Menu

قراءة في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني

اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني

نضال عبد العال

شكل انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني محطة هامة جدا على المستوى الوطني، ويجب أن يكون فرصة لانعطافة سياسية كفاحية تستعيد زمام المبادرة الضائعة منذ سنوات، فالمجلس والسياق الذي انعقد فيه، زمانا ومكانا، يكثف الحال الفلسطيني برمته، يفضح المستور والمعلن، يعري أصحاب القرار والمعارضة على حد سواء. 
وقبل الغوص بالمضمون، فإن التدقيق بالشكل يعطي صورة وافية عن المضمون، فبعد ما يزيد  عن ستة أسابيع تقريبا على قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس ، ينعقد المجلس المركزي الفلسطيني، ليتخذ قرارات يرد بها على الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني! ويكون بذلك آخر من ينعقد للرد، فإن عدة محافل دولية، وإقليمية، وعربية قد سبقته في الانعقاد، حتى لو كنا نعلم أنها جميعا جرش بلا طحين.
يصر الداعون أن رام الله مكانا له، ويدان من طالب به في الخارج، ومن دون النظر إلى وجاهة أي من الآراء المقدمة، أو سلامتها، فإن عظمة الموقف وخطورة التحديات تقتضي حسن نية أصحاب القرار أولا، إذا سلمنا بأهمية انعقاده رمزيا في رام الله، فكان من الأجدى دعوة الإطار القيادي المؤقت للتحضير لهذه الدورة المفصلية كما أشيع بأنها ستقف لتقيم وتتخذ قرارات مصيرية، أو الدعوة لاجتماع تحضيري في الخارج يتيح مشاركة كل القوى في عصف الأفكار وبلورتها، وضمان موافقة الجميع. من لم يستطع حضور المجلس المركزي في رام الله لأسباب أمنية، أو لوجستية، أو حتى سياسية، أي ليس تحت حراب الاحتلال، كما تذرع محقا البعض.

إن ما جرى يؤشر إلى ذهنية التفرد والإصرار على المضي في النهج ذاته، بل الإصرار على تشتيت المعترضين على سياسات القيادة الرسمية، ويؤكد هذا التحليل ما صرح به الرئيس أبو مازن في اجتماع اللجنة التنفيذية عشية انعقاد المجلس، لممثل الجبهة الشعبية: إيه بدي أطلعكوا من المنظمة، اطلعوا منها!
إذا في الشكل، يمكن الجزم، بأنه غير مسموح السعي لإيجاد برنامج سياسي جامع، وهذا يتطلب منع اصطفاف لقوى معارضة تشكل وزنا في داخل أي محفل وطني، تظهر أغلبية معارضة وقوية. إن المطلوب هو إطار تنظيمي مطواع، ينتحل الصفة الوطنية، يقوم على برنامج فصيل، أو حتى برنامج فئة من هذا الفصيل
إن المضمون يؤكد ما جاء في الشكل، فالتركيز والإضاءة على بدائل وخيارات محددة، الرفع من قيمتها وأهميتها، والإشادة بأصحابها، وتصويرهم كأبطال محاربين أشداء حققوا إنجازات عظيمة على الصعيد الدبلوماسي، والاتفاقيات الدولية، ولجنة التواصل مع "المجتمع الصهيوني"، ولجنة الفساد، والرياضة والإبداع والكشاف ...إلخ، واستبعاد كل الخيارات الأخرى، وبخاصة خيار المقاومة، وضعها في الجانب المعتم، طمسها وتشويهها، والاستهزاء، والاستخفاف بها، تهكما استعراضيا، للحط من قيمتها، بل التعامل مع أصحابها كأشخاص سذج أو حتى معتوهين، وفي أحسن الأحوال مدعون ليس أكثر. حين تم تشتيت أصحاب الخيارات والبدائل الأخرى، والاستفراد بالبقية جرى ما جرى. وهنا تكمن أزمة المعارضين، إذا تمنعت القيادة المتنفذة عن عقد اجتماع تحضيري للمجلس المركزي، وهذا جزء من دورها في محاولة لمنع اجتماع الصوت الآخر والرأي الآخر، لماذا لم يجتمع المعارضون؟ لماذا لم يقرروا جماعيا المشاركة أو عدمها؟ لماذا لم يسعوا إلى بلورة بدائل وخيارات أخرى، حتى لا نجتمع على قول ما لا نريد، ونمتنع عن الاجتماع عن قول ما نريد.
إن اكثر ما يثير الغيظ من المعارضة أنها تجتمع على الحرص على المشروع الوطني فتداري خصمها السياسي، وتعجز عن إيجاد القواسم المشتركة مع مثيلاتها في المعارضة، وهذه دلالة على غياب العقل المنهجي الذي ينظم الأولويات، في سياقات تخدم الهدف الاستراتيجي وتسعى لتحقيقه، كي لا تستمر في المناداة به شعاراتيا، وتتحول إلى ديكور يبهت ويهترئ ويتآكل مع الزمن، فتحرم بذلك نفسها وشعبها فرصة التأثير في القرار الوطني ولحماية المشروع الوطني.

