Menu

بعد خصم الرواتب والتهديد بالقرارات غير المسبوقة ... الوضع الفلسطيني إلى أين؟

هاني المصري

هاني المصري

المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات

(أصدرت لجنة السياسات في مركز مسارات هذه الورقة من إعداد هاني المصري).
مقدمة

لم تكن خطوة خصم الرواتب سوى شارة الانطلاق نحو فتح ملف سيطرة "حماس" على قطاع غزة، أو بالأحرى محاولة وضع حد لاستمرار خروج القطاع عن نطاق سيطرة الرئيس محمود عباس ، الأمر الذي يتيح لإسرائيل ولأطراف إقليمية ودولية مواصلة التشكيك بشرعية قيادته وتمثيله للكل الفلسطيني، لا سيما وهو يستعد للقائه الأول مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وفي سياق فتح هذا الملف، جاء تشكيل اللجنة المركزية لحركة فتح لوفدٍ سداسي من أعضائها للقيام بزيارة وشيكة إلى قطاع غزة، لإبلاغ "حماس" بضرورة تسليم السلطة الحكم كاملًا في القطاع، أو تحمل المسؤولية كاملة عن الحكم، وذلك من خلال الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو حكومة وفاق وطني جديدة، أو توسيع وإعادة تشكيل حكومة رامي الحمد الله لتقود الوزارات والمؤسسات والأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع، وتكون ملتزمة ببرنامج والتزامات منظمة التحرير، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، وعقد مجلس وطني توحيدي، وعلى "حماس" أن تجيب بنعم أو لا ضمن مهلة تنتهي في الخامس والعشرين من نيسان الجاري، وإذا لم توافق سيتم اتخاذ قرارات حاسمة وغير مسبوقة، وهذا ما أكده الرئيس محمود عباس صوتًا وصورة، ما يعني أننا مقبلون على تطورات خطيرة ومجهولة في نفس الوقت.

لقراءة التقدير الإستراتيجي أو تحميله اضغط/ي هنا

قبل التطرق إلى ماهية القرارات الحاسمة، لا بد من التوقف قليلًا عند الظروف المحيطة بها التي سرعت بحسم هذا التوجه. وهل يعود إلى قيام "حماس" بتشكيل "لجنة إدارية لتحكم قطاع غزة من خلالها"، أو "لأنها لم ترد على المبادرة ال قطر ية المعدلة التي قدمت منذ حوالي شهرين"، أو لأن "الاتحاد الأوروبي قرر عدم تمويل الموظفين الذين لا يعملون في قطاع غزة"، أو هل يعود إلى الأزمة المالية وأن السلطة أصبحت غير قادرة على الإنفاق على قطاع غزة؟

على أهمية هذه الأسباب، إلا أنها لم تشكل الدافع لتغيير قواعد اللعبة التي حكمت تعامل السلطة مع قطاع غزة و"حماس"، بل إن المحرك لهذا التغيير أن الرئيس عباس يجد أن الفرصة باتت مناسبة، محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، للإقدام عليها، فهو من جهة صمد في وجه ضغوط اللجنة الرباعية العربية، ونجح في أن تخرج القمة العربية بإعادة التأكيد على المبادرة العربية، رافضًا تقديم أفكار جديدة تساعد المسعى الأميركي الإسرائيلي لقلب المبادرة العربية لتطبق من آخرها، بحيث يسبق التطبيع مع العرب تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة العام 1967، وما يعنيه ذلك من أن التطبيع سيحدث، أما الانسحاب فلن يتم إلا ضمن الشروط والإملاءات الإسرائيلية.

عباس يعرف أن عليه أن يدفع ثمن اعتماده، عربيًّا وأميركيًّا وإسرائيليًّا، لذا فضّل فتح ملف سيطرة "حماس" على قطاع غزة، لأنه يعرف أن هذا يمثل استجابة لما هو مطلوب منه في هذا الملف، أو لأنه يعرف أن هذا يرضي على الأقل اللجنة الرباعية العربية كما يظهر في خطتها التي قدمت إليه في العام الماضي، عدا عن أميركا وإسرائيل والعرب.

تغيير سياسة أبو مازن تجاه غزة وصفقة القرن

 إن أهم الأسباب التي أدت إلى تغيير السياسة المعتمدة نحو القطاع وثيقة الارتباط بالتحرك الأميركي المتسارع لإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بهدف تحقيق إنجاز تاريخي (صفقة القرن) لم يستطع أن يحققه الرؤوساء الأميركيون السابقون.

