Menu

خطاب بينس في معادلة التديين الصهيوني–الأنجليكانيّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي

mike-pence

بقلم / رازي نابلسي

(أصدرت لجنة السياسات في مركز مسارات هذه الورقة من إعداد الباحث رازي نابلسي).

مقدمة

منح خطاب نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، الاثنين الماضي، في الكنيست الإسرائيليّ، للتيّار اليمينيّ الخلاصيّ الدينيّ داخل إسرائيل، دُفعة دعم جديدة، تُضاف إلى النشوة التي حصل عليها التيّار بعد انتخاب دونالد ترامب أولًا، وإعلانه عن القدس عاصمة لإسرائيل ثانيًا. وفي هذا السياق، منح الخطاب اليمين الخلاصيّ الدينيّ دُفعة جديدة في صراعه على الجبهتين: الداخليّة حيث يُصارع على برنامجه السياسيّ والدينيّ أمام تيّارات أخرى في السياسة الإسرائيليّة، كحزب "يوجد مستقبل" الذي يتزعّمه يئير لابيد ويسعى إلى تحالف واسع مقابل تحالف اليمين، وحزب "العمل" الذي يدّعي أن خطابه سيؤدّي إلى عزلة دوليّة ودولة ثنائيّة القوميّة؛ والخارجيّة، أي الرأي العام الدوليّ والفلسطينيون.

وعلى الرغم من أن الإسرائيليين ليسوا العامل الوحيد في هذه الساحة المعقّدة سياسيًا، إلّا أن إسقاطات الخطاب على ممارستهم السياسيّة هو المهم، وذلك يعود إلى سببين: ضعف الحالة الفلسطينيّة أمام قدرة إسرائيل على فرض الحقائق وتحويلها إلى أمر واقع؛ ومكانة أميركا في العالم، إذ تمنح الضوء الأخضر لطموح المشروع الاستعماريّ.

ومن هذا المبدأ، ستحاول هذه الورقة بعد إجراء قراءة سريعة في الخطاب، أن ترصد احتمالات إسقاطات الخطاب على الأرض، كتعبير عن السياسة السائدة اليوم في قمة الهرم في الإدارة الأميركية، لا سيما من حيث تأثيره تجاه الداخل السياسيّ الإسرائيليّ وبالتاليّ الخارج باتجاه الفلسطينيّ. منطلقة من حقيقة أن كلاهما مترابطان الواحد بالآخر بشكل مباشر: السياسة الإسرائيليّة هي سياسة تنشط تحت سقف مشروع بعلاقة متكاملة، فيغذّي الواحد الآخر باتجاه الخارج الضحيّة: الفلسطينيّ. وبالتاليّ، تقرأ الورقة إسقاطات الخطاب على السياسة الإسرائيليّة بهدف رصد إسقاطات السيناريوهات على الفلسطينيّ بوصفه ضحيّة المشروع الاستعماريّ.

الخطاب الدينيّ: بين التحالف السياسيّ والتكامل الخلاصيّ

التحالف الإستراتيجيّ الأميركيّ- الصهيونيّ ليس جديدًا، وكُتب عنه كثيرًا. أمّا التحالف الخلاصيّ الصهيونيّ- الأنجليكاني فهذا أمر مختلف كليًا، خاصة بما يخص الصراع الفلسطينيّ- الصهيونيّ. هذا تحالف آخر له علاقة بالتغيّرات الداخليّة في كلا البلدين التي تلتقي فيما بينها، فتتكامل في علاقة الرواية الدينيّة بالسياسة- علاقة تغدو فيها الإجابة عن الأسئلة السياسيّة من خلال الدين: الأنجليكانيون يشكّلون القاعدة الأساسيّة لترامب ونائبه بينس أحد أقوى الأطراف في التيّار الأنجليكانيّ الأميركيّ. ومن المهم الإشارة إلى أن 80% من المسيحيين البيض والأنجليين صوتوا لصالح ترامب في الانتخابات الأخيرة، مقابل 16% فقط منهم صوّتوا لهيلاري كلينتون.

