أعلن الرئيس البرازيلي الأسبق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا فور خروجه من السجن يوم الجمعة الثامن من نوفمبر الجاري أنّه سيُواصل النضال من أجل البرازيليين، واعدًا بإعادة البلاد إلى أيامها الجميلة.
كلام لولا (74 عامًا) جاء بعد خروجه سيرًا على الأقدام من مقر الشرطة الفدرالية حيث كان مسجونًا بعد إدانته بالفساد، وعانق أنصاره اليساريين في كوريتيبا وحيّاهم بقبضةٍ مرفوعة، وذلك بعد سجنه لأكثر من عام ونصف، وجاء الإفراج عنه إثر تصويت المحكمة العليا على قرار تغيير أصولها المتَّبعة في الاحتجاز الاستباقي.
وصوّتت المحكمة العليا البرازيلية، الخميس 7 نوفمبر، بأغلبية 6 أصوات مقابل 5 على قرار تغيير أصولها المتبعة بشأن الاحتجاز الاستباقي، ما فتح الباب للإفراج عن دا سيلفا.
ولكن، ماذا يُشكّل خروج لولا من السجن في هذه الأوقات التي يشهد فيها الشارع البرازيلي تعطشًا كبيرًا لقيادةٍ حكيمةٍ تضع حدًا للرئيس المُتفرّد والمُتسلّط الحالي، اليميني جاير بولسونارو الذي لا ينفك عن نهب وبيع ما يشاء من مقدّرات وثروات البرازيل، فتارةً يُعلن ولاءه المُطلق وغير المشروط للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتارةً أخرى يتجوّل هنا وهناك عارضًا ثروات بلاده للبيع سيما زيارته الأخيرة لبعض دول الخليج التي عرض خلالها نفط بلاده للبيع.
أيضًا، هل من تأثيرٍ لتحرَّر الرئيس لولا وانعكاساتٍ على القضيّة الفلسطينية بشكلٍ عام وعلى الفلسطينيين في قارة أمريكا اللاتينية بشكلٍ خاص.
الناشط الفلسطيني المُطّلع على الشؤون البرازيلية جاد الله صفا، أوضح أنه "بعد تسلّم مرشح حزب العمال لولا دا سيلفا سدّة الحكم في العام 2003، بدأ التحوّل في السياسات تجاه فلسطين، وأخذت البرازيل بلعب دور أكثر فاعليةً ونشاط تجاه القضية الفلسطينية، وحافظت على هذا النهج خليفته الرئيسة ديلما روسيف (2011 – 2016)".
وقال صفا خلال اتصالٍ هاتفي أجرته "بوابة الهدف"، أن لولا "واجه السياسة الأمريكية، ودعم حركات التحرّر بشكلٍ عام في العالم وكان له انحياز واضح للقضية الفلسطينية والقضايا العربية، كما وقف إلى جانب القضايا العادلة في القارات الخمس، وكان له دورًا إيجابيًا في أمريكا اللاتينية ووصوله إلى سدّة الحكم شكّل نهضة ديمقراطية ويسارية في القارة".
ورأى صفا أن "عملية سجن لولا لم تكن عادلة، فتآمرت عليه البرجوازية المحليّة المُعادية لسياسته وسياسة اليسار عمومًا في البرازيل، والمُتحالفة مع الحركة الصهيونية وأميركا وإسرائيل ويعتقد أنهما لعبتا دورًا في عملية سجنه".
وأحال القضاء البرازيلي دا سيلفا إلى المحاكمة وأدانته محكمة برازيلية، وحكمت بسجنه 9 سنوات ونصف بتهمة "الفساد" بتسلمه شقة سكنية زورًا وبهتانا، وغادر دا سيلفا يومها مقر نقابة عمال المعادن في ساو برناردو دو كامبو بجنوب البلاد وسلّم نفسه إلى الشرطة.
هل يعود لولا للسجن؟
مغردون قالوا عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أن الافراج عن لولا يعتبر مشروطًا، ويمكن إعادته إلى السجن في أي وقتٍ كون التحقيقات لم تنته بعد.
