Menu

يوم زغرد كاتم الصوت.. نفذ فؤاد العمليّة

أحمد نعيم بدير

مُقاتل في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى

غزة _ خاص بوابة الهدف _ أحمد بدير

الشهيد فؤاد أبو سريّة، هو منفذ العملية الاستشهادية الأولى في موقع "ناحل عوز" العسكري في الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى"، يوم السابع عشر من أكتوبر من العام 2001، وذلك في إطار ردّ الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين على اغتيال أمينها العام القائد أبو علي مصطفى في 27 أغسطس 2001.

سقطت ورقات التوت

بعد إغتيال القائد أبو علي مصطفى بأربعين يوماً، جاء رد الجبهة المدوّي، ليزغرد كاتم الصوت ويُغتال وزير السياحة الصهيوني "رحبعام زئيفي" في فندق "حياة ريجنسي" ب القدس المحتلة.

في ذات اليوم وبعد عدّة ساعات من اغتيال "زئيفي"، كانت المنطقة الشرقيّة لمدينة غزة قِبلةً لفؤاد ليُنفّذ عمليّته البطولية التي أسفرت عن مقتل (5) جنود صهاينة، بحسب الاعلام العبري في ذلك الحين.

"بوابة الهدف الإخبارية" كان لها لقاءً مع عائلة المناضل أبو سريّة بحي الزيتون شرق مدينة غزة، للتعرف عن قرب: من هو فؤاد أبو سريّة.

بدأت رحلة التعرف على الشهيد فؤاد مساء الرابع والعشرين من أيلول الماضي، في بيته شرق المدينة، يقول خضر أبو سريّة، والد الشهيد: "حياة الشهيد فؤاد لا تختلف كثيراً عن حياة السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، وكان ملازماً طوال الوقت لجده الذي عايش فترة الهجرة عام 1948، ليتربى على حب وطنه وأرضه على يد جده الراحل".

يصف أبو سريّة الوالد نجله فؤاد بأنه كان خفيف الظلِ، مشاكساً بطبعهِ، وكريم الى حدٍ كبير، وما يميزه عن بقية أشقائه أنه كان كتوم جداً ولا أحد يعلم عنه شيئاً "يتكلم بعينيه لا بلسانه". 

عدّل جلسته ثم أضاف: "أذكر في عام 1983، حينما كان يبلغ فؤاد 7 سنوات من العمر، هدمت قوات الاحتلال بيتنا، فسجل فؤاد مشهد هدم البيت وقمع الأهل وتعاطف الجيران في ذاكرته، حتى وصلنا لبداية عام 1993، ليسجل فؤاد المشهد الثاني في ذهنه ألا وهو اعتقاله على يد جيش الاحتلال 6 أشهر".

غُيب فؤاد عن البيت ستة أشهر، حُرم فيها من حضن والديه، ومجالسة أصدقائه، ومشاركة أهالي حيّه في أفراحهم وأتراحهم، وتعرض للإهانة النفسيّة والجسديّة داخل المعتقل -مركز الشجاعية التابع لجيش الاحتلال ذلك الوقت-.

يصف والد الشهيد يوم خروج فؤاد من السجن بالقول: "أوشكت الشمس على الغروب في ذلك اليوم، ليَصدمني فؤاد بخروجه من السجن وأجده واقفاً أمامي وسط الشارع "يومها ضليت حاضنوا ربع ساعة، وما سبتو إلا لما إجت الناس وفكتنا عن بعض".

كان الشهيد فؤاد أبو سرية محبوباً ومعروفاً للحد الذي صدم فيه الجميع بتنفيذ عمليته البطولية، وعند سؤالنا عن عنوان بيت الشهيد فؤاد كان هذا واضحاً في الحي الذي يقطن فيه.

بدأ التمويه وذهب

يستذكر الحاج أبو محمد خلال حديثه لـ"بوابة الهدف": خرج فؤاد من البيت يوم أحد. قبل خروجه كنّا نتناول طعام الغداء سوياً، وأتذكر جيداً أنّني لاحظتُ نظرات غريبة عليه لم أشهدها من قبل. راودني شعورٌ ما وقتها، لكنّ لم أفهمه.. ذهبَ للاستحمام وغير شكله بحلق شاربه، وعند سؤالنا له إلى أين مقصده، قال أن صديقه سيُجري عملية –على اعتبار أنها جراحية- في خانيونس وهو ذاهب للاطمئنان عليه".

بدأت نبرةُ صوت الحاج أبو محمد بالانخفاض شيئاً فشيئاً، يكمل: "جرت العادة أن يعود فؤاد للبيت في مساء اليوم، أي بعد صلاة العشاء، إلا أنه تأخر. هاتفته لأطمئن عليه، فأجابني أنه لن يتمكن من العودة للبيت بسبب كثرة حواجز الاحتلال على طريق صلاح الدين".