أمّا إسرائيليًا، فيشكّل "البيت اليهوديّ" مكونًا أساسًا في الحكومة، وتشكّل الصهيونيّة المتديّنة ذات الطرح المسيانيّ الخلاصيّ القاعدة الصلبة لحكومة اليمين في إسرائيل. وهنا، يتحوّل الدين والرواية الدينيّة إلى أساس السياسة ومرشدها وليس العكس كما اتّبع سابقًا في الحالة الصهيونيّة، حيث تم تسخير الدين على يد "حزب العمل" خاصة، والحركة الصهيونيّة عمومًا، ليشكّل دافعًا للبرنامج الاستعماريّ السياسيّ. هنا، نحن أمام بداية حقبة مختلفة كليًا في العلاقة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل إدارة أميركية تنحو أكثر نحو مزيد من "التديين الأنجليكانيّ" للصراعات، وبخاصة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتُخصص لطرحِ مقاربات حله طاقمًا ينتمي إلى الصهيونيّة المتديّنة.

إنها حقبة يصبح فيها الدين والرواية التوراتيّة الحجر الأساس ومصدر "الشرعيّة" لإجابات كانت في وقت سابق تتم من خلال أطر ومرجعيّات سياسيّة. ولعل أكثر ما يؤكّد هذا التوجّه في العلاقة هو ما قاله بعض من أعضاء الوفد الأميركي لرعاية عمليّة السلام، بحسب مصادر مطّلعة، إذ اعتبروا ما يقومون به "حرام" دينيًا من حيث التفاوض السياسيّ على أرض إسرائيل.

في هذا السياق، يمكن قراءة خطاب بينس الذي شكّل، عمليًا، تعبيرًا عن توجهاته السياسية/العقائدية التي تميل إلى "تديين" الصراعات، و"تسييس الدين"، كما تمثّل فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذروة في هذا التوجّه الذي لم يتضح بعد إن كان مرحلة على العلاقة أم سيستمر في كونه أساس العلاقة مستقبلًا. فاستبدل بينس المصالح الإستراتيجيّة للولايات المتحدة خلال خطابه، بالرواية الدينيّة قائلًا إن "أحدهم كان هنا، قبل 4000 عام، دون تاج، لم يكن حاكمًا ولا قائدًا لجيوش، ولكنه أخذ وعدًا، وها هم أبناؤه يحقّقون هذا الوعد". وأضاف في موقع آخر "رأينا في تاريخ الشعب اليهوديّ، دائمًا، تاريخ أميركا. قصّة الهروب من الملاحقة حتّى الحريّة، قصّة تدلّل على قوّة الإيمان وحتميّة الأمل. الشعب اليهوديّ تمسّك بالوعد للعودة إلى أرض إسرائيل، وبقي متمسّك بها حتّى في أطول اللياليّ ظلمة".

هذا ليس خطابًا سياسيّا مجردًا أو دينيًا بحتًا، وهو يعكس ويشرعن العلاقة بين الدينيّ والسياسيّ من خلال الربط بين اليهوديّة والوعد الإلهي لليهود كقوميّة أو أمة بالعودة إلى وطنهم. وكما قال أحد المحلّلين السياسيّين الإسرائيليين، رون بن يشاي، في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه في كل جملة قالها بينس تبيّن حجم الدعم والالتزام الأميركيّ لدولة اليهود. مضيفًا أنه "استعمل دولة اليهود لحقيقة أن خطاب بينس كان أيديولوجيًّا- دينيًّا- عاطفيًّا أكثر من كونه موقفًا سياسيًّا". وفي هذا السياق، يلتقي خطاب بينس بشكل شبه متطابق مع خطاب "البيت اليهوديّ" والتيّار اليمينيّ الجديد داخل "حزب الليكود"، وبصورة أكثر يلتقي مع مميّزات "إسرائيل الثالثة- الدولة المسيانيّة الدينيّة".

السيناريوهات المحتملة

تستعرض الورقة ثلاثة سيناريوهات من الممكن أن يؤثّر فيها خطاب بينس في السياسة الإسرائيليّة الداخليّة وتجاه الفلسطينيين:

السيناريو الأول: اندفاع صهيونيّ وتمرير الخطّة الأميركيّة

تعيش السياسة الإسرائيليّة في هذه الأيّام أجواء مرحلة ما قبل الانتخابات. وفي هذه المرحلة تحديدًا، يشتد الاستقطاب الداخليّ بين اليمين الدينيّ والقوميّ الذي يقوده بينيامين نتنياهو، واليمين الليبراليّ القديم الذي يقوده حتّى اللحظة كما يتبيّن من استطلاعات الرأي لابيد. وفي هذا السياق والمرحلة، يشكّل خطاب بينس في الكنيست مع إعلان ترامب ودعمه لإسرائيل رواية تضعف تلك التي يستعملها اليمين الليبراليّ الصهيونيّ، وحظيت بدعم من إدارة أوباما السابقة، ولو بشكل غير مباشر، حيث يدّعي أن سلوك اليمين الدينيّ وسياساته التوراتيّة المهووسة بأرض إسرائيل الكاملة ستؤدّي بإسرائيل إلى عزلة دوليّة ودولة ثنائيّة القوميّة.

