Menu

كيف أصبح الأكراد مجرد أداة أمريكية!

نصّار إبراهيم

يوسف العظمة وإبراهيم هنانو يسألان بغضب: كيف أصبح الأكراد مجرد أداة أمريكية!

 الشعب الكردي من الشعوب التي ابتلاها التاريخ... لكن مصيبته الأكبر دائما تأتي من قيادته التي تدفعه نحو خيارات محزنة، قيادات مسكونة بالانتهازية حتى لو أدى ذلك لجعل الشعب الكردي وقودا لقوى الغزو والعدوان وتدمير المجتمعات.

 بالتأكيد أنا مع مبدأ حق تقرير المصير لأي شعب.. فهذا حق مقدس.. ولكن ما بين الحق والممكن دائما هناك مسافات ومعادلات يجب وعيها... والأهم أن لا تكون ممارسة هذه الحق بتحويل الشعب إلى أداة في يد القوى الاستعمارية أو تحويل ذلك الحق إلى حالة اغتصاب وتشويه لحقائق التاريخ والجغرافية والاجتماع... 

 لا أدري ما هي الحكمة التي تكمن وراء تحويل الأكراد في سورية إلى مليشيات تحميها وتسلحها وتستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية... !؟

 لا أدري ما هي الفلسفة السياسية من حديث القيادات الكردية عن الثورة والحرية والاستقلال ثم تكون مجرد بيادق في يد أمريكا!؟

 لا أدري لماذا تلتبس دائما المعادلات والخيارات في عقل القيادة الكردية فلا تعود تفرق ما بين خصوصية المسألة الكردية في سورية والقضية الكردية في تركيا أو العراق ...!؟

 كما لا أدري ماذا ستقول الرموز الوطنية الكردية السورية، التي كانت عبر تاريخها قوة ثورة وبناء للدولة الوطنية السورية فقاومت الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي.. وتبوأت أعلى المناصب في الدولة السورية... ماذا ستقول يا ترى للقيادات الكردية التي تقاتل اليوم إلى جانب أمريكا ضد سورية والدولة والجيش العربي السوري!؟

 لا أدري ماذا سيقول القائد يوسف العظمة (الكردي السوري) قائد الجيش السوري في معركة ميسلون عام 1920 وهو الذي عندما سُئلَ: هل تستطيعُ إيقافَ الزحف الفرنسيّ؟ أجابَ: لن أدعَ التاريخَ يُسجّلُ أنّهم دخلوا سوريا بدون مُقاومة. 

 كما لا أدري ماذا سيقول البطل محمد إيبو شاشو الذي يقال بأنه كان أول من أطلق النارعلى الفرنسيين في سورية، أو ماذا سيقول قائد الثورة السورية الكردي السوري إبراهيم هنانو، أو ماذا سيقول علي بوظو وإبراهيم شيخاني الذي قاتل في الثورة السورية وفي فلسطين، وخليل بكر ظاظا قائد سريّة خيّالة المتطوعين في حمص وحماة الذي قاومَ الفرنسيين، وبعد انهيار الحُكم الفيصلي في سوريا 1920 لجأ إلى شرقي الأردن بعد أن حكمَ عليه الفرنسيون بالإعدام.

 وماذا سيقول الرئيس أديب الشيشكلي، وخالد ونجيب ومحسن البرازي من أبناء مدينة حماة الأبيّة، الذينَ ضربوا أروع الأمثلة في الثورات السورية، وماذا سيقول العلامة خير الدّين الزركلي الشّاعرُ والدبلوماسيّ والصّحفي، الذي ينتسبُ إلى عشيرة الزركلية الكُردية، في دمشقَ والذي قاوم الفرنسيين بشعرهِ والسّخرية منهم، فحكموا عليه بالإعدام، وحُجزتْ أملاكهُ على إثر دخولهم دمشقَ بعدَ معركة ميسلون1920م.

