مجيء نتنياهو إلى الحكم ثانية، أو بيني جانتس، أو غيرهما لن يغير كثيراً من السياسات «الإسرائيلية» المتطرفة الرافضة للسلام.
أياً كان رئيس الحكومة «الإسرائيلية» القادم، سواء كان بنيامين نتنياهو، أو منافسه في حزب «أزرق - أبيض»، بيني جانتس، أو كليهما بالتناوب، فإنه من المهم جداً ألا ننسى أن الاثنين لا يختلفان في المواقف تجاه الصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي»، لأنهما كغيرهما من قادة الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل» لا يختلفان عن بعضهم البعض، وإن تلونت مواقفهما اللفظية أحياناً.
من الناحية التكتيكية نتنياهو أو جانتس، ومن قبلهما إيهود باراك وشارون ورابين وشامير وبيغن، وكل من كانت أبواق الدعاية الإعلامية تخوف العرب من وصولهم إلى الحكم، عبر التهديد والوعيد، كالتهديد بإعادة احتلال غزة، أو ضم الضفة الغربية، أو التهديد باستباحة المسجد الأقصى، أو تطبيق قانون القومية وغيرها من التهديدات ذات الطابع العنصري المقيت، كل هؤلاء هم أبناء الفلسفة ذاتها، وهي فلسفة الحركة الصهيونية، التي تقوم على العنصرية والتوسع والعدوان، واحتلال كل فلسطين تحت ذرائع لاهوتية، وأساطير مختلقة، بواسطة العدوان الغاشم وارتكاب المجازر بحق أهل البلاد الأصليين، وتفريغ الأرض من أصحابها، خدمة للمشروع «الإسرائيلي» الاحتلالي الإجلائي العنصري، هروباً من عقدة الخوف من نهاية «إسرائيل».
ولذلك فإن أي عاقل لا يمكنه أن يتصور تغييراً حقيقياً في السياسة «الإسرائيلية» بعد الانتخابات الأخيرة تجاه المنطقة والعرب، باعتبار أن «إسرائيل» قامت وتقوم على العدوان والعنصرية، وهذا ما أشار إليه بوضوح، العديد من مرشحي القائمة العربية المشتركة للانتخابات التشريعية، الذين أكدوا أن القائمة لن تكون جزءاً من حكومة ائتلافية مع تحالف «أزرق-أبيض»، لأنه ليس هناك فرق بين زعيمه جانتس ونتنياهو زعيم الليكود.
ومع عدم امتلاك الحزبين الرئيسيين أغلبية واضحة أي 61 مقعداً من أصل 120 لتشكيل ائتلاف حكومي، يبدو أن أفيجدور ليبرمان هو «بيضة القبان» في الكنيست المقبل، حيث سيكون له دور رئيسي في تحديد من يكلفه رئيس الكيان رؤوفين ريفلين، بتشكيل الحكومة الجديدة.
يبدو من نتائج الانتخابات أن الفائزين الأبرز فعلياً، هما القائمة العربية المشتركة التي وحدت صفوفها ونجحت في الحصول على اثني عشر مقعداً لتصبح ثالث أكبر كتلة في الكنيست، وأفيجدور ليبرمان الخصم الجديد والحليف القديم لنتنياهو.
لكن وبغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات، إلا أن أحداً لا يمكنه التنبؤ بأي تغيير جذري في السياسة «الإسرائيلية»، ولا سيما حيال السلام في المنطقة، ذلك أن الفلسفة التي تستقي «إسرائيل» سياستها منها لا تتوافق مع أي عملية سلام حقيقي، بغض النظر عن الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة، لاعتبارات كثيرة، أهمها أن الحركة الصهيونية تؤمن بأن تصنيع الأعداء وتخويف اليهود من الآخرين، أو ما يمكن أن نطلق عليه «عقدة مسادا»، يشكل السبب الأقوى لدفع اليهود إلى التوحد و إبقاء «إسرائيل» ترسانة عسكرية مهيمنة على المنطقة، وقادرة بحكم الصراع القائم على تجييش المزيد من اليهود المغرر بهم، من خلال الأساطير التلمودية، التي يسوقها قادة «إسرائيل» كالوعد الإلهي أو أرض المعياد، وشعب الله المختار، وغيرها من الشعارات.
لكن ما يجب التذكير به هو أنه على الرغم من كل المحاولات «الإسرائيلية»، التي يراد منها الحفاظ، على«إسرائيل» القوية والمهيمنة، لن تغير من حقيقة أن «إسرائيل» تواجه مصيراً غامضاً، على الرغم من كل انتصاراتها العسكرية، طالما بقيت متمسكة بفلسفة العدوان، لأن أي قوة مهما عظمت لا يمكنها أن تخضع الشعوب المضطهدة، ولعل هذا ما ذهب إليه أفراييم هليفي، رئيس جهاز الموساد السابق حينما يقول: «نحن على أبواب كارثة. إنه ظلام ما قبل الهاوية».
من جانبه، يرى بيني موريس، المؤرخ «الإسرائيلي» حتمية انتصار العرب على «إسرائيل» مهما طال الزمن، و«أن هذا المكان أي (إسرائيل) سيرسب كدولة شرق أوسطية، لأن الفلسطينيين ينظرون إلى الصراع نظرة واسعة، وليس لديهم سبب كي يتنازلوا، لأن هذا لن يطول، ولأنهم ملزمون بالانتصار. بعد ثلاثين أو أربعين مهما حدث». ولو نظرنا إلى هذا الجدل «الإسرائيلي»، وهو قليل من كثير مما تشهده «الدولة العبرية»، نستطيع أن نلمس مسلمتين، وهما، الأولى أن «إسرائيل» لا ترغب في السلام، خوفاً على وجودها، ولأنه يخالف الفلسفة التي قامت عليها، أما الثانية، فهي أن قادة الطغمة العسكرية «الإسرائيلية» الحاكمة، إنما يحاولون الهروب من كابوس تتضح معالمه شيئاً فشيئاً، وهو أن هذا الصراع الدموي الطويل مع الشعب الفلسطيني، لا يمكن إلا أن يحسم في النهاية لمصلحة هذا الشعب المقاوم، ولذلك فإن مجيء نتنياهو إلى الحكم ثانية، أو بيني جانتس، أو غيرهما لن يغير كثيراً من السياسات «الإسرائيلية» المتطرفة التي تنكر هذه المسلمة التاريخية، أو على الأقل تسعى لتأخير نهاية العصر «الإسرائيلي».