لا يمكن الاستهانة بأهمية وخطورة التحركات الأميركية التي تظهر من خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس ترامب مع القادة العرب، وتلك التي سيعقدها الشهر القادم مع الرئيس الفلسطيني، والجولات المكوكية لمبعوثه جيسون غرينبلات، والأهم من ذلك كله القمة الأميركية الإسرائيلية، وما سبقها ولحقها من مباحثات مكثفة للتوصل إلى اتفاق أميركي إسرائيلي، خصوصًا حول الاستيطان، وضرورة إيجاد صيغة لتنظيمه توحي بـ"لجمه" لكي تكون الطعم الذي يقدم لعباس حتى يوافق على استئناف المفاوضات.

إن ما يعطي أهمية وخطورة أكثر للتحرك الأميركي الراهن أنه يبدأ في ظل استمرار وتعمق التمزق والتدهور والحروب الداخلية العربية، واعتقاد عدد من الدول العربية أن الحل يكمن في مواجهة إيران وتوسعها في المنطقة. أما ترامب، فقد بدا أنه يسعى للتركيز في بداية رئاسته على ما يعتقد أنه قادر على تحقيقه من إنجازات كبرى في منطقة الشرق الأوسط، أملا بالتعويض عن إخفاقاته الداخلية والخارجية.

ما يشجع عباس إزاء التحرك الأميركي أن إدارة البيت الأبيض وصلت بسرعة إلى تغيير المقاربة التي بشر بها ترامب في حملته الانتخابية، وعبر عنها في بداية عهده بعد أن تيقن أنه من دون تحريك المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والسعي للتوصل إلى "حل" للقضية الفلسطينية، لا يمكن النجاح التام بتشكيل الحلف الأميركي العربي الإسرائيلي لمواجهة ايران وحلفائها. فقد أدرك ترامب سريعًا أن فكرة استبدال الإطار الدولي بإطار إقليمي لتجاوز القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وفرض حل على الفلسطينيين، أو تجاوزهم، غير ممكنة من دون إدراج القضية الفلسطينية على جدول الأعمال. وهناك احتمال أن الإدارة الأميركية تفكر بالدمج بين فكرة المؤتمر الدولي الذي يدعو إليه الفلسطينيون ويدعمه العرب والأوروبيون وروسيا والصين والأمم المتحدة، وفكرة المؤتمر الإقليمي، بحيث يعقد مؤتمر إقليمي بمشاركة دولية، ولكن مرجعيته غير واضحه وغامضة؛ لكي تتمكن الإدارة الأميركية من تسويق الحل الإسرائيلي الذي يروج له تحت مسمى الحل المتفاوض عليه ثنائيًّا دون تدخل من أحد.

لا يعني التصميم الأميركي على تحريك المفاوضات وفرض الحل الإسرائيلي والسعي لتشكيل الناتو العربي الإسرائيلي أن الطريق سالكة أمامه، بل سيواجه عقبات كبيرة تتمثل بعدم رغبة القيادة الفلسطينية بقبول حل تصفوي، وعدم قدرتها على تمريره حتى إذا خضعت للضغوط، لأن الشعب الذي ناضل منذ أكثر من مائة عام لن يقبل التضحية بحقوقه الوطنية مقابل الفتات و"كرمال عيون" بعض العرب المتشوقين للتحالف مع إسرائيل في مواجهة إيران، متصورين بذلك بأنهم سيحافظون على استقرار أنظمة حكمهم، ومتجاهلين لماذا أقيمت إسرائيل، وماذا فعلت منذ قيامها حتى الآن؟

إضافة إلى ما سبق، فإن الدول العربية لا تقرأ على شيخ واحد، فهناك دول غير معنية مثل دول المغرب العربي، وتميل إلى معارضة هذا التوجه، وهناك خلافات في داخل الدول المؤيدة له كما يظهر في الخلافات المصرية السعودية، والسعودية الإماراتية، و الكويت ية، والعمانية، فهناك من لا يريد أو لا يتحمس للدخول في هذه المغامرة الكبرى المليئة بالمخاطر وقليلة الفرص، في وقت دخل فيه البعض المستنقع اليمني ولا يعرف كيفية الخروج منه.

