي قيل إنها أُلقيت في البحر، وهو ما طرح تساؤلات عن حقيقة العملية ومبدأ محاربة "الإرهاب" نفسه الذي تتبنّاه الإدارة الأميركية.

ومع كل عملية أميركية تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، كانت الحركات "المُتطرّفة" تجد لها في بؤر التوتّر أرضية خصبة للنمو، لتكون الخاتمة "غير المُنتظرة" للحرب الأميركية على الإرهاب صعود تنظيم "داعش"، وإعلانه "الخلافة" في العراق والشام، وتمدّده إلى اليمن وليبيا ومصر وانحاء اخرى في العالم، ونشره "ذئابه المنفردة" في دول أوروبا.

ورأى مُحلّلون أن الولايات المتحدة كانت تهدف، في الأساس، إلى تجزئة المنطقة وتفتيتها واختراقها بالتنظيمات وآخرها "داعش"، وتعتمد التحليلات في ذلك على أن واشنطن لم تنجح حتى الآن في وقف تمدّد التنظيم على الرغم من الغارات التي تشنّها، مع حلفائها، منذ حوالي السنتين، ضدّه في العراق وسوريا.

وأكد المُستشار القانوني لوزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، جون بيلينغر الثالث، بشكل عامّ، لـ"السفير" أن "بعض الإجراءات الأميركية بعد اعتداءات 11 ايلول، كغزو أفغانستان وتدمير أو تحجيم قيادة تنظيم القاعدة ومؤيديهم من حركة طالبان، وإعادة الديموقراطية إلى أفغانستان، ساعدت في منع المزيد من الهجمات الإرهابية، لكن بعض الإجراءات الأخرى كانت غير ناجحة وتحوّلت إلى سياسات سيئة"، من دون الخوض في أي تفاصيل أو إعطاء أمثلة، وفقاً لمقولة إن "اللبيب من الإشارة يفهم".

السعودية...مُذنبة بريئة!

في 15 تموز الماضي، رُفعت السرّية عن التقرير الحكومي الأميركي حول أحداث 11 أيلول، والذي أُعدته لجنة تحقيق برلمانية أميركية في العام 2002، بعد ضغوط من أسر الضحايا. وعلى الرغم من أن التقرير، الذي جاء في 28 ورقة، كشف عن تورّط عدد من المسؤولين السعوديين السابقين بتخطيط وتمويل الهجمات، إلا أن الإدارة الأميركية "برّأت آل سعود" من التهمة، معلنة أن "وكالات الاستخبارات الأميركية لم تتمكّن من أن تثبت بشكل نهائي وجود صلات بين السلطات السعودية ومنفذي تلك الهجمات"، بعد تهديدات سعودية ببيع أصول أميركية بمئات المليارات من الدولارات.

غير أن عدد من النواب الأميركيين وأعضاء سابقين في مجلس الشيوخ، أكدوا أن السعودية "دعمت المنفّذين".

وقال غراهام، بلا تردّد، لبرنامج "60 دقيقة": "السعودية قدّمت دعماً جوهرياً"، مشيراً إلى أن الدعم "لم يأتِ من جهة مُحدّدة بل شاركت فيه الحكومة السعودية إلى جانب مُموّلين وجمعيات تعمل تحت الغطاء الخيري"، مُعرباً عن اعتقاده أن الإدارة الأميركية "عتّمت على الدور السعودي من أجل حماية العلاقة الحسّاسة مع تلك المملكة".

أما السيناتور الأميركي السابق بوب كيري، والذي كان أيضاً من بين الأعضاء العشرة من لجنة التحقيق في أحداث 11 ايلول، فقال في إشارة إلى الرياض: "لا يُمكنك تقديم المال للإرهابيين ثم تقول لا علاقة لي بأعمالهم".

وتحت عنوان "الانتصار" لضحايا الاعتداءات، أقرّ مجلس النواب الأميركي، الجمعة، ومن قبله مجلس الشيوخ في أيار الماضي، قانون "العدالة ضدّ رعاة الإرهاب" الذي يسمح لعائلات ضحايا 11 أيلول بمقاضاة السعودية للحصول على تعويضات مالية، على الرغم من أن اوباما هدّد باستخدام حقّ النقض (الفيتو).