شهادة الكتائب

وللتعرف على تفاصيل يوم العملية، تواصلت "بوابة الهدف" مع أبو جمال، الناطق الإعلامي باسم كتائب الشهيد أبو علي مصطفي، يقول "على أثر اغتيال الأمين العام أبو علي مصطفى، بدأت حلقات الرد على هذه الجريمة بكل غضب للانتقام من المحتلين، استنفر مقاتلي الجبهة وأعلن العديد من الرفاق جهوزيتهم لتنفيذ عمليات استشهادية تدمي الاحتلال، فحرصت القيادة أن تكون العمليات موجعة، فخططت وجهزت الاستشهاديين، فكانت أولى حلقات الرد هي العملية الاستشهادية التي نفذها الرفيق الجيفاري فؤاد أبو سرية".

يضيف أبو جمال: "تم إعداد فؤاد وتجهيزه جيداً وكان يعرف وجهته وهدفه. لا شيء ممكن أن يقف أمام تنفيذه لمهمته ولا أمام إصراره على الثأر، كان وجهه مشرقاً مبتسماً وحين وداعه لرفاقه قال لهم هذا ما كنت انتظره منذ وقت طويل والآن حان موعد الثأر، توجه متسلحاً بإرادة الجبهاوي التي لا تلين وبعزيمة الثوريين وتسلل نحو موقع ناحل عوز العسكري، اندفع نحو مجموعة من الجنود والضباط الصهاينة. لحظات حتى سمع صوت انفجار كبير أرعب المحتلين، حيث قام بتفجير حزام ناسف كان يرتديه، مما أوقع في صفوفهم خمسة قتلي من الجنود، وتزامنت هذه العملية مع عملية تصفية المجرم الصهيوني زئيفي، وبعدها توالت العمليات الاستشهادية لتكون رسالة لقادة الاحتلال إن قادتنا ورفاقنا ودماء شهدائنا خط أحمر".

رحلَ فؤاد الكتوم

لم يتمالك والد الشهيد فؤاد دموعه خلال سرده لتفاصيل ذلك اليوم، يكمل "استمر هذا الحال، وغياب فؤاد عن المنزل استمر يومين، في تلك الفترة كانت العمليات الاستشهادية في بداياتها، حينها.. عادت لذهني نظراته الغريبة.. فبدأ يراودني الشك بأنه قد يُشارك في تلك العمليات. في ذات اليوم بعد صلاة المغرب كنت جالساً أنا ووالدته أمام شاشة التلفاز لمتابعة أحداث الانتفاضة عبر قناة الجزيرة".

بعد دقيقةٍ من الصمت، يضيف: "صُدمنا باسم فؤاد على شاشة التلفاز، ليُظهر عبر شريط (العاجل)، استشهاد الشاب فواز أبو سرية، وبعدها تم تعديل الاسم إلى فؤاد أبو سريّة، (...)، لم نكن نعلم أنه ينتمي لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى".

صَدم الجميع

حالةٌ من الصدمة والدهشة أصابت الحيّ بأكمله بعد سماع خبر استشهاد فؤاد، يؤكد الوالد "لم يتوقع أحد ولو للحظة أن فؤاد هو صاحب هذه العملية البطولية، سيما وأنه قبل العملية كان يُزاول عمله بشكل طبيعي، في جهاز الشرطة الفلسطينية، كما أنّه كان يُجهز لمشروع زواج، وكان يبني منزله الخاص. وبعد عمله كان يأتي لمساعدتي في عملي بـ"القصارة"، وبالفعل، لم نكن نعلم أنه ينتمي للجبهة الشعبيّة، اكتشفنا أنّه كان يملك حساً أمنياً عالياً، حتى أن والدته تأثرت جداً بعد سماع خبر استشهاده، وتدهورت حالتها الصحيّة، ورحلت بعد عدةِ سنوات من صراعها مع المرض".

مما لا شك فيه أن يوم السابع عشر من أكتوبر كان صعباً على الاحتلال الصهيوني، فقُتل وزير سياحته "زئيفي" المتطرف، ليُلقّنه الفلسطينيون درساً، ويُثبتوا له أنّهم ليسوا محض حشرات –كما كان يصفهم- وكانت حياته ثمناً لهذا القول، وكانت تلك العملية أو اغتيال لوزير صهيوني، لتدكّ كيان الاحتلال بعدها بساعات، عملية فدائية أخرى، بطلها ابن قطاع غزة فؤاد أبو سرية، وكانت أول عمليّة استشهادية للجبهة الشعبية تُنفّذ في القطاع، منذ اندلاع الانتفاضة الثانيّة عام 2000، و"ضربتين عالراس بتوجّع".