في هذا السياق الواسع جاء قرار خصم الرواتب عن موظفي السلطة في قطاع غزة جزءًا من تغيير شامل، لأن الرئيس يعرف أن ترامب سيقول عند لقائهما تواضع في مطالبك، فأنت ضعيف وغزة تحت سيطرة "حماس"، ولديك متاعب داخلية في "فتح"، وشعبيتك بين الفلسطينيين وصلت إلى درجة أن ثلثين منهم يطالبونك بالاستقالة كما أشارت بعض الاستطلاعات في نتائج تكررت مرات عدة. لذا، يريد أبو مازن أن يذهب إلى واشنطن بعد أن تصلها رسالته بشأن اتخاذه قرارات قوية وحاسمة.

ما هي القرارات الحاسمة التي يمكن أن يتخذها الرئيس؟

ما هي القرارات الحاسمة وغير المتوقعة التي يمكن أن يتخذها الرئيس عباس إذا لم توافق "حماس" على "العرض"/"الإنذار" الأخير الذي سيقدمه وفد "فتح".

إن القرارات المتوقعة هي في الحد الأدنى إعلان "حماس" "تنظيمًا انقلابيًّا"، وربما "إرهابيًا" خارجًا على الشرعية، ومطالبة الفلسطينيين والعرب والعالم كله معاملتها على هذا الأساس، وفي الحد الأقصى يمكن أن تترافق مع، أو أن تصل إلى، إعلان قطاع غزة "إقليمًا متمردًا"، وهذا موقف أكثر خطورة من إعلان موقف ضد "حماس" وحدها. وفي كل الأحوال يمكن أن يرافق ذلك ويترتب عليه إجراءات وقرارات كثيرة، مثل:

وقف كل التحويلات المالية والموازنات المرسلة إلى القطاع، بما في ذلك المحولة للصحة والتعليم والكهرباء والماء والشؤون الاجتماعية، وإحالة أعداد كبيرة من الموظفين الذين خصمت رواتبهم بعد ثلاثة أشهر على التقاعد المبكر حتى يحتسب لهم راتب تقاعدي من الراتب الذي تقاضوه في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بما يساهم في تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في القطاع، ويثقل كاهل "حماس" ويزيد من كلفة استمرارها في حكم القطاع.

المطالبة بتسليم حكومة الوحدة أو الوفاق الجديدة أو بعد تعديل وتوسيع حكومة الحمد الله مفاتيح الحكم، بما فيها المعابر والحدود. وفِي حال رفضت "حماس" يمكن أن تقوم السلطة بالطلب من الجامعة العربية والدول الاسلامية ودوّل العالم والأمم المتحدة اعتبار "حماس" حركة خارجة عن القانون

تجميد أموال "حماس" والسعي عند الدول الأخرى لتجميد أموالها، قيادة وفصيلًا مؤسسات اقتصادية واجتماعية وإعلامية، في الضفة والقطاع، وعلى وعلى امتداد العالم، والطلب من المؤسسات المالية والبنكية والاقتصادية تعليق عملها في القطاع.

السيناريوهات المتوقعة

السيناريو الأول: قبول "حماس" بالشروط المطروحة عليها

يقوم هذا السيناريو على قبول "حماس" بما هو مطروح، لأنها تدرك أنها تعاني من عدم قدرتها على حل أو التخفيف الجدي من أزمات القطاع المتفاقمة، المتمثلة في المعابر والكهرباء والصحة والتعليم والمياه والبطالة والفقر، في ظل قيام السلطة في رام الله بالوفاء بالتزاماتها أو قسم كبير منها.

ويعزز هذا السيناريو أن "حماس" تدرك أن هناك دعمًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا لهذا التحرك، حتى أنها غير واثقة تمامًا من دعم قطر و تركيا اللتين تجمعهما مع الأطراف الأخرى مصالح وتقاطعات كثيرة.

ولكن هذا السيناريو مستبعد لأن "حماس" انتخبت قيادة جديدة أكثر تشددًا، ولا يمكن أن تبدأ عهدها بالخضوع وتسليم قطاع غزة، وهذا التقدير تعززه وثيقتها الجديدة التي رغم المرونة التي احتوتها لم تلب الشروط المطلوبة منها (شروط اللجنة الرباعية الدولية) ولا لبت الشروط التي تسمح للاتحاد الأوروبي أو بعض دوله بالتعامل معها.

السيناريو الثاني: رفض الشروط جملة وتفصيلًا

يقوم هذا السيناريو على رفض "حماس" لما هو مطروح، والتمسك بمواقفها التي تتضمن تطبيق الاتفاقيات الموقعة لإنهاء الانقسام، وإذا تعذر ذلك تطبيق أجزاء منها، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وحل مشكلة الموظفين، والتوجه إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وعقد المجلس التشريعي إلى حين إجراء الانتخابات.

