Menu

الحل الإقليمي .. والرد الفلسطيني !..

بقلم / محمد صوان

بقلم / محمد صوان

تتلخص رؤية رئيس الإدارة الأمريكية الجديد ترامب وطريقة تعامله مع الآخرين بمسلسل من الصدمات المتوالية , الأمر الذي أحدث خلخلة في ثوابت السياسة الأمريكية , وإرباكاً لها على صعيد العلاقات الدولية .. ولمواجهة المفاجآت التي يجلبها معه , لابد من ردّات فعل ربما ينجم عنها إعادة تشكّل للوضع الدولي وظهور أحلاف وصراعات متجددة تعبيراً عن حالة الاضطراب التي أنتجها عهده  .

في خضم هذا الواقع من عدم اليقين على الساحة الدولية , ستتأثر القدرة الفلسطينية الرسمية في مواجهة تحالف ترامب – نتنياهو  المدمر للمستقبل الوجودي للشعب الفلسطيني , وفي هذا السياق يمكن تسجيل التالي :-

1/ وجدت حكومة ائتلاف اليمين القومي والديني في إسرائيل متنفّساً لنفسها عبر إدارة ترامب الطيّعة .. فرؤيته لطبيعة الصراع ستعزز من مكانة قوى اليمين العنصري المتطرف , وستستغل هذه القوى الفسحة الجديدة المتاحة لها بتوسيع عملية الاستيطان , وتهويد الضفة الغربية, و القدس الشرقية , , وستركز جلّ جهودها على توسيع آفاق الحل الإقليمي والتطبيع أولاً مع المحيط العربي , وسيضطر الفلسطينيون لمواجهة تحدي المزايدات الداخلية بين أطراف الائتلاف اليميني الصهيوني بين مُطالب مستعجل بالضم الفوري لمعظم أراضي الضفة إلى إسرائيل , ومُطالب متريّث للضم نفسه , لكن على مراحل , وبما لا يحرج المنظومة العربية .. فالمفاوضات الفعلية التي ستشهدها المنطقة في عهد تحالف ترامب – نتنياهو ستكون تلك التي ستدور بين أقطاب الائتلاف القومي والديني في إسرائيل " نتنياهو – بينيت – ليبرمان" , وما يتوصل إليه هؤلاء من تفاهمات بشأن التسوية وحدودها التي سيجري تسويقها للمنظومة العربية , ومن خلالها للسلطة الفلسطينية .

2/ لم يعد ممكناً بالنسبة للفلسطينيين التعويل على دعم ومساندة المنظومة العربية , ولو بالحد الأدنى الضروري لتوفير مظلة وقاية للقضية الفلسطينية , لقد انهار الإقليم على ذاته , وتحول التضامن العربي إلى اقتتال وحروب داخلية فككت دولاً , ووضعت دولاً في مواجهة أخرى , ولم تعد المنظومة العربية قائمة , كما أن إسرائيل لم تعد تشكّل مصدر قلق لكثير من الدول العربية , وأصبح إبرام التطبيع مع إسرائيل ميسّراً , بل مرغوباً فيه , ومع أن " الحل الإقليمي" الذي يُصَمم في الكواليس الصهيوأمريكية – العربية لن يكون سهلاً على الدول العربية التي كانت دائماً تحتمي بالمظلة الفلسطينية في علاقاتها مع إسرائيل , إلا أن التوجّس المفتعل من  / إيران / قد يشكّل لهم المبرر الكافي لتخطي موقفهم التقليدي , والضغط على الفلسطينيين للمشاركة في مفاوضات وفق مضمون الحل الإقليمي :" التطبيع أولاً , شطب حق اللاجئين بالعودة , الإطاحة بحل الدولتين , القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 67 " ومن المثير للانتباه أن مشروع الحل الإقليمي لم يواجَه حتى الآن بموقف فلسطيني رافض وقاطع .

3/ على الرغم من أن التضامن والتأييد الدولي للقضية الفلسطينية بتزايد , كذلك فإن الضغط  على إسرائيل يتصاعد داخل الأوساط الشعبية وغير الرسمية دولياً , فمن المتوقع أن يفتقد الفلسطينيون على المدى المتوسط ما يحتاجون إليه من إسناد دولي رسمي قادر على الوقوف في وجه التوجه الأمريكي -  الصهيوني , فأوربا تواجه مأزقها مع الرئيس الأمريكي , فضلاً عن مشكلات اتحادها الداخلية ,وموجة الهجرة إليها و وتصاعد الإرهاب داخلها , وصعود اليمين الشعيوي في بعض دولها , وبالتالي فهي منشغلة بذاتها وهمومها .. وقد لا تسعف الفلسطينيين بمواجهة مع تحالف ترامب – نتنياهو من أجلهم .. لذلك ستبقى أوربا على موقفها التقليدي الداعم " لحل الدولتين " لكن من دون مقدرة على فرضه في ظل غياب المساندة الأمريكية .. أما روسيا المشغولة بتحسين علاقاتها مع الإدارة الأمريكية , فلن تخاطر من أجل الفلسطينيين بذلك , بل ستبقى كأوربا مؤيدة " لحل الدولتين " , لكن بجهد محدود ..  بينما تستمر الصين بانتهاج سياستها التقليدية ودبلوماسيتها الهادئة , وتطمح لتعزيز مكانتها الدولية من جهة , ومقارعة سياسات إدارة ترامب من جهة أخرى .

