Menu

عُمر الحكاية (الجزء الثاني): خطة الهروب من السجن

أحمد نعيم بدير

عمر الحكاية

غزة_ خاص بوابة الهدف

سلسة "عُمر الحكاية" تأتي ضمن ملف خاص أعدّته بوابة الهدف الإخبارية، في الذكرى الأولى لاغتيال المُناضل والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، عُمر النّايف.

بعد ثلاث سنوات ونصف داخل السجن، بدأ عُمر النايف بالتخطيط لشيءٍ ما، لا يدري أحدٌ ما الذي يدور في رأس عُمر، حتى شقيقه حمزة..! 

في هذه الفترة، بدأ عُمر بالتفكير بخطة مُحكمة للهروب من السجن، بعد اعتداءات وتنقلات مُتكررة تعرض لها، خاصةً بعد أنّ ضرب ضابطين بالسجن في وقت قصير. 

ومن شدّة ما تعرض له عمر من تنكيل هدّد رفاقه، في مرةٍ، بالتصعيد داخل السجون.

بعد التهديد، تم نقل عُمر من سجن جنيد إلى سجن عسقلان، ومن ثم إلى سجن الرملة للعلاج داخل مشفاها. وهناك اعتدى عليه ضباط السجن عدّة مرات.
 

الإضراب المفتوح

عُمر قرّر كسر قيود السجن على طريقته الخاصة، فبدأ إضراباً مفتوحاً عن الطعام، بدون ماء أو سكر أو مُدعّمات. وهُنا بدأت تتّضح ملامح خطّته.

الإضراب كان في العام 1990، خلال الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة"، التي يُؤكّد عدّة مؤرخين أنّ عملية قتل الياهو عميدي راكمت الأحداث وصولاً للانتفاضة 1987.

يُتابع حمزة النايف، شقيق الشهيد سرد تفاصيل تلك الفترة التي مرّ بها هو وعُمر ورفيقهم الثالث سامر المحروم "في اليوم الـ40 للإضراب سئم السجّانون من حالة عُمر الصحية، من شدّة تدهورها، بعدها تم نقله إلى مستشفى الأمراض النفسية في بيت لحم، تحت حراسة مُشددة من الاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية".

تحمّل عُمر ما لا يُمكن تحمله، حتى يصل إلى هذه المرحلة، أي يتم نقله إلى مُستشفى فلسطيني، بعد أن وصلت حالته الصحية لوضعٍ يُرثى له.

الهروب 

ظل عُمر مُضرباً عن الطعام، حتى داخل المُستشفى، وفي أحد الأيام زاره الأهل وكانت والدته حاضره، حينها فكّ عُمر الإضراب.

كان عمر يُعاني من ضعفٍ في النظر، ومرّت 10 أيام حتى استعاد عافيته، داخل المُستشفى الذي يُعد من أقدم المشافي المختصة بالأمراض النفسية في الأراضي الفلسطينية.

الإضراب عن الطعام ومن ثمّ النقل إلى المُستشفى، كانت المرحلة الأولى من خطة عمر. هُنا بدأ بالتواصل مع رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لاستكمال عملية الهروب.

بطريقة ما، وصلت رسالة إلى عُمر داخل المُستشفى، أن سيارة ستنتظره خارج السور الخلفي للمُستشفى، لمُدة أسبوع كامل في ساعات المساء، وعندما تكون الفرصة مُهيئة له، عليه أن يهرب وستستلمه السيارة.

مساء الـ21 من شهر مايو 1990، تمكّن عُمر من أن يقفز عن سور المُستشفى، حتى وصل إلى السيارة التي تنتظره في الخارج. وعلى الفور بدّل عُمر ملابسه واستلم هوية مزورة.

هُنا بدأت قصةٌ جديدة من المُطاردة والمُداهمة والتفتيش والبحث، أشغلت الاحتلال بكافة أجهزته الأمنية.

صباح اليوم التالي، حضرت مجموعة من عائلة عُمر لزيارته في المستشفى ومعهم طعامُ له، ليتفاجؤوا بأن عُمر هرب من المستشفى، وتبيّن لاحقاً أنه لم يُخبر أحداً بما خطّط.  

بعد الهروب من المستشفى، تنقلّ عمر وأحد رفاقه من الجبهة الشعبية، بين أكثر من شقّة، في أكثر من منطقة. وفي مُنتصف ليل أحد الأيام، كانا في منزل لسيدة مسيحية. 

حين أفاق عمر على اقتحام قوات كبيرة من جيش الاحتلال المنزل المُجاور لشقّتهم، هُنا عُمر -وبحسه الأمني- طلب من رفيقه، أن يغادرا المكان فوراً "لازم هلقيت هلقيت نطلع".

رفض رفيقه المُغادرة، وقال لعُمر "إن الجيش لن يعود"، لكنّ عمر العنيّد أصرّ على المُغادرة. بدّلا ملابسهما وغادرا المنزل سريعاً، وبعد أن أصبحوا بعيديْن عن المنزل بمائة متر، اقتحمت قوة كبيرة من الجيش الشقة وصارت في غرفتهم. لكنّها لم تجد أحداً.