أوضح صفا في هذا الجانب للهدف، أن "قرار المحكمة العليا لا يخص لولا فقط بل يخص حوالي 5000 سجين جنائي، وقرار المحكمة العليا يعطي الجنائي حرية الاستئناف بدون سجنه حتى تقرّر المحكمة العليا بتثبيت الحكم بالبراءة أو دخول السجن، إلا أن هناك حالات استثنائية كجرائم القتل والعصابات فالقاضي المختص لا يسمح بالإفراج لخطورتهم على المجتمع، وهو يقوم بعملية التقدير، ولكن حالة لولا وآخرين تختلف، فهم لا يشكلوا أي خطر أو تهديد للمواطن العادي، وقرار المحكمة لم يأتِ بمحض الصدفة، بل كان قرارًا مدروسًا إذ أن الحالة البرازيلية في ظل الحكومة الحالية أصبحت لا تُطاق من قبل النخبة السياسية والقضاء البرازيلي، هناك أزمة حقيقية تعيشها الحكومة الحالية في البرازيل بقيادة بولسونارو، ولا يمكن إعادة لولا إلى السجن إلا بقرارٍ من محكمة العدل العليا التي كانت في البداية متواطئة ولكنها مُؤخرًا بدأت تلحظ عدّة قضايا متعلقة ببولسونارو وأبنائه".
ويعتقد صفا أن "هناك أيضًا تسجيلات خاصة وصلت إلى القضاء تثبت أن هناك تلاعبًا مُورس خلال عملية سجن الرئيس السابق لولا، وسجن الكثير من السياسيين، فتبيّن أن القاضي الذي أصدر الحكم على لولا كان خصمًا وحكمًا في ذات الوقت، ما يؤكّد أن هذه المحكمة وبعد هذه التسجيلات ستنتصر للولا ولن تُعيده إلى السجن حسب تقديري الشخصي".
أزمات بولسونارو!
وتابع "أولاً بولسونارو يعيش أزمة داخل حزبه ومن الممكن أن يُطرد من الحزب، والأزمة الأخرى هي في أبناء الرئيس بولسونارو الذين يعيثون فسادًا في أنحاء البرازيل، بل يقومون بتهديد المواطنين والقوى السياسية المُعارضة لهم، وهؤلاء الأبناء عليهم شبهات بتشكيل مليشيات خاصة لقتل المعارضين بالشراكة مع والدهم، كما أنهم هدّدوا بإغلاق محكمة العدل العليا من خلال إرسال دبابة واحدة فقط لا غير".
وشدّد صفا على أن "السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس بولسونارو دفعت الدول على مستوى قارة أمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا وحتى أميركا الشمالية لرفض سياسته الخارجية"، ويرى صفا أن "هناك حصارًا على البرازيل، حتى قبل أيام باع وخصخص آبار البترول التي تم اكتشافها للصين بعد أن رفضت دول كبيرة وعديدة من العالم شراءه وأخيرًا رفضت قطر والإمارات والسعودية واليابان لتخوفهم من بولسونارو المفتقد لأي خلفية أو وعي سياسي، وإن حصلت انتخابات في الوقت الحالي لن يحصل بولسونارو على 30 مليون صوت من أصل 55 حصل عليها في السابق".
وأكَّد للهدف أن "الشعب البرازيلي والنخبة السياسية شعروا أنه من الممكّن أن يكون لولا هو المنقذ للبرازيل من كل هذه الأزمة التي تعاني منها، فقرار الافراج عن لولا وغيره جاء نتاج حوارات داخل محكمة العدل العليا ونقاشات داخلية، وبالتنسيق مع رئيس البرلمان ومجلس الشيوخ ونخب سياسية وقضائية جرت خلال الأشهر الستة الأخيرة، والبحث عن طريقة دون خلق نوع من الفوضى والأزمة داخل البرازيل في حالة خروج لولا، وبالفعل خرج لولا بدون أي أزمة".
أنصار دا سيلفا اعتبروا خروجه من السجن بمثابة انتصار على ما يسمونه حملات منظمة تعرّض لها الرجل من قبل ما يعتبرونها قوى "ظلامية ورجعية".
ماذا يُمكن أن يفعل لولا؟
جاد الله وخلال حديثه للهدف، قدّم شرحًا مفصلاً لما يمكن أن يقوم به لولا خلال الفترة القادمة، إذ قال "من الواضح أنه سيبدأ بجولة كبيرة داخل البرازيل من أجل إعادة بناء المعارضة بشكلٍ عام والقيام بتحركات وتظاهرات سلمية وحشد الجماهير وتوعيتها، تمهيدًا لانتخابات البلديات العام القادم في ظل أنه يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة في الشارع، كما له قدرة سياسية لإقناع حتى أقوى خصومه لتجنيدهم لصالح المجتمع البرازيلي والدفاع عن البرازيل والمساواة والعدالة في وجه بولسونارو وسياساته".
