Menu

جبريل محمد يكتب للهدف: بين الانتفاضة الشعبية و"الحراكات" فرق كبير

صورة من الانتفاضة.jpg

خاص بوابة الهدف

حين اندلعت الانتفاضة الشعبية الكبرى عام 1987 كان السهل مهيأ للاشتعال الكبير، فقد أطلق ميرون بنفنستي حيث يومها كان باحثا ونائبا لرئيس بلدية القدس تقريره المشهور، بأن خطة الاستيطان بما يمنع قيام الدولة قد اكتملت على الأرض، وبات الاحتلال سيد الموقف في ظل ضعف المنظمة، وفي ظل القرار الرسمي العربي في مؤتمر قمة عمان قبيل الانتفاضة بوضع القضية الفلسطينية في نهاية جدول أعمال القمة، وفي ظل استشراس الفهد السعودي لتعميم مبادرته التي أخذ فرمانا بها في مؤتمر فاس وبصمت من المظمة التي لم ترفض أو تقبل كل ما جرى.

في الميدان كانت قوى المنظمة قد بنت أطرها الجماهيرية الفاعلة والواسعة العضوية والمعدة فكريا ووطنيا في الجامعات ولجان العمل التطوعي والمرأة والعمال... الخ، وكان كل شيء يشير إلى نقطة تحول ما، بعضهم يئس وحاول التناغم مع خطة التنمية الأردنية وبعضهم قاوم الخطة، وكان حادث الدهس في جباليا الشرارة التي اشعلت السهل، فانتفض الشعب كله على المستوى العمري وعلى المستوى الحضري وعلى كل المستويات، فكانت الانتفاضة حركة شعبية شاملة واسعة، تستمد قوتها من طاقة شعب مُصرّ على الحرية ومستعد لدفع الغالي والنفيس لأجلها.

لم تتشدد المنظمات الجماهيرية بالدفاع عن بنيتها وأدركت بحسها العفوي أن الشكل التنظيمي هو في خدمة الهدف الثوري، وبالتالي تحولت كل هذه المنظمات إلى لجان شعبية من لجان الأحياء حتى القوى الضاربة، وبات لكل فرد دور في العمل الشعبي الذي التقطته الفصائل ونظمته ودفعته إلى الأمام. كانت قوى الانتفاضة منتبهة إلى الربط بين الوطني والاقتصادي الاجتماعي وتنظيم حياة الناس في ظل مزيد من القمع والحصار، حتى دوريات الاحتلال لم تكن في كثير من الأحيان قادرة على اقتحام القرى وأحياء المدن بسبب الحراسة الشعبية. 

هذه هي الانتفاضة التي قال الجميع عنها أنها عفوية، نعم كانت انطلاقتها عفوية ولكنها وجدت حاضنتها السياسية بسرعة والتي وفرت لها الاستدامة، لولا تلاعب السياسيين بها ومحاولة تجييرها للتثمير السياسي السريع.  

اليوم وبعد ثلاثة عقود من الانتفاضة الشعبية حاولنا أن نطلق على الأشكال الفردية المقاومة، أو على أعمال عسكرية موجهة صفة انتفاضة شعبية، أو هبة، وفي يقيني أن ذلك محاولة للتغطية على عجز كل الأطر السياسية عن تخليق حالة جماهيرية شبيهة بالانتفاضة، هذا العجز مرده  تغير الظرف الموضوعي وانعكاسات هذا التغير على المزاج الشعبي وسلوك الناس، فقيام السلطة أشعر قطاعا مهما من الناس أن ما كان ملقى على عاتقهم في الانتفاضة أصبح بيد سلطة بنت جهازا بيروقراطيا أمنيا ومدنيا كبيرا وأوجدت دائرة مفاوضات لم تنجز سوى الخراب وفتح شهية الاستيطان، وتفككت الأطر الشعبية الجماهيرية الواسعة لتتحول ألى منظمات نخبوية ممولة، أو إلى مجرد حركات كمية غير ذات مضمون إلا عند الاستخدام الفصائلي، وبدل أن نبدع أصبحنا مقلدين لما جرى في تونس و مصر من خلال خلق حراكات حلقية معزولة عن الجماهير مرتعشة وهيابة من الصدام مع الاحتلال والسلطة، تحتكم إلى برامج موجهة عن بعد ودون وعي، لخلق نموذج غير أصيل لحركة شعبية. إنه دور التمويل والتيه الذي تعيشه الفصائل السياسية وحاجتها للجمهور، لا حاجة الجمهور إليها، الفصائل تخلت عن دورها وأخذت تستجدي حراكات معلبة لأنها ضيعت منظماتها الجماهيرية الواسعة، الفصائل اليوم تبكي على أطلالها وكما قال أبو نواس:         قل لمن يبكي على رسم درس       واقفا ... ما ضر لو كان جلس.