Menu

ماذا نفعل فى مواجهة "صفقة القرن"؟

أحمد بهاء شعبان

"إن التسوية لن تتحقق قبل أن ينزع العرب من عقولهم وكتبهم كل ما يمت بالعداء للصهيونية بصلة".

إسحق شامير

لا يكاد يومٌ يمر، إلا وخبرٌ يُنشر، أو دراسةٌ تُطبع، أو برنامجٌ يُعدُّ، أو مؤتمرٌ يُعقد، تحت مسمى "صفقة القرن"، دون أن يتطوع، حتى الآن، أحدٌ لكى يوضح أبعاد هذه الصفقة، وفحواها، وخططها الزمنية، وأبعادها!

لكن المؤكد، فى هذا السياق أمرين:

الأول: أن هذه "الصفقة"، فى جوهرها، وبعيداً عن أى حديث منمق، تستهدف الإجهاز الكامل على ما تبقى من القضية الفلسطينية، وخاصةً حق العودة لملايين الفلسطينيين، المطرودين من وطنهم بفعل القوة الصهيونية الإجرامية الغاشمة، والذى سيظل عقبة أمام استكمال ابتلاع الفك الصهيونى الشرس لأرض فلسطين التاريخية الكاملة، وثانياً: أن هذه "الصفقة" عملية مستمرة التقدم، Process، أُنجزت منها خطوات، خطوة بعد خطوة:

ـ فعملية تهويد القدس المحتلة، رغم أنف القانون الدولى، خطوة.

ـ ونقل السفارة الأمريكية إليها والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، خطوة.

ـ وحصار الوجود الفلسطينى والتضييق عليه، داخل وخارج الوطن المغتصب، خطوة.

ـ وإقرار إسرائيل كدولة عنصرية، يهودية، خالصة العرق.. خطوة.

ـ وضم الجولان السورية المحتلة .. خطوة.

ـ والتباحث مع دول الشتات العربية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين بها، مقابل حفنة دولارات.. خطوة.

ـ والضغط على دول الخليج لإتمام عملية التطبيع المجانى مع إسرائيل، خطوة.

ـ وإعلان تأسيس الحلف التابع لأمريكا وإسرائيل، الذى أُطلق عليه "الناتو العربى"، أو"حلف الشرق الأوسط الاستراتيجى" (ميسا)، [ Mesaـ Middle East Strategic Alliance] .. خطوة... وهكذا دواليك.

أى أن مسار "صفقة القرن" يأتى معاكساً للترتيبات التقليدية المعهودة، حيث يأتى التفاوض أولاً، من أجل الاتفاق على برنامج مقبول من أطراف الصراع تعلن التزامها بتنفيذه، إلى نمطٍ جديدٍ على العلاقات الدولية، يتم فيه اتخاذ الإجراءات المتتابعة وفرضها على أرض الواقع، ثم الدعوة إلى اللقاء من أجل شرعنة ما تم تنفيذه، باعتباره أمراً منتهياً ومفروغاً منه، لا سبيل للتراجع عنه أو مناقشته!

والمؤسف والخطير، فى نفس الوقت، أن النظم العربية كافةً، إلا من رحم ربى، ضالعةً فى هذه الجريمة النكراء، إن عجزاً أو مباركةً أو اتقاءً للشر!، ومعظم الدول العربية غارقةً فى مستنقع الفوضى والاستبداد، والفساد، والاحتراب الأهلى، والصراعات المحلية، بما لا يوفر أدنى فرصة لاهتمامٍ جدى بالقضية الفلسطينية، بعد أن تراجعت مكانتها من "القضية المركزية" إلى سببٍ للصداع فى رأس المنطقة ينبغى تسكينه بأى صورة من الصور، ولم تعد إسرائيل عدواً لأغلب الدول العربية، وبالذات الخليجية، كما أعلن "نتنياهو"، إذ احتل مكانها عدوٌ جديد، هو "الشيعة" و"إيران"، جمع بين إسرائيل وبينها!

وتأسيساً على ما سبق، فالمراهنة، ولو بأى قدر، على وقفة صادقة للنظم العربية تحمى القضية الفلسطينية من الخطر المحدق، مراهنة عبثية. ولم يبق أمامنا إلّا أن نُجدد الرهان على الممكن المتاح، وهو حركة الجماهير العربية، التى أثبتت حيويتها وقدرتها على الفعل والتأثير، فى مصر وتونس، والسودان، والجزائر، قبل أن تُسرق انتفاضاتها الشعبية، أو تتعرض للمصادرة!