إن الخلاف مع الرئيس أبي مازن وفريقه السياسي جوهري، وليس خلافا في التفاصيل. المسألة تكمن في المقاربة الكلية للوضع الفلسطيني الراهن، والسؤال المحوري هو: هل أوسلو كارثة وطنية دمر كل المشروع الوطني، أم لا؟ وعليه فإن هناك من يتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية عن الغرق في المستنقع الذي نحن فيه. إن كل كلمة الرئيس أبي مازن كانت دفاعا مستميتا عن نفسه باعتباره مهندس أوسلو ووكيله الرسمي. لقد قال مرارا إنه لم يتنازل ولم يتخلى، ودافع عن أوسلو الذي حقق إنجازات وطنية، والمشكلة في أن "إسرائيل" هي من مزقته. إذا نحن أمام موقف اعتراضي على عدم التزام "إسرائيل" به، أي أن مطلبنا هو الضغط على إسرائيل للالتزام بأوسلو، وهذا يفسر كامل الموقف الرسمي الفلسطيني، استمرار الالتزام بعملية التسوية والتوصية لتعليق الاعتراف بالكيان، والتوصية بتنفيذ القرار السابق بوقف التنسيق الأمني، ورفض رعاية الإدارة الأميركية، وطلب الاعتراف بدولة فلسطين، دولة تحت الاحتلال. هذه التوصيات غير المضمون تنفيذها، حتى لو نفذت، فهي تأتي في السياق الاعتراضي على عدم الالتزام الإسرائيلي بأوسلو، وليس خروجا من مسار استمر 25 عاما دمر المشروع الوطني الفلسطيني، وأوصلنا إلى قضية مفككة، 48، غزة، اللاجئين، ومعازل الضفة، و القدس يحاول العدو حسم وضعها خارج التفاوض.
إن القرار الواضح والصريح بالخروج من أوسلو هو إقرار بالمسؤولية التاريخية عن المأزق الوطني، وبالتالي نهاية النهج وممثليه، ويجب أن لا يتوقع أحد سماعه من الرئيس أبي مازن وفريقه السياسي، لذلك سوف يستمر هذا النهج الذي يتمسك بإمكانية تسوية مع العدو الصهيوني، وعندما يثبت بالوقائع وبالتجربة عدم إمكانية ذلك، وهذا ما أكده الرئيس أبو مازن في خطابه، فإن الاستمرار بإشاعة الوهم أمر أكثر تدميرا من الاعتقاد الجدي بإمكانية تحقيق تسوية.
لقد كشف خطاب الرئيس أبي مازن عن تناقض صارخ بين التشخيص الذي ساقه، والرد الذي يتبناه في مواجهة التحديات التي قال عنها مصيرية، إضافة الى إشاعة الوهم، وحشر كل الاستراتيجية الفلسطينية في البعد السياسي والدبلوماسي، وتحميل سلطة فاقدة لسلطة كما قال، واحتلال من دون كلفة. وأضاف أنه من دون القدس ينتهي كل شيء، وضرب كفا بكف، والاقتراحات المقدمة للفلسطينيين هي أبو ديس عاصمة وإلخ .. ثم تكون المواجهة المفترضة المطلوبة، بعودتنا إلى المربع ذاته، الاستمرار بالتسوية! ويضعنا أمام مسؤوليات والتزامات دولة ذات سيادة وهي فاقدة للسيادة، وبالتالي الحديث عن حصرية السلاح وحصرية القرار، وحصرية الأمن. هذه التزامات ومواصفات دولة ذات سيادة، ولا يمكن تحميلها لشعب تحت الاحتلال، وهو كما تقول يا سيادة الرئيس سلطة من دون سلطة، وهذا يفقدك هامش واسع تستطيع من خلاله خوض معركة المواجهة على الأرض، وحتى لا يكون الاحتلال من دون كلفة. هل تستطيع القرارات الدولية وقف الاستيطان؟ هل تستطيع القرارات الدولية منع إغراق القدس بالاستيطان وتهويدها؟ هل تستطيع القرارات الدولية منع التوغلات، والاعتقالات، وهدم البيوت، وانتهاك الكرامات؟؟ إذا ليس من المفيد الحديث عن حصرية السلاح، وحصرية القرار، وحصرية الأمن. على عكس ذلك أنت بحاجة الى إعطاء هوامش. هل يشك أحد بقدرات الجيش الإسرائيلي؟ مع ذلك فهناك هامش تسليحي للمستوطنين، حماية ذاتية. 
إن الخلاف عميق مع هذه المنهجية. نحن كنا نقول بعدم إمكانية التسوية مع هذا الكيان، هذا قبل انطلاق عملية التسوية، بحكم فهمنا لهذا العدو بأن الكيانات الوظيفية الاستعمارية المصطنعة لا يمكن أن تتعايش مع التسويات وتتحول إلى كيانات طبيعية، لا يمكن أن تحدد حدودها، أو تحدد عدد سكانها، أو تعقلن مصالحها. إن فهمها لنفسها ولوظيفتها تماما كما كان يفهم النازيون الدولة بأنها كائن حي كلما أتيحت له الفرصة فإنه يتمدد، ليضم أراض جديدة ومصالح جديدة، وبالتالي وظائف جديدة (المجال الحيوي).
إن درس المجلس المركزي الأخير في 14 و15/ 1/2018 بليغ، وعلينا أن نلتقط العبرة، فلم يفت الوقت بعد على المعترضين على هذا النهج، الاقتناع بأنه لن يقر بعبثية خياره حتى لو بعد ألف عام، وليس فقط ربع قرن، فهو لن يختار بدائل تنال من امتيازاته ومصالحه الراهنة، بل سيعمد إلى تكييف البدائل على مقاس مصالحه الخاصة، وعلينا التقاط زمام المبادرة، والالتفاف حول قواسم مشتركة تجمع المعارضين لهذا نهج تحت عنوان برنامج وطني تحرري مقاوم.