وماذا سيقول حسني الزعيم، وسليمان الحلبي الذي اغتال الجنرال الفرنسي كليبر في مصر، وماذا سيقول أحمد بارافي الذي كانَ رفيقاً لسلطان باشا الأطرش وللشيخ مصطفى الخليلي زعيم ثورة حوران، ومحمد سعيد داري وسعيد العاص وغيرهم. 

 نعم ماذا سيقول كل هؤلاء وهم الذين قاتلوا واستشهدوا من أجل وطنهم الغالي سورية التي احتضنتهم كي لا يكون لغاز أو محتل فيها مكان.

 اليوم جعلت القيادة الكردية من الأكراد السوريين أداة عسكرية في يد اليانكي الأمريكي بهدف تدمير وتقسيم الدولة الوطنية السورية، وذلك سعيا وراء وهم أن ما يجري الآن هو جزء من عملية "تحرير كردستان".. حسنا فهل حقائق التاريخ والجغرافيا تبرر ذلك؟ 

 يقول الباحث السوري العميد المتقاعد هيثم حسون: 

 "... عندما كانت سورية خاضعة لسلطة الاستعمار العثماني، لم يكن للأكراد وجود ملحوظ في ولايتيْ الشام وحلب عدا وجود بعض العائلات التي امتهنت التجارة والزراعة، ولم يكن ذلك يمثل ظاهرة كون كل تلك البلدان خاضعة لسلطة استعمار واحدة. ومع بدء انهيار الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية وعودة جيوشها من مستعمراتها السابقة، بدأت حروبها الداخلية ضد الأرمن والكرد والعرب. وخلال هذه الفترة الزمنية، دخلت سورية عهد الانتداب الفرنسي، فلقي الأكراد الفارين من تركيا تعاطفاً من سلطات الانتداب، وتم منحهحم أراضٍ لبناء مساكنهم، فتم إنشاء قرى كردية على امتداد الحدود السورية ـ التركية، مع انتشار اعداد منهم في مدينتي حلب ودمشق.

وبلغت حركة النزوح ذروتها، عام 19255، بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران، جنوب تركيا، والتي قمعها أتاتورك بشدة وقسوة، وكان من نتائجها نزوح حوالي (300000) ثلاثمائة الف كردي إلى سورية باتجاه محافظات حلب والحسكة ودمشق، واستوطنوا عدة بلدات تحولت، فيما بعد، إلى مدن، مثل عين العرب والقامشلي وعفرين، في منطقة تضم خليطاً عرقياً (سريان وآشوريين وأرمن، مع أغلبية عربية واضحة).
 اشترك الأكراد في النشاط الإقتصادي، وعملوا بالزراعة والتجارة وغيرها، ومع صدور قانون الإصلاح الزراعي، عام 1963، أصبح الأكراد ملاكاً لتلك الأراضي.

ولم يكن للأكراد أي نشاط سياسي معلن في تلك المنطقة حتى عام 19588، عندما بدأت نشاطات محدودة تظهر للعلن، وتمثلت بالمطالبة بالجنسية السورية ومعاملتهم كمواطنين سوريين بذات الحقوق والواجبات، وحصل ما أرادوا بعد إحصاء عام 1962، فبنتيجته حصل أكثر من 350 الف كردي على الجنسية السورية.

 بعد ذلك، تجددت أعمال العنف ضد الأكراد في جنوب تركيا، فحصلت عمليات نزوح جديدة باتجاه سورية، ولكن لم يتم منحهم الجنسية، فكانوا أجانب بوثائق إقامة رسمية، وكثير منهم لم يكن يملك تلك الوثائق فكانت إقامتهم غير شرعية.

ومع بداية الأزمة في سورية، عام 20111، بدأت الأحزاب السياسية الكردية تأخذ خطاً متصاعداً، وانحازت، بشكل كلي، إلى جانب أعداء الدولة السورية، بعد حصولهم على وعود، دغدغت شعورهم القومي.