فأمام الحركة الجماهيرية العربية فرصة تاريخية لا تُعَوّض، لإعادة الاعتبار لدورها وقدرتها على التأثير وتغيير الواقع، بالتوحُّد حول هدف واضح ومُحدد، تجمع عليه القوى الوطنية والقومية واليسارية كافة، هو إجهاض مُخطط تصفية القضية المُسمّى: "صفقة القرن"، وربط المنطقة بقيود يصعب الخلاص منها، ممثلة فى "الناتو العربى"، أو"حلف الشرق الأوسط الاستراتيجى" (ميسا).

وقد سبق للحركة الجماهيرية العربية أن خاضت في عقدي الخمسينيات والستينيات معركة مجيدة كُللت بالنصر، فى مواجهة المحاولات الاستعمارية لربط المنطقة بالأحلاف الغربية "كحلف بغداد"، و"الحلف الإسلامى". صحيح أن الظروف مختلفة، وخاصة لافتقاد هذه الحركة لمركز إشعاع ثورى، مثل "مصر الناصرية"، لكن نضج الوعى الجماهيرى العربي، بفعل المحن والأزمات المتوالية، يجعلها قادرة على لعب هذا الدور، وإجهاض المحاولات الإمبريالية لتكبيل دول المنطقة بطبعة جديدة من الأحلاف وأشكال التبعية، مُجدداً.

وإذا كانت "التسوية"، بمعنى تصفية القضية الفلسطينية، تسوية نهائية، لن تتحقق، كما ذكر الإرهابى الصهيونى العتيد، إسحق شامير، إلّا "قبل أن ينزع العرب من عقولهم وكتبهم كل ما يمت بالعداء للصهيونية بصلة"، فلتكن مهمتنا الأساسية الراهنة: العمل على تسعير نيران العداء للصهيونية ومشروعها وخططها، واتجاه حركتها: السعى الحثيث لضم كل الجهود، وتجميع الطاقات كافة، من أجل العمل على ألّا تمر "صفقة القرن"، وحلف "الناتو العربى ـ الصهيونى"، على جثة القضية الفلسطينية والمستقبل العربى، وذلك على النحو التالى:

1ـ تفعيل أنشطة الأحزاب والهيئات السياسية والفكرية، ونوادى المثقفين والمنابر العلمية، ذات الطبيعة الجماهيرية، الرامية إلى التعريف بخطورة مشروعى: "الصفقة" و"الحلف"، بهدف تكوين رأى عام معارض بقوة لمؤامرة تمريرهما.

2 ـ إحياء لجان مقاومة الصهيونية ومكافحة التطبيع القديمة، أو تأسيس لجان جديدة على هذا النسق، توحد صفوف القوى والأحزاب والشخصيات المعارضة للصهيونية ولأنشطة حلفائها فى بلادنا، وتكشف وتعري الشخصيات والمنظمات والهيئات المُطَبِّعة مع العدو الصهيونى، وتعمل على دمغهم وعزلهم وطنياً.

3 ـ إنشاء لجان الدفاع عن الثقافة القومية، على غرار اللجنة التى تأسست فى مصر فى أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بين النظام الساداتى والعدو الإسرائيلى، وترأستها الكاتبة القديرة "د. لطيفة الزيّات"، لتدعيم الوعى القومي بالقضية، ومواجهة الأفكار الانهزامية الداعية لقبول "الصلح" مع العدو التاريخى للأمة.

4 ـ تأسيس لجان لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية، مماثلة لتلك التى تأسست فى أغلب البلدان العربية فى أعقاب الانتفاضتين الفلسطينيتين: الأولى والثانية، وحظت بدعم شعبى واسع، ودعم وتأسيس لجان لتنشيط المقاطعة على المستوى الدولي، وبناء آليات للتواصل مع لجان المقاطعة الدولية، ولجان المقاطعة الأكاديمية، ومقاطعة بضائع المستوطنات، فى الدول الأجنبية.