إن دعم الولايات المتحدة لهذا التيّار، تحديدًا، يشكّل صمّام أمان أمام العالم، وصمّام أمان لليمين الدينيّ أمام الرأي العام الإسرائيليّ، إذ يشير بحث أجراه مركز أبحاث الأمن القوميّ (INSS) إلى أن أكثر من 80% من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل قادرة على التعامل مع تهديد عسكريّ مشترك على الجبهتين الشماليّة والجنوبيّة، فيما يعتقد 51% فقط منهم أن إسرائيل قادرة على التعامل مع حالة تراجع الدعم الأميركيّ لها. وهذا إن دل، فيدل في الحقيقة على أهميّة الدعم الأميركي والحصول عليه في أوساط القاعدة الانتخابيّة للأحزاب المركّبة للخارطة السياسيّة الإسرائيليّة.

بناء على ذلك، سنشهد داخل إسرائيل معركة انتخابيّة توظف فيها حمى الاستيطان والتهويد والعنصرية على أرض الواقع، ويكون أساسها الدعم الأميركيّ وما استطاع نتنياهو وحكومة اليمين تحقيقه في هذا الميدان. وما يعزّز هذا السيناريو أكثر حقيقة أنه ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام يفاخر نتنياهو علانية بجاهزيّة الدول العربيّة لبناء حلف سياسيّ- عسكريّ مع إسرائيل ضد إيران. وهو ما وصفه بينس أيضًا في خطابه على أنّه "تحوّل إيجابيّ في الشرق الأوسط".

وفي هذا السياق، شكّل الخطاب بحد ذاته ماكنة إعلاميّة دعائيّة، تُضاف إلى هوس وتحريض اليمين الإسرائيليّ، وهذا ما نشهده أيضًا، يبرز في الساحة الإسرائيليّة في الآونة الأخيرة: إيهود براك يتهم نتنياهو بقيادته إسرائيل إلى عزلة دوليّة، والآخر يرد عليه بإنجازاته في الهند والعالم العربيّ. وهذا كلّه قبل ترامب وبينس. ومن المتوقّع أن يتعامل نتنياهو مع الترجمة السياسية لتصريحات ترامب ونائبه على أساس كونها إنجازًا شخصيًّا وحزبيًّا في حال تقديم لائحة اتهام ضدّه حول قضايا الفساد.

في حال حصول هذا السيناريو، وهو الأكثر ترجيحًا في حال بقاء الحالة الفلسطينيّة والعربيّة على ما هي عليه، حيث الانقسام والتفكّك، فسوف يترافق مع هوس غير مسبوق وسريع على صعيد البناء الاستيطانيّ في الضفّة الغربيّة، بما فيها القدس، والشروع في تنفيذ الخطة الأميركية على مستوى تطبيع علاقات إسرائيل مع دول عربية، وتشديد الضغط على الفلسطينيين، بالتزامن مع استهداف أكبر للفلسطينييون في الأراضيّ المحتلة العام 1948، إذ مع تصاعد الخطاب الدينيّ يتراجع الخطاب المؤسسيّ الحقوقيّ والمدنيّ- أي الهامش الديمقراطيّ الإسرائيليّ الذي تنشط فيه الأحزاب العربيّة في أراضي 48.