من جهتها، الحكومة السورية، وكبادرة حسن نية، أصدرت المرسوم رقم (49) تاريخ 7/4/ 20111، القاضي بمعالجة أوضاع أكثر من مائة ألف كردي ممن لا يملك الجنسية السورية، إلا أن تطور الأوضاع وتحولها الى حرب مكتملة الشروط دفع الأحزاب الكردية لتشكيل ميليشيات عسكرية، وأهمها مرتزقة "الأسايش" وما تسمى "وحدات الحماية" و"قوات سورية الديمقراطية"، وكان الهدف المعلن هو الدفاع عن السكان المحليين(!)، وكانت تلك الميليشيات تقدم أوراق اعتمادها إلى الاستخبارات الأميركية، ووطدت علاقاتها معها، حتى غدت، رسمياً، "الذراع العسكري البرّي للمشروع الأميركي"، وتم إنشاء غرف عمليات أميركية لقيادة عملياتها العسكرية.

 هذا التطور شجع الأحزاب الكردية على الانتقال بأهدافها صعوداً من الحصول على الجنسية إلى الإعلان عن إقامة إدارة ذاتية، في التجمعات الكردية، ومع زيادة الارتباط بالولايات المتحدة، تطورت طموحاتم، وانتقلت لتغدو أطماعاً بإقامة نظام فدرالي يشمل الهيكلية السياسية السورية، ولتنتقل تلك الأطماع إلى مرحلة أكثر تطوراً وخطورةً هي الطمع الاستعماري بالانفصال عن الدولة السورية، بكل مايعنيه ذلك من تقسيم وسرقة للأرض لإقامة ما يسمونه دولتهم الموعودة، مع تنفيذ أعمال تطهير عرقي، في مناطق عدة شمال حلب وفي ريف الحسكة، ومن خلال مجازر ارتكبها الطيران القاذف الفرنسي والأمريكي، في طوخان الكبرى والغندورة، لصالح التطهير العرقي.

 وبذلك يكون أكراد سورية قد انتقلوا من لاجئين الى مواطنين ثم إلى أصحاب طموح وأخيراً إلى طامعين بأرضٍ استقبلتهم هاربين، وآوتهم، وملّكتهم وسائل الإنتاج مجاناً، فكانوا أول من أعْملَ فيها طعناً وتمزيقاً.

 يقال إن الطمع يضر صاحبه، وسيكون الكرد أول من يدفع ثمن طمع قادتهم وثقتهم بالولايات المتحدة، التي تسوقم إلى مهلكة لا قيامة لهم بعدها، ولا ننسى ان مئات الألوف من الأكراد قد هربو خارج سورية خوفاّ من بطش هذه المليشيات التي كانت تود تجنيدهم بالقوة، للقتال معهم، واصبح عددهم لا يتجاوز الــ( 7% ) من سكان محافظة الحسكة.... " (المصدر: شبكة اخبار الحسكة الوطنية H.S.S).

 الأكراد في سورية وعبر التاريخ هو مهاجلرين وضيوف استقبلتهم سورية واجحتضنتهم... وما تعرضوا له من ظلم نسبي لا يتجاوز الظلم الذي تعرض له اي مواطن سوري بغض النظر عن دينه وطائفته وأصله القومي... 

 نعم لهم الحق بكل الحقوق المدنية والسياسية كمواطنين سوريين ولكن ليس لهم الحق بتدمير وتقسيم سورية الغالية التي.. فهذا خط أحمر عند الشعب السوري بما في ذلك قطاعات واسعة من الأكراد السوريين الوطنيين الأوفياء.

 نأمل ان تستيقظ القيادات الكردية من أوهامها.. وأن تدرك أن الولايات المتحدة لا ترى فيهم أكثر من وسيلة وأداة لتدمير سورية وتقسيمها... وعند أول فرصة تتناقض مع مخططاتها ستتركهم في العراء... حينها لن يجدوا سوى سورية الوطن الأم الذي احتضنهم ذات يوم وهم هاربون من ظلم وعسف العثماني التركي كما الأرمن وغيرهم...تلك هي سورية بوتقة الصهر الإنساني والحضاري والثقافي والاجتماعي...