Menu

فتح وحماس.. اشتباك في زمن واتجاه خاطئين!

نصّار إبراهيم

تعبيرية

(حكاية عبد الكريم قاسم والسفير الروسي نتشكين منقولة عن الكاتب اللبناني الجميل إلياس عشِّي) يا الله كم هو مدهش هذا الفلسطيني... يقضي عمره وهو يركض ما بين نكبة ونكسة وهزيمة، ما بين حصار وحصار، شهيد وشهيد، أسير وأسير، سجن ومعتقل وزنزانة، ما بين حاجز وحاجز، ما بين حدود وحدود، ومع ذلك يعاند ما استطاع ويحرس موهبة الصبر والانتظار. ويقاوم كي لا يفقد الأمل.

يركض وراء لقمة الخبز الصعب وحبة الدواء المرّ، يركض وراء عصفور الحياة المشاغب والمعاند دوما ولا يملّ... لا ينسى فكرة لا تغيب: ان وطنه محتلا.. فيواصل الحلم بحرية وطن تعادل تضحياته الكبرى.. تعادل فلسطين.

تسأل هذا الفلسطيني الراكض طول العمر: ما رأيك بواقع الحال!؟
ينظر حوله طويلا... ثم ينظر في الفراغ ويقول: أنداري! الله بعين!؟

يحدث كل هذا فيما القوى والقيادات السياسية الفلسطينية تشتبك فيما بينها على كل شئ ما عدا هموم وأشجان الفلسطيني... وكأنها تعيش في واقع غير واقع هذا الفلسطيني الباسل الشقي العنيد، وكأنها تعيش في زمن غير زمن هذا الفلسطيني الذي يجالد الاحتلال على كل ذرة تراب ونسمة هواء وسنبلة قمح وشجرة زيتون... و قطر ة ماء وذاكرة لاجئ.

ينظر الفلسطيني إلى الخلافات والملاسنات التي تدور بين قياداته فيندهش.. يسأل: أين يعيش هؤلاء وماذا يريدون...!؟.

منذ عقد والقوى السياسية الفلسطينية تلوك ذات الكلمات: "انقسام ومصالحة ومصالح وطنية عليا" وتمضي الأيام والسنوات وتتلاشى المصافحات والقبلات ويعودون من حيث بدأوا... يواصلون التلاسن والتشاتم والاتهامات وكأنهم لا يرون ما يفعل الاحتلال بفلسطين وأهلها.. وكأنهم لا يرون صمت القدس وانتظارها.. آلام غزة وبحرها الحزين، وكأنهم لا يرون وجه الضفة المثقل بالاستيطان يبتلعها كأفعى... وكأنهم لا يرون ولا يسمعون أهوال القادم من قهر وشطب وإهانة واستهتار بكل ما يؤمن به الفلسطيني منذ بدء التاريخ. 

تلك القوى تعيش حالة اشتباك دائمة... لكنها حالة اشتباك وزمن اشتباك في المكان والاتجاه الخاطئين.. ودائما يدفع ثمنها الفلسطيني ألما ومعاناة وقهرا وإحباطا وارتباكا... 

هذه الفوضى تذكرنا بما حدث بين الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم وصديقه نتشكين السكرتير الأول في السفارة السوڤياتية. ففيما كانا يوماً على انفراد في وزارة الدفاع، ارتفع صوت المؤذن، فنهض نتشكين قاطعاً الحديث احتراماً منه لواجب الصلاة! فأدهش هذا السلوك عبد الكريم قاسم ، فقال لصديقه:
ـ أنا أكبّر هذا الاحترام للصلاة من رجل ملحد.

ـ نعم، أجاب نتشكين، كنت ملحداً، لكنني منذ جئت إلى هذا البلد، بدأت أؤمن بوجود الله! وإلا فكيف نعلّل سير أيّ عمل من الأعمال في بلد كهذا؟,

نعم لا أدري كيف نبرر استمرار الفلسطيني بكل هذا الصبر ولا يخرج شاهرا روحه وقلبه وأطفاله وسيفه ورغيف خبزة ويصرخ: كفّوا عن هذا العبث!.