Menu

انتفاضة القدس .. والمشروع الوطني الجديد !..

بقلم / محمد صوان

بقلم / محمد صوان

انتصر المقدسيون وأرغموا الاحتلال على التراجع عن جميع إجراءاته التي طالت حرية العبادة .. واستطاعوا فتح جميع أبواب المسجد الأقصى الذي وحد الكل الفلسطيني : المسلم والمسيحي , المتدين والعلماني , الغني والفقير , الكبير والصغير , المرأة والرجل , المقيم في الوطن والذي يعيش في الشتات .. إن جيل الثلاثي محمد من آل الجبارين , وعمر العبد ليسوا بحاجة إلى تحريض ضد إسرائيل , بما تمثّله من عنصرية وكولونيالية وتطاول على المقدسات والأوابد والرموز الوطنية والدينية .. وانتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان , فهي محرّض تاريخي ويومي دائم , لذلك لم ينتظر الجيل الثالث للنكبة تعليمات الفصائل الفلسطينية للتوجه نحو خطوط التماس  ومهاجمة الجنود والمستوطنين والعودة إلى المقاومة الشعبية بما هي فعل جماعي متعدد الأبعاد والأشكال ..

يمكن قراءة ما يريد قوله جيل الشباب لمن يعنيه الأمر من شقّين :-

 الأول : التشديد على إنهاء الاحتلال والاستيطان وانتزاع حق تقرير المصير والاستقلال الناجز . .  ورفض الوقائع التي تحاول دولة الاحتلال فرضها , من نمط التقسيم الزماني والمكاني للمقدسات تمهيداً لفرض السيطرة الأحادية عليها . .

الثاني : إبراز عدم الثقة بالسلطة والفصائل المنقسمة على نفسها , وهو أمر تبينه بشكل جلي استطلاعات الرأي المتكررة في الضفة والقطاع .

لقد أعادت المواجهات التي تشهدها شوارع وميادين مدينة القدس والضفة الغربية و غزة و أراضي عام 1948 المحتلة , فلسطين إلى حدودها التاريخية , واستنفرت تضامن فلسطينيي الشتات والأمتين العربية والإسلامية , وهي بهذا نبهت للتحريف والتشويه الذي لحق بخطاب فلسطين الوطني , مثلما بات يرد في قرارات الأمم المتحدة وتقارير مؤسساتها , وفي لغة الخطاب الرسمي العربي ووسائل إعلامه , وخطاب السلطة الفلسطينية ووسائل إعلامها , وجميعها خطابات تختزل فلسطين – كحد أقصى – بالأراضي المحتلة منذ عام 1967 , والشعب الفلسطيني بالفلسطينيين المقيمين في الضفة والقطاع .. كما اختزلت القضية الوطنية من قضية شعب إلى " مسألة احتلال " لجزء صغير من الأراضي الفلسطينية , يعتبره  الإسرائيليون " أرضاً متنازع عليها " !..

  • مرحلة جديدة و مهمات جديدة :

نعيش اليوم انتهاء مرحلة .. وبداية وضوح معالم مرحلة جديدة وسط ارتباك سياسي وفكري, وما يميز هذه المرحلة هو البحث عن المشروع الوطني الجديد أو المتجدد , ومناقشة أهدافه , ويبدو أن هذا البحث يشغل قطاعات واسعة من النخب السياسية والفكرية , وإن جاء متأخراً بسبب مراهنة القيادة الفلسطينية المتنفذة , - حتى اللحظة – على إمكان الوصول إلى " حل الدولتين " وعلى إمكان حصول فلسطينيي الـ 48 على " المساواة في إسرائيل " ويبدو أن بعض عناصر المشروع الجديد والوعي الجديد آخذة في التشكّل وعلى رأسها :

1/  وعي متجدد بان الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية هو صراع طويل الأمد , وأننا لا نوشك بعد من الوصول إلى نهايته .. ويزداد تبيان ذلك مع تكشّف نوايا إسرائيل الكولونيالية وعدم تخليها عن الاحتلال , وصعود قوى اليمين المتطرف الذي يزداد تشدداً , ناهيك عن التمسك بالقدس " عاصمة أبدية لإسرائيل " وشطب حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم , والمضي بإجراءات التمييز العنصري بحق فلسطينيي أراضي عام الـ 48 .. إن انحسار إمكانية إنهاء الاحتلال وتغوّل الاستيطان , و توحّش تهويد القدس , أمور تزيد في القناعة بأن هذا الصراع يتطلب تصوراً بعيد المدى دون إهمال القضايا اليومية المباشرة , بل وضع أهداف مرحلية في جميع الساحات .. من مواجهة تهويد القدس والسيطرة على المقدسات وتقسيمها زمانياً ومكانياً , إلى العمل على كسر الحصار عن غزة , وإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية , والاهتمام بالقضايا الحياتية والحقوق المدنية لفلسطينيي الشتات .. إن الجمع بين المدى الاستراتيجي البعيد والقضايا اليومية المباشرة هو ما ستحتاجه المرحلة الجديدة ..

