في مثل هذا اليوم، قبل خمسة أعوام، انتصر الأسير سامر عيساوي في أطول معركة إضراب عن الطعام في التاريخ، وفي هذا اليوم، لا يزال الأسير عيساوي قابعًا في سجون الاحتلال، الذي اعتاد على النكول عن عهوده واتفاقاته، بعد اعتقاله مرةً أخرى.
الأسير سامر عيساوي، الذي انتصر في معركة الأمعاء الخاوية، صاحب أطول إضراب عن الطعام في تاريخ الأسرى الفلسطينيين، وتجاوزت مدته 280 يومًا، وانتصرت إرادته على السجان عام 2013.
"سامر طارق أحمد محمد العيساوي"، ولد في 16 ديسمبر عام 1979، في قرية العيسوية شمال شرقي القدس ، ينتمي "العيساوي" إلى أسرة مقدسية مكونة من 6أولاد وبنتين، إضافة إلى الأم والأب، تربى في أسرة يربطها حب الأرض، ويجمعها هدف واحد هو التخلص من الاحتلال الصهيوني، فلم يسلم أحد أطراف الأسرة من الاعتقال والتعذيب، حيث استشهد شقيقه "فادي العيساوي" عام 1994 في مجزرة الحرم الإبراهيمي، ولديه شقيق آخر أسير يدعى "مدحت العيساوي" الذي قضى 19 عامًا من حياته داخل الأسر، وشقيقته المحامية "شيرين العيساوي" اعتقلت مدة سنة كاملة عام 2010، بسبب دفاعها عن الأسرى وانتهاكات الاحتلال ضدهم.
اعتقل "سامر" مطلع عام 2003 بتهمة الانتماء للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً، أنهى من هذه المدة 10 أعوام وتم الإفراج عنه ضمن صفقة الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط"، لكن تم إعادة اعتقاله مرة أخرى بتاريخ 7 يوليو عام 2012، حيث طالبت النيابة العامة للعدو بسجنه لمدة 20 عاماً بحجة ممارسته نشاطات تنظيمية وسياسية وزيارة مناطق في الضفة الغربية، حيث يعتبر "العيساوي" أول أسير مقدسي يتم اعتقاله من الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم ضمن صفقة التبادل مع الجندي "شاليط"، مما يدل على خرق واضح للمعايير والقوانين الدولية والإنسانية، وعدم احترام للصفقة التي تمت بوساطة مصرية.
تم اعتقال "سامر" أثناء اجتيازه لحاجز عسكري احتلالي يسمى "حاجز جبع" يقع شمال شرق مدينة القدس المحتلة، في السابع من يوليو عام 2012، حيث تم إنزال "سامر" من السيارة التي كانت تقله أثناء عودته من مدينة رام الله، ونقل إلى مركز تحقيق "المسكوبية" فمكث هناك 28 يومًا كان خلالها يتعرض للتحقيق المستمر لمدة 22 ساعة يوميًا يحرم خلالها من النوم أو الراحة، ولمدة 23 يوماً في "المسكوبية" كان "سامر" ممنوعًا من لقاء محاميه، بهدف ممارسة الضغط عليه أثناء التحقيق، ولعزله عن العالم الخارجي تمامًا.
قدم الاحتلال لـ"سامر" لائحة اتهام يحاكم ضمنها في محكمة الصلح بالقدس، جاء من أهم بنودها خرق بنود إطلاق سراحه المشروط ودخول مناطق الضفة الغربية، وعقدت له محاكمه صورية في "عوفر العسكرية" أمام لجنة عسكرية تدعى "لجنة شاليط"، والتي اتخذت قرارًا بأن يستكمل "سامر" ما تبقى له من سنوات في حكمه السابق أي ما يقارب 20 عامًا، وذلك بناءً على ادعاء اللجنة بوجود شبهات ضده استناداً لمعلومات استخباراتية لا يسمح للأسير "سامر" ولا لمحاميه الاطلاع عليها بحجة أنها "سرية".
في 1 أغسطس عام 2012، أعلن "سامر العيساوي" إضرابه عن الطعام احتجاجًا على إعادة اعتقاله، والمطالبة بإعادة محاكمته بناءً على ملف سري لا يسمح له بالدفاع عن نفسه، فوجد أن الإضراب عن الطعام هو السلاح الوحيد أمامه لنيل حريته، وقال حينها "لن أنتظر شاليط آخر لأنال حريتي، بموجب صفقة لا يحترم بنودها المحتل، سأنتزعها بالإضراب عن الطعام"، العبارة السابقة لخص بها الأسير المضرب عن الطعام حكايته مع البحث عن الحرية.
أضرب "سامر" في البداية عن الطعام فقط، وفي اليوم الـ197 من إضرابه قرر التصعيد بالتوقف عن شرب الماء على الرغم من الحالة الصحية الصعبة التي كان يعاني منها، بعدها قرر تصعيد إضرابه للضغط على إدارة السجون ومقاطعة إجراء الفحوص الطبية أو تناول الفيتامينات والمحاليل.
بعد 9 أشهر من إضراب العيساوي عن الطعام والشراب، عانى من تدهور حاد في حالته الصحية بشكل خطير وغير مسبوق ما جعل الاحتلال يهدده بالإطعام القصري، حيث عانى أوجاعاً في كافة أنحاء جسده وألماً في الرأس، وتشنجاً في رجله اليمنى، ولا يستطيع النوم على ظهره أو جوانبه، إلى أن أصبح هيكل عظمي وأصبح وزنه 40 كيلوجراماً، ووصلت نبضات قلبه إلى 28 وهذا يدل على تدهور خطير بحالته الصحية، وأن قلبه قد يتوقف في أية لحظة.
رغم كل هذه الأعراض، إلا أن "العيساوي" رفض عرض من سلطات الاحتلال بالإبعاد إلى خارج وطنه فلسطين، مصرًا بذلك على نيل الحرية مع العودة إلى مسقط رأسه بالقدس، معتبرًا أن اعتقاله وإعادة محاكمته غير قانونية ولا تستند إلى روح العدالة الإنسانية.
في 23 أبريل عام 2013، وافقت النيابة العسكرية التابعة للاحتلال على صيغة اتفاق عرض من قبل الأسير "العيساوي"، يقضي بالإفراج عنه بعد 8 أشهر، تنتهي في 23 ديسمبر من العام نفسه، مقابل وقف إضرابه عن الطعام، وبالفعل أفرجت السلطات الإسرائيلية عن المعتقل الفلسطيني صاحب أطول إضراب عن الطعام في السجون الصهيونية، وقال "العيساوي" من أمام سجن شطة الاحتلالي "الإضراب لم يأت لإطلاق سراح العيساوي بل لعدم إفراغ صفقة وفاء الأحرار من مضمونها ومن أجل المحافظة على هذا الإنجاز"، ليضرب بذلك "العيساوي" مثالًا حيًا على تحدي وقهر الغطرسة الصهيونية ومواجهة الظلم والعنصرية وقوانين الاحتلال الجائرة.