وبيّن أنه "في حال نجح لولا وتمكّن من بناء مُعارَضة وقيادة مُعارِضة لسياسة الحكومة فمن الممكّن إسقاط بولسونارو في أقل من عام من خلال البرلمان البرازيلي كما يحصل مع ترامب هذه الأيام"، لافتًا إلى أن "الردود الدولية حول إطلاق سراح لولا كانت إيجابية إذ قال الرئيس السابق للأوروغواي خوسيه موخيكا أنه سيزور لولا في البرازيل، ورئيس الأرجنتين المنتخب فيرناندز قال أنه سيدعو لولا إلى الأرجنتين في حفل التنصيب، ورئيسة بلدية باريس قالت أن لولا سيكون مواطن شرف لباريس، وفي بريطانيا قد يمنحوا لولا مواطنة شرف، وهناك صحيفة أمريكية كتبت أن الرئيس الأكثر شعبية في العالم اليوم هو الرئيس السابق للبرازيل لولا دا سيلفا، وهناك في القارة من يقول أن بإمكان اليسار الآن العودة للعب دور وتأثير حقيقي في أميركا اللاتينية بفعل وجود لولا".
ولتوضيح الجانب القانوني، أكَّد المحامي والناشط البرازيلي المُناصر للقضية الفلسطينية نادر ألفيس أن "هناك إجماعًا قانونيًا بأن أي شخص يُحاكم في الدرجة الثانية القضائية يجب أن يذهب للسجن لتنفيذ الحكم الصادر بحقه، لكن هذا الاجماع القانوني تغيَّر قبل يومين من الإفراج عن لولا وأصبح بالإمكان إطلاق سراح لولا وغيره".
كما شدّد لـ "بوابة الهدف"، على أن "إطلاق سراح لولا لم يكن مشروطًا ولكن هل يمكن إعادته للسجن أم لا؟ هذا يعتمد على المسار القانوني لقضاياه أمام المحاكم، ولكن في حالة لولا هناك مسارًا سياسيًا وغالبية الناس في البرازيل يجزمون أن محاكمة لولا سياسية بحتة لإبعاده عن السلطة ومنعه من المُشاركة في الانتخابات، وهذا ما سهَّل صعود اليمين الفاشي بقيادة بولسونارو".
وحول ما هو مطلوب من لولا صاحب الشعبية الكبيرة في الشارع البرازيلي، قال "تكوين جبهة برازيلية عريضة من كل فئات اليسار من أجل مواجهة اليمين الفاشي ووضع حد لبولسونارو لأنه يضر بالمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب البرازيلي، وأيضًا بعلاقات البرازيل الخارجية في ظل أنه يتخذ من ترامب كقدوة أولى ونتنياهو أيضًا رئيس وزراء العدو الصهيوني".
كما أشار المحامي ألفيس إلى أن "لولا هو من وضع اسم البرازيل على الخارطة الدولية، وكان له دورًا هامًا تجاه القضية الفلسطينية"، داعيًا إلى إعادة هذا الدور تجاه القضية "وعلى الجالية الفلسطينية البرازيلية أن تبذل جهدًا في هذا السياق، والتحالف أكثر مع قوى اليسار".
ووجّه ألفيس كلمة من خلال "بوابة الهدف" للإعلام الفلسطيني بشكلٍ عام بأن "يعطي مساحة للبرازيل التي تعد أكبر بلد في أميركا اللاتينية وتمثل 47% من مساحة القارة، وهي خامس أكبر بلد في العالم"، داعيًا إلى "الكتابة أكثر عن البرازيل خصوصًا بعد إطلاق سراح لولا الذي ننظر إليه كمنقذٍ من بولسونارو وسياساته التي تستهدفنا جميعًا".
وفي ذات السياق، تواصلت "الهدف" مع المغترب الفلسطيني في البرازيل إبراهيم أبو علي، والذي أكَّد بدوره على أن "الفساد الموجود لدى طبقة القضاة في البرازيل وتضامنها مع الاعلام الصهيوني الفاسد هو من أدخل لولا السجن بتهمٍ باطلة من الأساس، وخروجه من السجن كان نتيجة الضغط الجماهيري الكبير".