لطالما كانت الولايات المتحدة حليفًا لإسرائيل. هذه حقيقة تدلّل عليها المساعدات والانحياز السياسيّ الذي تمنحه الولايات المتحدة للمشروع الصهيونيّ على أرض فلسطين. إلّا أن هذا التبدّل في الإدارة والتديين للصراع من شأنه أن ينقل الولايات المتحدة من طرف حليف في صراع إلى جزء لا يتجزأ من الصراع ليس إستراتيجيًا فقط، وإنّما أيديولوجيًا أيضًا. وبالتاليّ، فإن الدفعة التي سيتلقّاها اليمين الدينيّ في إسرائيل جرّاء دعم الولايات المتحدة لرؤيته لكيفيّة التخلّص من الفلسطينيين سيكون ثمنها استيطانًا مهووسًا في "أرض الميعاد"، وتشريعات تستند إلى الرواية الدينيّة، بالإضافة إلى تأزيم إضافيّ للمشروع السياسيّ الفلسطينيّ الذي يستند إلى المفاوضات كأساس لتحقيق أهدافه.

السيناريو الثانيّ: التراجع تحت وطأة العزلة الأميركيّة- الإسرائيليّة

ممّا لا شك فيه أن خطاب بينس في الكنيست، شكّل دفعة لنشوة القوّة الصهيونيّة المدعومة بنصوص دينيّة. ولكن هذا الحلف الصهيو- أنجليكاني من الممكن أن يتحوّل إلى حلف منبوذ بحد ذاته في الساحة الدوليّة، وهذا السيناريو وارد، وشهدناه في أوروبا، والعالم عمومًا، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة. ولكن لتحقيق هذا السيناريو الإيجابيّ نوعًا ما واستمراره- أي تثبيته، هناك حاجة إلى البناء على الحالة الموجودة دوليًا بدعم عربيّ واسع لها في المحافل الدوليّة. وهذا مستند إلى حقيقة أن الموقف الدوليّ الرافض لقرار ترامب انطلق كموقف تضامنيّ مع القضيّة الفلسطينيّة وسياسيّ من مبدأ إيمان العالم بإيجاد حل للصراع على أساس حل الدولتين.

ولتحقيق مثل هذا السيناريو، أي تحويل الرفض اللفظيّ والإدانة الدوليّة إلى أداة سياسيّة ضاغطة على إسرائيل والولايات المتحدة، هناك حاجة إلى البناء على الإدانة، حيث تتحوّل إلى التزام سياسيّ يرفض الوصاية الأميركيّة على الصراع باعتبارها ليست مجرّد حليف سياسيّ داعم لإسرائيل، بل استغلال خطاب بينس لتصويب الاعتقاد السائد، والبدء بصياغته على أساس أن الولايات المتحدة طرف فاعل أيديولوجيّ- دينيّ في الصراع وليس مجرّد حليف سياسيّ.

أمّا العامل الثاني الذي يمكن أن يعزّز هذا السيناريو فهو البعد العربيّ للقضيّة الفلسطينيّة، إذ وعلى الرغم من أن التسريبات والتحليلات تشير إلى حقيقة أن الدول العربيّة معنيّة بحلف مع إسرائيل في حربها ضد إيران والاستقطاب المذهبيّ، إلّا أن القضيّة الفلسطينيّة لا تزال عاملًا مؤثّرًا على تكوين هذا الحلف. وهنا، يمكن الضغط على الدول العربيّة لتبنّي موقف رافض وجذريّ أكثر مع التوجّهات الأميركيّة، ما يجعل من الحلف الإسرائيليّ- الأميركيّ في مأزق يمكن استغلاله.

على الرغم من حقيقة المنابع الأيديولوجيّة- الدينيّة لخطاب بينس في الكنيست، إلّا أن المصالح السياسيّة من شأنها أن تشكّل عاملًا ضاغطًا. ولتحقيق مثل هذا السيناريو، هناك حاجة إلى إجراء خطوات تاريخيّة تعيد تصويب البيت الفلسطينيّ الداخليّ من حيث إنهاء الانقسام بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينيّة عبر برنامج سياسيّ يستند إلى النضال الوطنيّ بإستراتيجيّة وطنيّة واحدة أولًا وقبل أي شيء: هناك حاجة إلى إعادة بناء البيت الوطنيّ الفلسطينيّ على أساس كفاحيّ.

إن السير في مثل هذا المسار من شأنه أن يهدّد الهدوء الذي تستند إليه الولايات المتحدة وإسرائيل في سكرة القوّة ونشوتها، ويصدم كلتيهما بالواقع، ما يدفعه إلى إعادة التفكير في خياراته وسياساته. وفي خضم الحديث عن هذا السيناريو، لا ننسى ذكر حقيقة أن ترامب لم يُعلن عن نقل السفارة إلّا بعد تطمينات من الأجهزة الأمنيّة الصهيونيّة بقدرتها على احتواء ردّة الفعل.

