Menu

تحضير الكيان لاعتدائين… الكراهية والسمّان… وردود

د.فايز رشيد

تكيّف الموقف الأمريكي للسياسة الإسرائيلية حول الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني، الذي برز في اللقاء الأخير بين نتنياهو وترامب، هو شيك أمريكي على بياض لكل التعنت الصهيوني حول الحقوق الفلسطينية والعربية، ولكل الخطوات التهويدية للقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتسويغ لتبرير قانون التسوية الصهيوني الأخير. 

الأخطر من كل ذلك، التبرير المستقبلي لاعتدائين كبيرين محتملين تحضرهما اسرائيل ضد لبنان وقطاع غزة. فمن يقرأ تصريحات القادة الصهاينة، خاصة ليبرمان وبينيت وإيلي شكيد وغيرهم، ويتابع الصحافة الإسرائيلية يوميا، يحس بالتحضيرات الجدية الإسرائيلية للاعتدائين. بداية، فإن السمة الرئيسية للوجود الإسرائيلي، هي ارتكاب العدوان، ثم أن تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون، وجولته العربية الأخيرة، كما الخطاب المفاجئ لزعيم حزب الله اللبناني، الذي هدد فيه بتفجير المفاعل النووي الإسرائيلي في النقب، رسالئل تحمل في طياتها، تهديدا لإسرائيل بما ستحمله الحرب التي تنوي شنها على لبنان من مخاطر حقيقية، على الوجود الإسرائيلي ذاته، وهي محاولة أيضا لردع إسرائيل عن القيام بعدوان كهذا، لتجنيب هذا البلد العربي دمارا هائلا أكبر من مثيله، الذي ألحقته إسرائيل به في عدوانها عليه عام 2006. العدوان على لبنان يستفيد أيضا، من عوامل لبنانية وأخرى عربية واقليمية. إسرائيل تسعى (وهذه المرة برعاية رسمية أمريكية) لتقرير مصير المنطقة، وتفصيل واقعها الجيوسياسي بما يتناسب مع تصوراتها، وقول الكلمة الفصل في مستقبلها، وفرض جدول الاعمال الذي يناسب مصالحها ومشروعاتها الجديدة، وعلى رأسها بالطبع تصفية القضية الفلسطينية، بعد أن تم دفن «حل الدولتين».

لهذا لم تكن تصريحات الرئيس اللبناني لمحطة «سي. بي. سي» المصرية، عفوية حول أهمية سلاح المقاومة، في ظل انعدام قدرة لبنان الرسمي على مجابهة إسرائيل، الامر الذي اثار حفيظة الكيان ودفع مندوبه في الأمم المتحدة إلى تقديم طلب إلى مجلس الأمن لإدانة تصريحات عون، وإلزام لبنان تنفيذ القرارات الدولية حول لبنان. جاء رد ميشال عون سريعا من خلال تصريح له، بالقول: «لقد ولى الزمن الذي كانت فيه اسرائيل تُمارِس سياستها العدوانية ضد بلدنا من دون رادع، نعم، ولى إلى غير رجعة، وأي محاولة اسرائيلية للنيل من السيادة اللبنانية أو تعريض اللبنانيين للخطر، ستجد الرد المناسب». وأيضا، بالقول: «إن إسرائيل تتحمل مسؤولية أي عدوان محتمل يستهدف لبنان». 

للعلم، ما قلناه سابقا، ينطبق بشكل عام بالنسبة للعدوان المحتمل ضد قطاع غزة. هذا في واقع فلسطيني عنوانه الانقسام، وعدم توفر الإرادة السياسية لدى الطرفين لإنهائه، بالتالي، نشهد تراجعا مؤسفا للمشروع الوطني الفلسطيني عشرات السنين إلى الوراء. أيضا يأتي ذلك، في ظل انسداد الآفاق السياسية أمام السلطتين في رام الله وقطاع غزة، إن بافتقاد الأراضي التي يمكن أن تقام عليها دولة فلسطينية، أو بتعنت الكيان تجاه إقامتها. أما في غزة، فإن سلطة الإخوة في حركة حماس، واصطدام مشروعها الهدنوي مع الكيان، وتبعيتها للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وتفردها في حكم القطاع بعد استيلائها القسري عليه، كل ذلك يضعها أمام مأزق حقيقي. الوضع الرسمي العربي الرديء كتبنا عنه في مقالة سابقة في « القدس العربي»، وللأسف أصبح عنوانه «التطبيع مع الكيان الصهيوني» هذا في الوقت الذي انتقلت فيه العلاقات الرسمية الإسرائيلية مع معظم النظام الرسمي العربي، من تحت الطاولة إلى ما فوقها، من دون الشعور بأي خجل، وهكذا أصبح الفلسطينيون «كالأيتام على مائدة اللئام».