ورأى أبو علي أن القضية الفلسطينية ومناصرتها كانت أحد الأسباب التي ساهمت في إدخال لولا إلى السجن "لأنه عندما زار فلسطين عام 2010 رفض زيارة قبر المؤسس الصهيوني تيودر هرتزل، بل زار فقط قبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، ما دفع الصهاينة لوضع نقطة سوداء ضد اليسار في البرازيل".

كما أوضح للهدف أن "الرئيسة ديلما روسيف التي خلفت لولا سارت على ذات النهج ورفضت استقبال سفير صهيوني مستوطن، والإعلام بغالبيته في البرازيل هو للصهيونية العالمية، ورئيس أكبر محطة إعلامية في البرازيل هو رئيس المؤتمر الصهيوني في أميركا اللاتينية، عدا عن المال الفاسد الذي استهدف اليسار بشكلٍ مباشر".
وتوقّع أبو علي "خصوصًا بعد خروج لولا من السجن، في سنة 2022 سيعود اليسار بقوّة إلى البرازيل، لأن اليمين اليوم في البرازيل أصابه الفشل".
لولا يُخاطب الجماهير
وترجم أبو علي لـ "بوابة الهدف"، كلمة ألقاها لولا دا سيلفا أمام إحدى النقابات الكبرى في البرازيل بعد خروجه من السجن، يقول لولا مخاطبًا الجماهير "باستطاعتنا بناء جامعات ومساعدة الفقراء، وسنجعل الفقير قادر على ممارسة حياته كغيره من المواطنين.. لقد فعلوا ذلك معي – مؤامرة السجن- كي يمنعوني من الترشّح للرئاسة بكل تأكيد. إن اليسار الذي يخاف منه بولسونارو كثيرًا سيعود لحكم البرازيل عام 2022 وسيزيح اليمين الذي يمثله بولسونارو.. إن بولسونارو يفتخر بأنه زار أميرًا سعوديًا – محمد بن سلمان- ثبت للأمم المتحدة أنه قتل صحفيًا داخل سفارته –جمال خاشقجي- وقطّعه بالمنشار".
وأكمل لولا "لقد أقنعت نفسي بألا يكون لديّ أي عطشٍ للثأر من بولسونارو أو اليمين، أود أن أخبركم أنه مع أنني كنتُ معتقلاً ظلمًا لكنني كنت أنام مرتاحًا أكثر من السجّانين أنفسهم، كنت معزولاً لمدة 580 يومًا، وأعددت نفسي روحانيًا في هذه الفترة لكي أسامح الناس لأنه لا يوجد وقت لأكره الآخرين فأنا اليوم أبلغ من العمر (74 عامًا) لكن لديّ همّة الثلاثين عامًا ونشاط العشرين".
كما وجّه لولا كلمة للرئيس الأمريكي ترامب "عليه أن ينتبه لمشاكله في أميركا وألا يتدخل عندنا في أميركا اللاتينية فنحن أقدر على حل قضايانا"، يختم لولا حديثه الذي ترجمه أبو علي للهدف.
أخيرًا، من المفهوم أن خروج لولا من السجن يثير قلق معسكر اليمين، إذ يعتبر الرجل (بطل الشعب)، وفي ذات الوقت لا يتوقّع أن يسكت الشارع الآخر المؤيّد للرئيس اليميني الحالي، حيث يتوقّع أن يخرج هؤلاء إلى الشارع ما قد يدفع بالبرازيل إلى وضعٍ شبيه بالحالة التي تعيشها دول عديدة في أميركا اللاتينية، في وقتٍ دعا فيه بولسونارو مواطنيه الذين وصفهم بـ "المحبين للحرية" إلى عدم الاكتراث بـ "الحقير" دا سيلفا، كما وصف وادعى.
والمزعج أيضًا لهذا الرئيس اليميني هو أن قضية الاستئناف والبت النهائي في قضية لولا يمكن أن تطول لسنوات عديدة، ما يعني أن وجوده خارج السجن سيجعله نقطة قوّة ستتجمّع حولها القوى السياسية والمجتمعية المُعارضة لبولسونارو واتجاهاته المتطرفة.