بين الداخل والخارج...الإرهاب في تزايد

أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير بعنوان "دليل الإرهاب العالمي" إلى أن "الإرهاب" في تزايد، وأن عمليات القتل بسببه تضاعفت خمس مرات منذ هجمات 11 أيلول على الرغم من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحته في أنحاء العالم.

وأكدت نتائج استطلاع، أجرته شركة "أي فوب" الفرنسية، أن 74 في المئة من سكان ألمانيا، و65 في المئة من سكان فرنسا، و63 في المئة من سكان إيطاليا يعتقدون أن الإجراءات الأميركية بما فيها "قانون الوطنية" وسلسلة حملات عسكرية، شنّتها واشنطن خارج البلاد، "لم تؤد إلى تحسين الظروف الأمنية في العالم".

من جهتهم، يُرجّح نصف الأميركيين، الذين اشتركوا في استطلاع رأي جديد مشترك لشبكة "سي ان ان" و" او ار سي" الأميركيتين، وقوع أعمال إرهابية في الولايات المتحدة في الذكرى السنوية لاعتداءات 11 أيلول هذا العام، ما يُمثّل ارتفاعاً من نسبة 39 في المئة من الأميركيين الذين رجّحوا ذلك الاحتمال في الذكرى العاشرة في العام 2011.

وفي مراجعة لقائمة التهديدات التي تُواجه العالم، قال مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب نيك راسموسن إن التهديد الإرهابي الذي تُواجهه الولايات المتّحدة وحلفائها الأوروبيين "أكبر، وأوسع، وأعمق" من أي وقت مضى منذ هجمات 11 أيلول.

وبالمقارنة مع الخطر الذي شكّله تنظيم "القاعدة" عقب اعتداءات 11 ايلول، قال راسموسن إن "الكشف عن مشاريع الاعتداءات لمؤيدي داعش الذين يستفيدون من التقنيات الحديثة، ويعتمدون أساليب تنظيمية تتّسم بمزيد من اللامركزية، يصبح أكثر صعوبة" للأجهزة الأميركية لمكافحة الإرهاب، مضيفاً أن استخدام الهواتف الذكية والانترنت وتوزيع التطبيقات المُشفّرة التي يصعب فكّ رموزها، يجعل مُقاتلي "داعش" "متقدّمين على الآخرين".

و"الحرب العالمية على الارهاب" التي شنّتها الولايات المتحدة بعد 11 ايلول، وتمحورت لفترة طويلة حول تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" الأفغانية، تستهدف، في الوقت الحالي، التنظيم في المقام الأول. وأثبت عناصر التنظيم قدرتهم على تدبير هجمات شنّها في أوروبا والولايات المتحدة مُتطرّفون من الداخل، ومُقيمون ومُواطنون غالباً ما يكونون من البلد المُستهدف يُعرفون بـ"الذئاب المنفردة".

ورفعت مجموعة مُفاجئة من الهجمات في الولايات المتحدة (حادثة نادي المثليين في فلوريدا، ومقتل 14 شخصاً في كاليفورنيا على يد أميركي-باكستاني وزوجته)، موضوع مكافحة "الارهاب الداخلي" ووضعته في صدارة الأولويات.

كما ذكر مركز البحوث في جامعة "جورج واشنطن" أن السلطات القضائية وجّهت إلى مئة شخص وشخصين في الولايات المتحدة، تهم ارتكاب جرائم على صلة بـ"داعش".

وقال مدير مركز الدراسات حول الأمن الداخلي في جامعة جورج "واشنطن" فرانك سيلوفو إن التهديد المُتطرّف قد "تفشّى"، مُضيفاً أنه "يتواصل وهو أكثر تعقيداً في بعض الحالات".

ويؤكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (ا ف بي آي) جيمس كومي أن التهديد الذي يُشكّله "داعش" جراء هزيمته في العراق وسوريا "سيكون أخطر خلال السنوات الخمس المُقبلة مع توزّع مئات من القتلة المُتمرّسين في أماكن أخرى وخصوصاً في الغرب، مُحاولين نقل المعركة إلى ارجاء العالم".