لمن يتابع قراءة العدو الصهيوني، يرى أن هناك أسبابا أخرى لعقيدة العدوان الصهيونية، لعل أهمها، الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، ومن المفيد التطرق إلى هذا الموضوع المهم ولو باختصار، وهو المتغيرات المستجدة في العقيدة الأمنية الصهيونية، لقد قدّم الباحثان الإسرائيليان أليكس مينيتس وشاؤول شاي ورقة بحث إلى مؤتمر هرتسيليا الرابع عشر 2014، بعنوان»التغييرات الجيوساسية في المنطقة، تفرض على إسرائيل إعادة صياغة عقيدتها الأمنية». الأول هو رئيس «معهد السياسات والاستراتيجية». الثاني هو رئيس فرقة الأبحاث في المركز المذكور. معروف أن الذي صاغ العقيدة الأمنية الإسرائيلية هو ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أوائل الخمسينيات. أصبحت فيما بعد نظرية تعتمد عليها إسرائيل. وفقاً لهذه العقيدة فإن من الضروري «أهمية إقناع الدول العربية دوماً بالتسليم بالوجود الإسرائيلي».

أن تدفع إسرائيل العالم العربي إلى الاستنتاج، أنه «لا سبيل عمليا لتدمير دولة إسرائيل» كل ذلك يتم عبر»تحقيق انتصارات متتالية تؤدي إلى تيئيس القيادات العربية»، مثلما رأينا بالتجربة فإن هذه الخطوط العامة، التي عملت وما تزال تعمل بها الدولة الصهيونية جرت ترجمتها إلى مبادئ أخرى من صلب الخطوط الاستراتيجية لابن غوريون، ولعل أبرزها: الحروب الاستباقية، الردع، نقل المعارك إلى أرض العدو، إنهاء الحروب العدوانية بالسرعة الممكنة. كل هذا طبّقه العدو الصهيوني في اعتداءاته وحروبه على كافة الدول العربية، منذ إنشاء دولة الكيان حتى هذه اللحظة.

يتطرق البحث إلى كل المحاولات السابقة والجديدة لتحديث عقيدة إسرائيل، التي جرت في مؤتمري هرتسيليا 15 و16، اللذين أجريا تغييرات أبقت على المبادئ الأمنية الأساسية، وشخصّت أعداء جددا: إيران، حزب الله، كما دعت إلى قيام تحالفات استراتيجية مع الدول العربية المعتدلة، وهذا ما يجري تنفيذه. 

من ناحية أخرى، فإن الجزء الثاني من عنوان المقالة «فن الكراهية» استعرته من الفاضلة غادة السمان، الزميلة أيضا في «القدس العربي»، التي لمست في ردودها على القرّاء، تفسيرات وأجوبة موضوعية لتساؤلات عديدة وجهت إليها، ومنها من كاتب هذه السطور. على العموم، فيها تقول، عن كره عالمنا العربي لأعياد الحب، بمعانيه الدلالية بالطبع، وتقديسه للكراهية،التي باتت فنّا عربيا بامتياز. ورغم أنها تؤكد على ضرورة إتقان «فن الكراهية» من قبل العرب لنتنياهو والكيان، لكن أمتنا تتقنه ضد بعضها بعضا. بالفعل،هذا تصوير دقيق للحالة العربية عموما، جرى التعبير عنها منذ القدم في مقولة (أغلب المصادر تؤكد أنها قول لنابليون): «اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم». أسأل قارئاتي وقرائي، كم منكم، يتلقى عشرات الطعنات من أصدقائه المفترضين خلال ما عاشه من حياة؟ دائما العدو واضح لك، لكن الأدهى هو، أن أفاعي الكوبرا تظهر أحيانا في لبوس أصدقاء، ولعلني أستعير قول شاعرنا الكبير محمود درويش: «فبيض النمل.. لا يلد النسور.. وبيضة الأفعى… يخبئ قشرُها ثعبان».

بالنسبة للردود على مقالاتي، أشكر كل الذين يقيمونها إيجابا والذين ينتقدونها أيضا. لعلني أستميح الأخ الدكتور مازن رزق عذرا، الذي يتهمني «بالحقد على كل ما هو إسلامي»، والقول، إنه مخطئ تماما، فالحمد لله، أنا مسلم ومن عائلة مسلمة أبا عن جد، وانتقادي لحماس، سبق وقلته للأخ العزيز خالد مشعل أثناء اجتماعي به في قطر ، وللعلم نحن على تواصل، وكان صدره واسعا. فلا تكفّرني يا دكتور موسى سامحك الله. اقرأ مقالاتي عن نقدي لكل من السلطتين. بالنسبة للأخ محمود الطحان، أشكرك على الإشادة بصراحتي إن في الكتابات أو اللقاءات التلفزيونية، لكن المقالة لا تحتمل غير موضوع عنوانها فقط، ولا يمكن إدخال كل المواقف فيها. أشكركم أيها الإخوة، وفضل كبير لغادة السمان، التي انتهجت الرد على التعليقات حول مقالاتها.