Menu

جنون العظمة.. وتآكل الردع!

عوني صادق

الدول كالأفراد، يمكن أن تصاب بمرض «جنون العظمة»! وليس دائماً يحدث ذلك لأن الدولة، أو الفرد، عظيمة أو عظيم، بل لأن الخصم ضعيف جداً، مستسلم جداً، يخلق لدى خصمه وهم الشعور بالعظمة، وبأنه مخيف إلى درجة أن أحداً لا يفكر في المساس به أو حتى التحرش به! هذه هي «إسرائيل»، وهذا ما أوصلت الفرقة والتنازع والتهافت العربي إليه! وفي أسبوع واحد وقعت حادثتان زلزلتا الوهم «الإسرائيلي» وأظهرتا أن هذا الكيان ليس كما يظن أصحابه من المناعة أو القوة، بل هو قابل للعطب بأسهل مما يظنون! الحادثة الأولى إسقاط طائرة (إف 16) «الإسرائيلية» بواسطة الدفاعات الجوية السورية، وكانت الحادثة الثانية تفجير عبوة ناسفة وضعها مقاومون فلسطينيون شرق خانيونس وأصيب فيها ضابطان وجنديان خبراء في وحدة هندسية في الجيش. والحادثتان، كما بدا الأمر من خلال ردود الفعل «الإسرائيلية»، كما لو كانتا «معجزتين» في زمن لا تقع فيه المعجزات، إذ أحدثت كل منهما صدمة كبيرة لأنها مست نقطة حساسة في نفسية مريض بجنون العظمة، وشككت في قدرة ما يسميه «الردع «الإسرائيلي»!

يقول المتابعون إن إسقاط الدفاعات السورية للطائرة «الإسرائيلية» يعتبر حدثاً لافتاً لأنه يحدث لأول مرة منذ حرب 1973، وبعد أن أصبحت الأجواء السورية مفتوحة دون رادع منذ 2011، لكن ذلك وبصرف النظر عن الملابسات والتفاصيل التي أحاطت بإسقاط الطائرة، يظل الحادث حادثاً ولا يفترض أن يرتقي إلى مستوى «الحدث» إلا إذا كانت «الدولة السورية» غير موجودة في نظر القيادة «الإسرائيلية». وقد فسر الكاتب الصحفي «الإسرائيلي» روغل إلفر في (هآرتس- 18/2/2018) ذلك بقوله: «إن الطائرة هي «إله «إسرائيل» وإن ما تفعله هو «فعل إلهي» في نظر «الإسرائيليين»»! وعلق على ردود أفعالهم قائلا: «لم يحدث أبداً أن تم التعامل مع نبأ سقوط طائرة مقاتلة بمثل هذه الصدمة والدهشة التي أظهرها أولئك الذين اعتبروا إسقاط الطائرة المقاتلة «الإسرائيلية» بشائر سوء»! وأضاف: «لقد جن جنون اليهود وتعاملوا مع بقايا طائرتهم كما لو أنها - طوطم قبلي-، رمز تم تحطيمه وحرقه. تماماً لو أنه تدنيس للقدسية، كما لو أنه تم إخصاء فخرهم الوطني»!

أما الحادثة الثانية، العبوة الناسفة التي وضعها المقاومون الفلسطينيون عند السياج الحدودي في غزة، وفضلاً عن أنها أصابت ضابطين وجنديين بمن فيهم قائد وحدة الهندسة، فقد اعتبرت أخطر عملية منذ عدوان 2014 على غزة. وإلى جانب الإصابات التي أوقعتها، حملت جديداً من حيث نتائجها، وهو تصدي الدفاعات الفلسطينية للطائرات المغيرة على القطاع بعد تفجير العبوة الناسفة، وهو أيضا ما يحدث للمرة الأولى. وفي المحصلة، كانت هناك رسالة أراد من زرع العبوة أن يوصلها للقيادة العسكرية «الإسرائيلية» تتلخص في أن «الردع» الذي تدعيه قوات الاحتلال قد تآكل إلى درجة أصبح من السهل التشكيك فيه. وفي مقال له نشرته (هآرتس- 18/2/2018)، رأى المراسل العسكري عاموس هرئيل أنه «يبدو أن شيئاً خاطئاً قد حدث» أرجعه إلى «ربما الشعور المفرط بالثقة في النفس أو عدم مراعاة إجراءات السلامة بشكل كاف»! وما لم يتطرق إليه هرئيل هو ما حملته العملية من رسالة واضحة. ففي ظل التهديدات «الإسرائيلية» التي لم تنقطع بشن عدوان على غزة، تأتي هذه العملية جواباً على تلك التهديدات من جهة، وتأكيداً على تصميم المقاومة الغزاوية على مواجهة الاحتلال وأساليبه بأساليب جديدة من المواجهة لم تتوقعها قوات الاحتلال من قبل.

لقد اعترف محرر الشؤون الأمنية في صحيفة («إسرائيل» اليوم - 18/2/2018) بأن العملية كانت «فخا» وقع فيه خبراء الوحدة الهندسية، وهو اعتراف يعني في ما يعني أن المقاومة أصبحت تعرف كيف توقع بخبراء الوحدات المختارة من الجيش «الإسرائيلي»، وهو يعني أيضا أن «جنون العظمة» أصبح يورد أصحابه المهالك وأن «الردع» تراجع كثيراً. وسواء كانت «المقاومة الشعبية» هي التي زرعت العبوة، أو كانت العبوة من وضع «الجهاد الإسلامي»، وسواء حملت قيادة الجيش «الإسرائيلي» حركة (حماس) المسؤولية أم لم تحملها، فإن مبررات شن العدوان على غزة متوفرة إن أرادت القيادة السياسية «الإسرائيلية» ذلك. لكن المراقبين يعتقدون أنه لا (حماس) ولا القيادة «الإسرائيلية» معنية بالتصعيد في الوقت الحاضر، إلا أن هناك من لا يستبعد أن يلجأ بنيامين نتنياهو إلى الحرب على غزة كوسيلة وحيدة لتأخير بقائه في رئاسة الوزراء.

في أسبوع واحد، تكشف أن «جنون العظمة» مرض في حاجة إلى علاج، وثبت أن «قوة الردع» يمكن أن تكون وهماً. والعلاج الشافي للمرض والوهم يتمثل في المقاومة المستندة إلى الحق والتمسك به.