وهذا السيناريو وارد، ولكنه ينطوي على احتمالين:

الأول: تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة، بسبب إمكانية أن يمضي الرئيس في اتخاذ قراراته "غير المسبوقة"، ورد "حماس" بتنفيذ ما لوح به بعض قادتها بشأن نزع شرعية الرئيس على كافة المستويات، وفتح الصراع على شرعية التمثيل، وبخاصة في الشتات، والبحث عن صيغ لاستمرار "حماس" في حكم القطاع لأطول فترة ممكنة، حتى ولو بالتحالف مع خصوم الرئيس مثل تيار محمد دحلان، مع البحث عن تأمين الحد الأدنى من الموارد المالية اللازمة لتحقيق ذلك بانتظار تغير الظروف، أو فشل مقاربات الرئيس ترامب للتوصل إلى حلول تفاوضية.

الثاني: أنّ تدرك "حماس" الكلفة الباهظة لرفض الشروط جملة وتفصيلًا، وتلجا لدفع الأمور نحو مواجهة جديدة مع إسرائيل، على أمل أن تعيد هذه المواجهة خلط الأوراق وتخرج "حماس" من مأزقها المتفاقم كما فعلت معها المواجهات السابقة. إلا أن المواجهة المقبلة مع إسرائيل إذا حدثت في هذه الظروف والملابسات لن تحظى بالدعم الذي حظيت به أثناء وبعد المواجهة السابقة، لأنها تبدو دفاعًا عن السلطة وليست مقاومة للاحتلال، وستكون نتائجها أوخم على قطاع غزة والفلسطينيين، و"حماس" بعدها ستكون أضعف، وسيعرض عليها أسوأ من المعروض حاليًا.

السيناريو الثالث: الانحناء للعاصفة

يرتكز هذا السيناريو على انحناء "حماس" للعاصفة دون أن تستسلم لها بالكامل، من خلال الموافقة على تعديل وتوسيع حكومة الوفاق الوطني التي تستطيع الإعلان عن التزامها ببرنامج المنظمة والتزاماتها كما فعلت حكومة الوفاق التي وافقت عليها "حماس" سابقًا، وحل اللجنة الإدارية، وتمكين الحكومة من السيطرة على المعابر والحدود، مطمئنة إلى أن مقاليد الحكم والاقتصاد والأمن في قطاع غزة بيدها، في حين لن تتمكن السلطة من استعادة سيطرتها خلال فترة قصيرة، حتى لو تعاونت "حماس" معها تعاونًا كاملًا.

هذا السيناريو هو الأكثر احتمالًا والأقل تكلفة، لكنه ينتمي إلى الطريقة السابقة أكثر ما يقدم جديدًا، ويبقى بالنسبة إلى "حماس" أهون الاحتمالات، رغم أن الرئيس لن يقبله بسهولة، غير أنه قد يضطر لقبوله لأن معاقبة قطاع غزة بكامله حتى تسقط "حماس" ليس أمرًا وطنيًا ولا أخلاقيًا ولا إنسانيًا ولا قانونيًا، وقد يرتد على من يسعى لتحقيقه. وقد يكون التصعيد السياسي والإعلامي الذي سبق مجيء وفد "فتح" يستهدف أو يفضل حدوث هذا السيناريو الذي يمكن الرئيس عباس من الذهاب إلى واشنطن، وهو يمثل حكومة واحدة في الضفة والقطاع، ويستطيع أن يرى ما هي "الصفقة" التي يتحدث عنها ترامب، وهل يمكن الانخراط بها، أو غير مقبولة على الإطلاق.

ويعزز هذا السيناريو أن السلطة غير جاهزة إداريًا وأمنيًا لاستلام قطاع غزة، وأن هذا الهدف إذا سلمنا جدلًا أنه قابل للتحقيق في ظل الظروف الراهنة يحتاج إلى وقت يمكن أن يعطي "حماس" هامشًا كبيرًا للمناورة والتراجع عنه فيما بعد. كما يعزز من هذا السيناريو أيضًا أن "حماس"رغم الردود المتشددة أبدت استعدادها لحل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة الوفاق من القيام بعملها.

التوصيات

أولًا. يجدر بالجميع تذكر أن التناقض الأساسي هو مع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الذي يعاني منه شعبنا في جميع أماكن تواجده، وهو يريد استكمال تطبيق أهدافه وأطماعه التوسعية ولا يبحث عن تسوية، وإذا كان البعض قادرًا على اتخاذ قرارات حاسمة وغير مسبوقة إزاء قطاع غزة فالأجدر والأوجب أن يتخذ مثل هذه القرارات ضد الاحتلال القابع على أرض فلسطين.