اختفى عُمر داخل الضفة قرابة ثلاثة أعوامٍ ونصف، تنقل خلالها بين عشرات البيوت والقرى والمُدن المُختلفة، بهويّات مُزورة. وبسببه، تم إقالة العديد من كبار ضباط مديرية مصلحة السجون الصهيونية، بدعوى "كيف هرب منكم عُمر النايف..!".

خارج فلسطين

ما تمكنت "بوابة الهدف" من الوصول إليه من معلومات، تُبيّن أن عُمر تحرّك ومعه خطة مُعقدة لإخراجه من الوطن. وصل إلى قطاع غزة قادماً من مُحافظة الخليل، وكانت المُخاطرة الأكبر في طريقة خروجه من القطاع إلى صحراء سيناء.

كانت الخطة أن يختبئ عُمر ورفيقه، مساء أحد الأيام، قُرب الحدود المصرية جنوب قطاع غزة حتى غروب الشمس، ثم عليهم أن يتسللوا من الحدود، بدون أن تراهم قوات جيش الاحتلال هناك، ومن ثم الدخول إلى صحراء سيناء.

كان مطلوب من عُمر ورفيقه المشي لمسافات طويلة داخل الصحراء، وبلا توقف حتى الوصول لنقطة مُعينة. حتى لا يتمّ اكتشاف وجودهم، ويفلتوا من زخّات الرصاص.

كان عُمر ورفيقه يمشيان، وعندما يقترب ضوء الكشافات الموجودة على الحدود منهما ينبطحان على الأرض، واستمر بهم الحال هكذا حتى وصلوا للنقطة المُتفق عليها، وهي عبارة عن "خيمة" لشخص بدوي.

بعد الوصول للخيمة حسب الخطة، جاءت شاحنة واستلمتهما، وتوجهت بهما إلى داخل المُدن المصرية، وهُنا سيطر القلق عليهم جميعاً، فمن المعروف أنّ الجيش المصري، على الحاجز، يُفتش كل شيء: الشاحنة والأشخاص والأوراق الثبوتية، وعُمر كان يتحرك في أوراقٍ مُزوّرة!.

صدفة القدر كانت أن الضابط المُناوب على الحاجز كان يُصلي، يبدو أنهم وصولوا فجراً في تلك الليلة، فتم إدخالهم من قبل الجنود المصريين على الحاجز، بدون أي تفتيش، وقتها تمكّن عمر من أخذ أنفاسه، واطمأنّ.

كانت شقة مُجهزة تنتظر الرفاق في مدينة الإسكندرية، وخلال رحلتهم في مصر تنقلوا بين عدة شقق في عدة مدنٍ مصرية، ثمّ انتقلوا إلى ليبيا عبر الحدود، ومن ثم إلى تونس، ثمّ سوريا، التي استقر فيها عدة شهور، تم إرساله خلالها إلى لبنان في مهماتٍ خاصة أكثر من مرة.

في الفترة التي قضاها النايف في سوريا، تمكّن رفاقه من تجهيز وثيقة سفر يمنيّة له، تمكّن من خلالها السفر إلى بلغاريا مرتين، لمقابلة عائلته، التي غادرت الوطن إلى هُناك خصيصاً لرؤيته لأول مرة.

يوليو 1994، وصل عُمر النايف إلى بلغاريا، ليستقرّ فيها بعد رحلةٍ شاقة ومُعقدة أمنياً. دُهش لنجاحها جيش الاحتلال الذي قال عنها "من العمليات الأمنية الناجحة، أسير فلسطيني يهرب تحت أعيننا، رغم امتلاكنا أقوى أجهزة الأمن والاستخبارات، إنه عُمر". وهذا بالتحديد ما جعل الأخير، على رأس قائمة المطلوبين لجهاز "الموساد".

هذه التفاصيل، التي تُنشر لأوّل مرة، حيّرت في ذاك الوقت، عقولاً وأجهزة أمن عتيدة: كيف هرب عمر؟!، ومن ساعده؟!، وأين هو الآن؟!، وماذا يفعل؟!.

بالتزامن مع وصول عمر إلى بلغاريا، توجّهت والدته إلى أحد أقارب العائلة لطلب ابنته زوجةً لعُمر. العائلة وافقت رُغم أنها علمت أن الزواج سيكون بشكلٍ سري، وربّما تشوبه مخاطر. حتى أنهم لم يسألوا أين هو عُمر الآن!.

"أنا كنت سامعة كتير عن عُمر، بس ما شفته بحياتي ولا مرة، ويوم ما أجت إمه وطلبتني للزواج، فرحت كتير ووافقت بسرعة".. زوجة الشهيد عُمر، رانيا النايف. 

يتبع في الجزء الثالث: "الورقة" التي قلبت حياته