2/  لم يعد بالإمكان تحمّل الوضع اللا إنساني الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ,خصوصاً لدى جيل الشباب .. إذ كيف يمكن للجيل الشاب الناشئ في أجواء الإعلام المعولَم , والتواصل الاجتماعي بوسائطه المتعددة , والانكشاف المباشر للتجارب الفلسطينية تحت الاحتلال والحصار , أن يتحمل قمع إنسانيته وشطب وجوده ؟! وإلى متى ستتحمل الأجيال الشابة الناشئة في أراضي عام الـ 48 الممارسات الكولونيالية والعنصرية التي تسلب الفلسطيني حقه في وطنه , وتفرض عليه إجراءات وقوانين إقراراً بدونيته في مقابل الصهيوني , وإقراراً بأنه غير متساوِ حتى على المستوى الإنساني في مقابل الاستعلاء الصهيوني ؟! ..

يبدو العمل والتشبيك الشبابي العابر للحدود الذي يتجلى في عدد من مشاريع المقاومة الشعبية المشتركة في الضفة وغزة وأراضي الـ 48  والشتات , تعبيراً عن روح الجيل الرافض للوضع القائم .. أما عمليات الطعن والدهس والمواجهات مع قوات الاحتلال وجهاً لوجه في الضفة .. أياً يكن حكمنا القيمي عليها , وأياً يكن رأينا فيها إلا أنها  عن انتهاء المرحلة التي أفلست فيها القيادة الرسمية المتنفذة و التي لم يعد الجيل الجديد قادراً على تحملها أو تحمل الوضع القائم الذي يتحكم فيه العدو الكولونيالي العنصري في الكثير من مناحي حياة الفلسطيني , إنه وضع تراجيدي أسود مملوء بالقهر والتمييز والاستهتار بحياة الفلسطيني, فقد أصبح اللامعقول هو ما يميز الممارسات الكولونيالية العنصرية , وما يميز أشكال مقاومتها .

3/  يشير الوعي الجديد إلى زيادة الاقتناع لدى جميع مكونات الشعب الفلسطيني بأن المشروع الوطني الجديد لن يكتب له النجاح إذا لم يشمل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده .. وقد شهدت الأعوام الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في التفاعل الفكري والسياسي والثقافي بين الضفة وغزة والشتات وأراضي الـ 48 .. ويعود ذلك إلى عوامل مركبة أهمها اقتناع النخب السياسية والفكرية في الأراضي المحتلة بخيبة مشروع " حل الدولتين " وظهور النخب السياسية الجديدة في أراضي الـ 48 ,التي تحدّت القوانين والإجراءات العنصرية وتبنت مواجهة الصهيونية فكراً وممارسة , فالمدهش هو ترسّخ الوعيً الجديدً بوحدة القضايا الفلسطينية في مواجهة الصهيونية , وأصبح مطلب تعامل المشروع الوطني الجديد مع جميع مكونات الشعب مطلباً جامعاً , خصوصاً في أوساط الشباب الذين وجدوا الطريق الجديدة لتخطي الحدود المفتعلة وخلق فضاءات من الوجود المشترك والعمل المشترك والتجارب المشتركة .

4/  العودة إلى المقاومة والانتقال بها إلى مراحل جديدة تتماشى مع متطلبات المشروع الجديد , والتشديد على أن الشعب الفلسطيني لم يتخل عن المقاومة منذ بداية مواجهة المشروع الصهيوني , بل أضحت المقاومة قبل النكبة وبعدها مركباً أساسياً من مركبات هوية الفلسطيني .. إذ أن المقاومة هي التي تحصن الفلسطيني بكرامته وإنسانيته , وتشحن القوة التحررية الكامنة لديه , وليس مصادفة أن البندقية أخذت مكانتها الرمزية في الهوية الفلسطينية , ليس بسبب العنف المتمثل فيها , وإنما كرمز للحق والتضحية ورفض القهر والاضطهاد .. وكي نعلم أهمية المقاومة للهوية الفلسطينية يكفي أن نتخيل كيف ستكون الكرامة الفلسطينية من دونها , وكيف يكون الفلسطيني مهزوماً يتوارث الهزيمة ويستنسخها , غير أن العودة إلى المقاومة لا تعني بالضرورة العودة إلى البندقية فحسب .. فالإجماع على المقاومة يشمل بالضرورة إجماعاً على أشكالها ..

من نافل القول أن أساليب المقاومة ينبغي أن تتلاءم مع أهداف المشروع الوطني الجديد ومع استراتيجيته ,كما يجدر بالمشروع الوطني الجديد مراجعة أساليب المقاومة التي اتبعتها مشاريع تحرر وطني وديمقراطي أخرى من الكولونيالية الاستيطانية العنصرية مثل التجربة الجنوب إفريقية , لا يمكن ترك نهج المقاومة للاجتهاد الأحادي الذي برز بسبب غياب المشروع الوطني والوحدة الوطنية !.

5/ إن إعادة تجديد المشروع الوطني يتطلب مجهوداً ووقتاً وإدراكاً لأن الصراع مع الحركة الصهيونية مفتوح وطويل، ولا مخرج منه دون تقديم حل ديمقراطي وحضاري شامل للفلسطيني واليهودي المتحرر من الصهيونية . . فمسؤولية القيادة السياسية و التنظيمية و الفكرية هي تطوير عناوين المشروع الوطني وأدواته واستنهاض كل الطاقات والكفاءات الثقافية والأكاديمية وتمكين الشعب من العيش في وطن حر مستقل . . ويقتضي الإدراك هنا أن تشمل الرؤية تقديم تصور لمكانة اليهودي وحقه في العيش في ظل المساواة التامة بالحقوق والواجبات دون قهر أو تمييز عرقي أو إثني أو مذهبي او طائفي.