5 ـ تنشيط العمل الثقافى والإعلامى المعارض لمؤامرة "الصفقة" و"الحلف": مقالات الصحف، برامج الحوار التلفزيونى، لقدراتها الفائقة على الوصول إلى قطاعات واسعة من المواطنين.. إلخ.

6 ـ إنشاء موقع، أو مواقع، على شبكات التواصل الاجتماعى لحشد الرأى العام فى مواجهة "صفقة القرن"، و"حلف الشرق الأوسط الاستراتيجى"، لقدرتها على الوصول إلى قطاعات واسعة من الشباب العربى، وتجاوز القيود والحدود.

7 ـ حفز النقابات العمالية النشطة، والمستقلة، فى البلدان العربية التى تتواجد بها، كتونس مثلاً، على الإعلان الصريح عن رفض ومقاومة كل أشكال التآمر على الحق الفلسطينى المقدس، من خلال مؤامرة "الصفقة" و"الحلف".

8 ـ تفعيل دور النقابات المهنية: مهندسين، أطباء، محامين، صحفيين، مدرسين، ... إلخ، كذلك تنظيمات الاتحادات الطلابية، ونوادى أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات، لتكوين حائط منيع، ومؤثر من منتسبي الطبقة الوسطى والمثقفين، يدعم جهود مواجهة "الصفقة" وإنشاء "الحلف".

9 ـ حث المبدعين: شعراء، أدباء، فنانين تشكيليين، مغنيين، موسيقيين، سينمائيين ... إلخ، على استخدام قدراتهم ومواهبهم فى حشد صفوف الجماهير الشعبية، وتأمين التفافهم حول القضية، على غرار الدور الذى لعبه، فى فترة زمنية سابقة، شعراء الأرض المحتلة والمقاومة، أو الشيخ "إمام عيسى" و"أحمد فؤاد نجم"، أو الفنان "مارسيل خليفة"، وغيرهم.

10 ـ تنشيط حملات دعم الشعب الفلسطينى بالأغذية والأدوية، مثلما حدث فى أعقاب انتفاضتى الشعب الفلسطينى، ليس لقيمتها المادية فى مساندة صمود الشعب الفلسطينى وحسب، وإنما أيضاً لدلالتها الرمزية، ولدورها الكبير فى توعية الجماهير، وحفزهم على التحرك الإيجابى ضد المؤامرة.

11 ـ الضغط على سفارات الدول الأجنبية التى نقلت، أو أعلنت نيتها نقل سفاراتها فى دولة العدو الصهيونى إلى القدس المحتلة، بالتظاهرات والمقالات والوفود الاحتجاجية، لإشعارهم بأن إقدامهم على هذه التصرف سيُشعل الغضب العربى عليهم وعلى دولهم، والتهديد بمقاطعة شركاتهم وبضائعهم عقاباً على هذه الخطوة المعادية، وكذلك بالنسبة للدول العربية التى تتحرك باتجاه تطبيع العلاقات مع العدو الصهيونى.

12 ـ مطالبة الهيئات الدينية، كالأزهر، والكنيسة، وغيرهما من الدوائر الشبيهة، بإعلان موقف واضح من تهويد القدس، وإعلان إسرائيل دولة عنصرية، وضم الجولان، وغيرها من المواقف والإجراءات العنصرية والإرهابية.

13 ـ السعى لتوفير الإمكانات الضرورية اللازمة، المادية والبشرية، من أجل إنشاء "مركز متخصص لدراسات الصهيونية"، تتركز مهمته الرئيسية على متابعة تطورات الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والثقافية، فى إسرائيل، وتتبع الخطط والأفكار المطروحة داخله كافة، بشأن مستقبل القضية، وخطط التحرك.

هذه بعض الاقتراحات القابلة للتنفيذ، والتى تم تجربتها سابقاً بنجاح، وفى إمكان مؤسساتنا الشعبية: أحزاب وهيئات ونقابات وتجمعات جماهيرية، النهوض بأعبائها، والنجاح فى تعبئة الرأى العام العربى من خلالها، وبما يُشكِّل سداً منيعاً أمام محاولات تركيع الأمة العربية، وفرض إرادة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، من خلال تمرير "صفقة القرن"، و"حلف الشرق الأوسط الاستراتيجى"، اللذان يستهدفان التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، وربط الدول العربية بأغلال التبعية لأمريكا وإسرائيل.