«كان مكتوباً على الجدار» هذا المصطلح تستخدمه وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة للدلالة على أن الأمر كان متوقعاً، أستعيره اليوم لأنه الأكثر دلالة على جريمة اغتيال الشهيد مازن فقهاء، باعتبارها متوقعة ليس بالضرورة باعتباره هدفاً وحيداً وشخصياً، بل باعتبار أن هناك مقدمات كان لا بد من أن تؤخذ بالاعتبار للاستعداد إلى رد الفعل الإسرائيلي، إزاء حالة الإحراج والاستفزاز التي تعرض لها قادة جيش واستخبارات الدولة العبرية إثر إطلاق الصواريخ المتكرر على تخوم قطاع غزة مع دولة الاحتلال، من المفترض أننا كفلسطينيين أكثر خبرة وتجربة مع هذا العدو نتيجة لعامل الصراع المتواصل طيلة عقود من الحروب والعدوان وعمليات الانتقام، إذ ما كان نتنياهو أو ليبرمان وغيرهما من قادة العدو، أن يصمتوا إزاء عمليات إطلاق الصواريخ، ليس بالضرورة لأسباب أمنية فحسب، بل لحسابات الداخل الإسرائيلي السياسية والانتخابية منها تحديداً، تحدث ليبرمان في مناسبة سابقة أن الرد على إطلاق صواريخ غزة لن يظل محصوراً بأساليب الرد التقليدية المعروفة، وإذا ما أخذنا بالاعتبار مجمل المشاحنات الداخلية في إطار حكومة نتنياهو واحتمالات الدعوة إلى انتخابات مبكرة على خلفية التحقيقات مع رئيس الحكومة، فإن الأمر في هذا السياق يستدعي ملاحظتين، الأولى، صرف النظر نسبياً عن اهتمامات وسائل الإعلام والجمهور عن هذه التحقيقات من ناحية، واستثمار هذه العملية لصالح كل من نتنياهو وليبرمان تحديداً في إطار العملية الانتخابية المحتملة! لعل من السذاجة البحث عن المجرم الحقيقي وراء هذه العملية، صحيح أن التحقيقات لم تكتمل بعد، صحيح، أيضاً، أنه لم يتم إلقاء القبض على الأداة الفاعلة المجرمة، إلاّ أن ذلك «التشكيك» الذي جرى من قبل البعض حول من هو المجرم، هو أحد أهداف هذه العملية، البعض تساءل: إسرائيل عادة وفي كافة حالات الاغتيال التي قامت بها في قطاع غزة، تمت من خلال طائرات من دون طيار، فلماذا تلجأ إلى «قواتها الخاصة» واحتمالات إلقاء القبض على المجرمين أو الاعتماد على العملاء واحتمالات كشفهم، إضافة إلى أن عملية الاغتيال من خلال طائرات بلا طيار، تكون محكمة ودقيقة ولا تخطئ..
هنا تكمن الإجابة فعلاً، إذ إن الذي خطط لهذه العملية، أراد أن تطرح مثل هذه الأسئلة الخبيثة، لمزيد من إلقاء الاتهامات الداخلية والتشكيك بصلابة بنيتنا وأدواتنا وفصائلنا الفلسطينية. وهدف آخر وراء القيام بهذه العملية من خلال أدوات راجلة، إسرائيلية أو عملاء، هناك إشارة الى اختراق استخباري بشري، ليس من خلال ما تقوم بتصويره وسائل الاستخبارات الجوية من خلال طلعات الطائرات بلا طيار، بل ان هناك اختراقا من خلال عملاء، الأمر الذي من شأنه التشكيك بقدرات المقاومة على مكافحة التجسس وملاحقة العملاء، وإحداث بلبلة في أوساط الرأي العام، في ظل حديث متواتر عن الاقتراب من حرب جديدة تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ومع وجود مثل هذا الاختراق الكبير، فإن معنويات الجمهور الفلسطيني ستكون في الحضيض، وهذا يلبي حاجة إسرائيلية في إطار الحرب النفسية الموازية للحرب العسكرية، لتضمن نتائج هذه الحرب لصالحها! تشير هذه العملية الإجرامية، أيضاً، إلى أن هناك بنكاً للأهداف لدى المخابرات الإسرائيلية يتضمن معظم كوادر حركة المقاومة الفلسطينية الميدانيين تحديداً، وعلى الأخص الأسرى المحرّرين، للدلالة على أن يد إسرائيل طويلة وقوية وان الإفراج عن هؤلاء وتحريرهم في إطار أي صفقة، ليس نهاية الأمر، ولاحظنا في الآونة الأخيرة، أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية والجيش، نجحوا في ملاحقة واعتقال عدد من الأسرى المحرّرين.
ومن الممكن أن تتدحرج ردود الفعل المتسرعة إلى حرب جديدة، غير أننا نعتقد أن من خطط لهذه العملية الإجرامية، ومن أصدر الأوامر بتنفيذها، كان يدرك طبيعة رد الفعل بحكم التجربة، يعلم أن الجانب الفلسطيني لن يسكت إزاء هذه الجريمة، لذلك، فإن المرجح وربما بالتأكيد، قد أخذ كافة الاحتياطات، ورسم عدة سيناريوهات واحتمالات لطبيعة الرد الفلسطيني، لذلك، فإن أي رد فعل من جانبنا يجب أن يأخذ بالاعتبار هذا الأمر ولا ينجرّ وراء دعوات الانتقام السريع غير المدروس، وليس بالضرورة أن يتشكل رد الفعل على المستوى الأمني والعسكري، مجابهة الاحتلال لا يجب أن تقتصر فقط على هذا الجانب وربما هناك العديد من أوجه الرد التي يجب أن تشكل مفاجأة للعدو في ميدان أو مجال لم يفكر فيه، وربما آن الأوان لرد ذي طبيعة سياسية تتعلق بإعادة الوحدة إلى الجسم الوطني الفلسطيني وإنهاء الانقسام من خلال «تنازلات» عن الشعارات التي ما زالت تشكل عقبة أمام إنهاء الانقسام.
القائد في «حماس» الدكتور الزهار كان له تصريح هادئ على غير العادة عندما نقل عنه أن الحركة لن تتسرع في اتهام أحد، من المهم نشر نتائج التحقيق كي تتوقف التنبؤات والتحليلات المتناقضة.. إنها روحية التعامل بتعقل دون التقدم بأي تنازلات!!