السيناريو الثالث: احتواء ردود الفعل وتمرير تدريجيّ للخطّة

هذا السيناريو هو الذي تسعى إليه أميركا وإسرائيل، إذ تقوم أميركا بهدف تحقيقه باستغلال الظرف العربيّ والاستقطاب المذهبيّ داخل الإقليم، وحاجة بعض الدول العربيّة، وتحديدًا السعوديّة، إلى إسرائيل في صراعها مع إيران، بهدف الضغط على القيادة الفلسطينيّة للقبول بـ"صفقة القرن".

إن هذا السيناريو هو الذي يتم على الأرض وفي أروقة السياسة هذه الأيام، ولا تزال القيادة الفلسطينيّة، حتّى اليوم، رافضة للضغوط الأميركيّة والتواطؤ العربيّ معها، إن كانت ضغوطات اقتصاديّة أو سياسيّة. وفي هذا السيناريو تحديدًا، يتحوّل البعد العربيّ من كونه صمّام أمان مقابل العقوبات الاقتصاديّة مثلًا إلى أداة ضغط إضافيّة على القيادة الفلسطينيّة للإحجام عن تصعيد الموقف، على الأقل تحت يافطة انتظار طرح الخطة الأميركية رسميًا.

لا يعني هذا السيناريو بالضرورة تمرير الخطة الأميركية بـ"الضربة القاضية" كما السيناريو الأول، أي بشكل يفضي إلى تصفية الحقوق الفلسطينية. فقد يتم الدفع به وفق مستويات متتابعة، أو خطة تدريجية، ربما تنطوي على التوصل إلى صيغة وسطية للالتفاف على الموقف الفلسطيني الرافض للرعاية الأميركية الاحتكارية، أو احتوائه، عبر مساعدة الرئيس محمود عباس على النزول عن قمة الشجرة، بالضغط عليه للقبول بإحياء اللجنة الرباعية الدولية كمظلة لرعاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، دون تعديل في تفويض وصلاحيات اللجنة، بحيث تكلف واشنطن بالمتابعة المباشرة تحت مظلة الرعاية الشكلية والزائفة للجنة، حتى وإن جرى توسيع عضوية اللجنة بإضافة دولة أو اثنتين، كمخرج آخر لمطالبة الفلسطينيين بإنشاء آلية دولية على غرار صيغة خمسة زائد واحد إبان التفاوض مع إيران.

خاتمة

يعتبر السيناريو الثاني هو المفضل، إذ لا يوجد خيار أمام الفلسطينيين سوى التصدّي لمخاطر التصفية المباشرة للقضية الفلسطينية كما في السيناريو الأول، أو التصفية بالتدريج كما في السيناريو الثالث، ولكي يتحقق سيناريو إغلاق الطريق أمام الخطة الأميركية الإسرائيلية وحماية القضية الفلسطينية من مخاطر التصفية، هناك حاجة إلى تبني إستراتيجية فلسطينية واضحة تتضمن:

استمرار الرفض الفلسطينيّ لما يسمى "صفقة القرن"، والصمود أمام الضغوط الأميركية، وبخاصة التهديد بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
عدم السكوت على التواطؤ العربيّ، والتوجّه إلى الرأي العام العربيّ لتحريضه على رفض المخطّطات الأميركيّة والتواطؤ الذي تمارسه الأنظمة مع هذه المخطّطات التي تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
البدء بإعادة ترتيب البيت الفلسطينيّ، والسعي في مصالحة وطنيّة شاملة على أساس النهوض بالقضيّة وحمايتها من خطر التصفيّة الذي تتضمنه المخطّطات الأميركيّة. وذلك على أساس برنامج سياسيّ كفاحيّ، يُعيد بناء المنظّمات الفلسطينيّة كأدوات تعزّز صمود الشعب وتسانده وتقوده نحو تحقيق مطالبه.
العمل على إحداث تغيير في ميزان القوى عبر توسيع وتصعيد أشكال المقاومة، ما من شأنه أن يهدّد الاستقرار الذي تبني على أساسه أميركا مخطّطاتها، وكان السبب في تأجيل نقل السفارة وإعلان القدس عاصمة إسرائيل.