Menu

التذاكي الغبي بين الصفاقة والحماقة!

نصّار إبراهيم

أكثر ما يستفزّني في السياسة والثقافة ذلك التذاكي الغبي، كأن يقول أو يكتب أحدهم ما يتناقض حتى مع أبسط البديهيات… ومع ذلك يستغرب حين لا تأخذنا الدهشة… في الحقيقة تأخذنا الدهشة ولكن ليس من الاكتشافات «المدهشة»… بل من مستوى السذاجة.

هذا النمط من «عباقرة» السياسة والثقافة والإعلام يرى في التباساته وتخبّطه فلسفة، فهو دائماً يرى ما لا نرى، ولا يهمّ إنْ كان يقول الشيء ونقيضه في ذات اللحظة، فهو مع ولكنه أيضاً ضدّ، ومع أنه يسقط في الموقف والفكرة إلا أنه يواصل الرقص الغبي، فهو دائماً يعتقد أنه يسقط للأعلى… وهكذا يواصل الرقص والوقوف على هامش المواقف، تستهويه دائماً المناطق الملتبسة والرمادية… ودائماً يعتقد أنّ الأيام ستأتي لتقنعنا بما يقول…

إنه يهاجم هنا وهناك، لا تعنيه الحقائق، ولا تعنية الأهداف والمصالح، بل ولا يعنيه في شيء أنه يتناقض حتى مع قضية مقدسة يؤكد دائماً أنه معها…

هو مثلاً مع فلسطين هكذا يقول … ومع ذلك لا يستغرب أبداً أنه دائماً يهاجم من يقاوم من أجل فلسطين ومن يقدّم من أجلها التضحيات والدماء، كما لا تهتز فيه شعرة وهو يقف ويصطفّ تماماً مع من أضاع فلسطين ومع من يتآمر على فلسطين، بل ومع من يتحالف مع «إسرائيل» ضدّ فلسطين… ومع ذلك يواصل بيع بضاعة فاسدة… ويقسم بأنه مع شعب فلسطين.

هذا النمط بـ«ذكائه» المدهش يحاول باستمرار أن يمسك العصا من الوسط، فذلك وفق ذكائه هو ذروة الإبداع السياسي، فهو مثلاً ضدّ الإرهابيين في سورية ولكنه يستدرك مسرعاً كي لا يفوته قطار الذكاء فيعلن في احتفالية أنه أيضاً ضدّ الرئيس بشار الأسد وضدّ الجيش العربي السوري…

بل إنّ هؤلاء حتى لا يخجلون ولا يملكون حتى الحد الأدنى من اللياقة، بل يعتبرون حماقاتهم جرأة فيقسمون مثلاً بأنهم سيصلّون في المسجد الأموي أو سيدخلون مطار دمشق أو سيرقصون في ساحة المرجة رغماً عنها… مع أنّ سورية لا تتدخل في شؤونهم ولم يقسم الرئيس الأسد بأنه سيصلي في عواصمهم أو بأنه سيقتحم مطاراتهم…!

ولكني وبصراحة اعترف أنّ هؤلاء يملكون «مرونة» تحسدهم عليها الأميبا… فعادي جداً أن يصفوا القتلة والسفاحين حين يضربون في أوروبا بأنهم إرهابيون، لكنهم ودون أن يغادروا مواقعهم أو يلتفتوا هنا أو هناك يصفون ذات القتلة في سورية كثوار وحملة شعلة الحرية… هكذا…

إنهم ضدّ الطائفية، ولكن وبطريقة عبقرية، ايّ إلى الدرجة التي يغضّون فيها الطرف عن أكثر الأنظمة تخلفاً ورجعية باعتبارها تدافع عن السنَّة العرب مثلاً…

هم ضدّ روسيا أو إيران لأنّ لهم مصالح في المنطقة… ولكنهم مستعدّون لتقبيل «قفا» الكابوي الأميركي ترامب الذي يصول ويجول في عواصم العرب منذ قرن ويزيد لأنه «حامي حمى العروبة»… وليس له أيّ مطمع في كاز العربان ونفطهم…

وبالمناسبة هؤلاء في الغالب لا يقدّمون تحليلاً كاملاً متكاملاً يبرهن مقارباتهم… هم يكتفون بإطلاق المواقف… هكذا بصورة «عبقرية مميّزة».. فهم يعتقدون أنهم يكفي أن يتحدّثوا ويقولوا حتى تنحاز لهم الآلاف المؤلفة… فهم يفترضون مسبقاً أنهم مرجعية لا يأتيها الباطل من خلفها ومن أمامها ومن حولها…

وبالمناسبة إنهم يملكون أيضاً موهبة الاستفزاز… فهم يحاولون الاستفزاز باستمرار كي يسقط من يقابلهم في الفعل وردّ الفعل فيخطئ… ولهذا فهم عادة ما يشخصنون المواقف والنقاشات… بمعنى أنهم يمارسون السياسة بما يشبه الولدنة… فقط… نحن هنا…! مشكلة هؤلاء أنهم يعتقدون بأنّ السياسة مجرد «زطّ» حكي وتشفيط مراهقين… وليست موازين قوى ومصالح ومعادلات وجغرافيا وديموغرافيا وغير ذلك الكثير…

المهمّ ما علينا…! رحم الله مظفر النواب حين قال:

قال الجرذ:

فاقبل قبل فوات الفرصة صفقتنا

شارك في الحلِّ السِّلميِّ قليلاً

أولاد القحبة كيف قليلا

نصف لواط يعني…!؟