Menu

سياسة العقوبات والحرب التجارية

د.فايز رشيد

يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكأنه دونكيشوت الذي يريد محاربة طواحين الهواء وكلّ العالم! سواء من خلال العقوبات أو الحرب التجارية التي يعلنها على دول عديدة بما فيها الحلفاء في أوروبا، وروسيا والصين. هذه الإجراءات إضافة إلى أنها تزيد من حدّة العداء للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، فإنها تؤثر سلباً على الموازين التجارية الدولية وانخفاض قيمة العملات المحلية في الدول التي تطبق عليها العقوبات، كما تساهم في إفقار الفقراء في المجتمعات المعنية، حيث ستؤدي في بعض الدول إلى حراكات اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤثر بدورها على زيادة التوترات في مناطق مختلفة من العالم، حيث يبدو من الصعب وضع حدّ للانزلاق نحو الحروب المحلية في دول كثيرة معاقبة، وربما إلى حروب بينية مع دول جارة، قد تتطور إلى حروب دولية تؤثر على السلم العالمي.

الرئيس ترامب الذي لم يكمل سنته الرئاسية الثانية افتتح معركة جديدة مع جنوب إفريقيا التي عانت من العنصرية لسنوات طويلة ويريد فرض العقوبات عليها لأنها لم تصوّت في الأمم المتحدة إلى جانب القرارات الأمريكية! وإذا ما طبّق الرئيس الأمريكي هذا المقياس فإن دولاً كثيرة ستطالها العقوبات الأمريكية المنتظرة، وهو ما يعني فتح جبهات مواجهة سياسية على اتساع العالم ما يعني مزيداً من التوتر على الصعيد العالمي.

تميّزت سياسة الرئيس الأمريكي منذ تسلمه لرئاسته بابتزاز دول عديدة مالياً، فهو يطالب حتى الدول الأوروبية (حليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو) بدفع ثمن حماية الولايات المتحدة لها، وزيادة مساهمتها في ميزانية الحلف. ترامب يخترع أسباباً كثيرة للدول لتدفع أموالاً لواشنطن، وهو ما يؤكد النظرية القائلة بأن السياسة لديه ليست أكثر من صفقات تجارية مع الآخرين، وقد قيل عنه «إنه اقتصادي ناجح، لكنه سياسي سيئ».

ترامب يقول أيضاً تصريحات لا معنى لها! فمثلاً تصريحه بأن «إسرائيل» مطالبة بدفع «الثمن» في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، مقابل قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس . هذا الإعلان بالطبع لا يعني شيئاً سوى الوهم ومحاولة جديدة لتخدير الفلسطينيين والعرب والعالم ! ولعل ما بين سطور التصريح يظهر بوضوح لا معنى ما قاله. فقد وصف ترامب قراره المتعلق بالقدس بأنه «شيء جيد كان يجب فعله، إذا كان للسلام مع الفلسطينيين أن يتحقق في يوم ما». وقال مستطرداً: «لقد سحبنا القدس من طاولة المفاوضات، ففي كل مرّة كانت هنالك مفاوضات سلام لم يترك «الإسرائيليون» فرصة لإثارة إشكاليّة الاعتراف بالقدس عاصمة (لهم)»، لذلك قلت: «دعونا نسحبها عن الطاولة»، لكن ألا يعرف ترامب أن الثمن الذي دفعته دويلة الاحتلال هو بناء 200 ألف وحدة سكنية جديدة في المستعمرات حول مدينة القدس، والتهديد بشن حرب جديدة على غزة، ومزيد من مصادرة أراضي الضفة الغربية للاستيطان والإيغال في قتل الفلسطينيين واعتقال المزيد منهم، واقتلاع أشجارهم وهدم بيوتهم، وتزايد اقتحامات المستوطنين للأقصى تحت حراسة جنود الاحتلال والتضييق على أهلنا في منطقة 48، وعلى شعبنا في الضفة الغربية بمزيد من سنّ القوانين العنصرية، وهناك مشروع قرار مقدّم إلى «الكنيست» بفرض عقوبة السجن مدة عام واحد لكل من يرفع العلم الفلسطيني.

من ناحية أخرى، بات السؤال حول إقالة الرئيس الأمريكي وارداً، فالاتهامات تطوقه من كل جانب، ولعل أبرزها ما يتعلق بما سيقوله محاميه مايكل كوهين للمحققين. ولقد هدد ترامب بأن إقالته ستدمّر البورصات العالمية! وستجعل من كلّ الأمريكيين فقراء. لذلك، فإن الانتخابات النصفية للكونجرس ستتأثر بما يواجهه ترامب من اتهامات تتعلق بدفع الرشاوى والعقوبات التي يفرضها على دول كثيرة والحروب التجارية التي يخوضها. ستتأثر الانتخابات من حيث عدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب الجمهوري، علماً أن جزءاً من النواب الجمهوريين في المجلسين هم ضد الرئيس، لعلّ هذا الهاجس أيضاً لعب دوراً في تصريح الرئيس ترامب حول وجوب دفع «إسرائيل» ثمن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال. ومع أنه في كل الأحوال يبقى التصريح خالياً من أية مضامين حقيقية، لكن الخطوات والحرب التجارية، كما سياسة العقوبات التي ينتهجها لن تطيل حتماً في عمر سنواته الرئاسية، فقد كثرت النقاشات مؤخراً حول استقالته أو إقالته.