ثانيًا. توقف الرئيس عباس و"فتح" عن تجريب المجرب، والكف عن إعادة إنتاج الأوهام حول الدور الأميركي وإمكانية تحقيق حل وطني، والعمل لكي يكون الهدف الوطني الجامع للفلسطينيين هو إحباط المحاولة الأميركية الإسرائيلية الجديدة الأكثر خطرًا من سابقاتها لتصفية القضية الفلسطينية.

ولتتذكر السلطة ما قامت بعد وقوع الانقسام حينما طالبت الموظفين بالاستنكاف عن العمل والمكوث في بيوتهم على أساس الاعتقاد بأن "حماس" ستنهار بسرعة، في حين أن هذا القرار الغبي أعطاها فرصة ذهبية لبناء سلطتها في وقت قياسي كانت من دونه بحاجة إلى أضعاف الوقت الذي تم. وبالتالي، فإن تطبيق القرارات غير المسبوقة يمكن ألا يؤدي إلى انهيار سلطة "حماس"، وإنما إلى تحويل الانقسام إلى انفصال.

ثالثًا. مغادرة "حماس" مربع أوهام الرهان على المحاور الإقليمية والتنظيمات العالمية، والكف عن تغليب استمرار سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة على أي شيء آخر، وإعطاء الأولوية لكونها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية.

 

رابعًا. اعتماد حل الرزمة الشاملة الذي لم يجرب، ومن الأهمية بمكان تجريبه، رغم عدم وجود فرصة كبيرة أمام اعتماده، لعدم وجود رافعة أو روافع قوية، سياسية وشعبية وعربية وإقليمية ودولية، كافية لحمل هذا الحل ودعم تنفيذه، وهو ما طالما عرضناه ودافعنا عنه وسنظل ندافع عنه حتى يتحققق ما يمثل باعتقادنا طريق الخلاص الوطني، وأبرز ملامحه:

الاتفاق على البرنامج الوطني، وكيفية الوصول إليه، على أن يجسد هذا البرنامج القواسم المشتركة.

إرساء مشاركة سياسية كاملة تقوم على تخلي "فتح" عن هيمنتها على مختلف مكونات النظام السياسي، مقابل تخلي "حماس" عن سيطرتها على قطاع غزة.

التوافق على أن قرار السلم والحرب قرار وطني، ولا يجوز أن ينفرد تنظيم بمفرده بأي منهما.

أي تشكيلة سياسية قادمة، حكومية أو غيرها، بغض النظر عن نتائج الانتخابات يجب السعي لتضم الجميع دون تحكم الأغلبية ولا ديكتاتورية الأقلية، فمبدأ تداول السلطة لا ينفع، لا سيما أن فلسطين تحت الاحتلال وتمر بمرحلة تحرر وطني، الأمر الذي يتطلب الاحتكام للديمقراطية التوافقية التي تكفل مشاركة الجميع حتى عندما يتم إجراء انتخابات دورية ومنتظمة على كل المستويات والقطاعات، بما فيها انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن، ومن أجل إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وتشكيلها على أسس جديدة تناسب المتغيرات والخبرات المستفادة، وتعيد الالتزام بالحقوق الطبيعية والتاريخية دون وضع قيود على متطلبات التحرك السياسي الذي واجبه أن يحقق أقصى ما يمكن تحقيقه في كل مرحلة.

وإلى حين التوافق على ما سبق، فإن الشروع فورًا في حوار وطني شامل يستهدف الاتفاق على الرزمة الشاملة، وتهيئة الظروف لإنجاحه من خلال التراجع عن خطوة خصم رواتب الموظفين، وحل اللجنة الإدارية الموازية المشكلة من "حماس"، وعدم التعامل مع قطاع غزة باعتباره حمولة زائدة، أو استخدام معاناة أهل القطاع المحاصر منذ عقد من الزمن كوسيلة ضغط على "حماس" بهدف إنهاء الانقسام وفق معادلة إنهاء السيطرة الانفرادية من حماس على القطاع، والهيمنة الانفرادية من "فتح" على المؤسسات الوطنية للمنظمة والسلطة، لصالح إرساء مبدأ المشاركة السياسية القائمة على أساس بناء المؤسسة الموحدة، والقيادة الواحدة، والبرنامج الوطني التوافقي.