4/ ينبغي عدم إغفال تردي الوضع الفلسطيني الذاتي , ومدى عمق الأزمة التي يعانيها الفلسطينيون حالياً , فالنظام السياسي الفلسطيني يعاني انقساماً أضحى مزمناً , وصراعاً على السلطة في ظل نخب سياسية باتت مترهلة ومتكلسة , ناهيك عن نمو قوة المصالح للفصائل والأفراد على حساب المصلحة الوطنية والقومية الجامعة , ضمن مجتمع منهك فقد كثيراً من روافعه ومناعته في ظل سلطة فاسدة وتخريب صهيوني متواصل .

الرد الفلسطيني المتاح :-

أمام هذه الأوضاع المرتبكة والملتبسة دولياً , وإقليمياً , ومحلياً .. ما هي الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين ؟ الخيار الأساس يتلخص بالمواجهة والتصعيد .. وربما انتفاضة جديدة , إما بقرار – وهذا مستبعد – وإما دون قرار , أي بشكل عفوي متدحرج جراء قسوة المعاناة وانغلاق الأمل بإمكان إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال فوق التراب الوطني , وهذا الخيار – إن تحقق – سيكون نتيجة خروج الوضع عن السيطرة , وربما يفضي لإعلان إسرائيل ضم المناطق التي تريدها من الضفة الغربية , وقيامها بالإطاحة بالسلطة الفلسطينية , والبحث عن بدائل لإدارة المعازل الفلسطينية المتبقية  "بانتوستانات".. لكن مع اندلاع الانتفاضة ستضطر الدول العربية لفرملة الاندفاع نحو " الحل الإقليمي " وسيكون على العالم وفي المقدمة إدارة ترامب التي أشعلت الفتيل , التدخل لاحتواء الموقف , وعندها يمكن أن يفتح الباب مجدداً أمام تسوية سياسية وفق المبادئ الأساسية وقرارات الشرعية الدولية لحل يكفل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بدولة سيادية وعاصمتها القدس .

أما الخيار الثاني , فيتلخص بتقديم طلب للأمم المتحدة لتغيير وضعية فلسطين من دولة غير عضو إلى دولة كاملة العضوية , مع تقديم مجموعة طلبات أخرى للانضمام إلى مؤسسات ومعاهدات ومواثيق دولية , فضلاً عن تقديم ملفات شكاوي جنائية حول الانتهاكات الإسرائيلية إلى محكمة الجنايات الدولية , واستخدام القانون الدولي لملاحقة القادة السياسيين والعسكريين في حكومة الاحتلال والمطالبة بفرض العقوبات عليهم , ومع أن هذا الخيار يمكن أن يحقق بعض النتائج الإيجابية للفلسطينيين , إلا أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تقلص قدرة السلطة الفلسطينية من استخدامه , مادام للفلسطينيين عنوان علني تحت الاحتلال يتشبثون به هو " م.ت.ف " فإن المجال لابتزازهم في مقابل البقاء عليه سيستمر ويكون مؤثراً .

على كل حال , لن يتمكن الفلسطينيون من تنظيم مواجهة فاعلة وناجحة للتحدي المصيري المقبل إلا بإحداث تغيير جوهري بأوضاعهم الداخلية وفي نقاط ارتكاز عملهم .. وأول ما عليهم الاهتمام به هو ترميم الوضع الذاتي المنهار حالياً , والذي إن استمر سيودي بما تبقى من المشروع الوطني , ولذلك عليهم إعطاء الأولوية والتركيز على إعادة تجديد حركتهم الوطنية التحررية التي شاخت وتكلست , وابتعد بعض قادتها نحو التكسّب على حساب القضية الوطنية واستحواذ الامتيازات والمنافع الفئوية والفردية , الأمر الذي أدخلها في صراعات عبثية على سلطة متداعية بدون سلطة , وأدى إلى إضعاف القضية الوطنية والقومية الجامعة .. وعلى فصائل العمل الوطني السعي الجاد لإنهاء الانقسام البغيض المزمن الذي يصب في خدمة الأهداف الإسرائيلية , وبالتالي تقديم نموذج إيجابي بتنظيم حياتهم ومؤسساتهم السياسية والاقتصادية والثقافية , نموذج يقوم على ممارسة الديمقراطية والشفافية والمساءلة والمحاسبة , فالدعم والإسناد الدوليان لن يتحققا ويكونا فاعلين إلا بتوفير القناعة لدى الآخرين بأحقية الفلسطينيين بهما !..