Menu

ما الذي يقوله أسبوع من العنف المتطرف عن إسرائيل؟

جين مارلو

ربما كان أبناء إيمان ومأمون دوابشة الخمسة سيحترقون حتى الموت في ساعات الصباح الأولى من يوم 31 تموز (يوليو)، عندما تسلل مستوطنون إسرائيليون إلى دوما؛ القرية التي يعيشون فيها في الضفة الغربية، وقاموا بإلقاء قنابل حارقة على منزل العائلة. وقد أتت النار تماماً على الغرفة التي عادة ما ينام فيها الأولاد، وأذابت حرارة الحريق جهاز التلفاز الذي ينام معتصم -البالغ من العمر 17 عاماً، وهو يشاهده في كثير من الأحيان. ولحسن الحظ، كانت الأسرة في نابلس.

تقول إيمان: "كنا نخطط للعودة إلى المنزل (ليلة حدوث الحريق)، لكن زوجي حصل على عمل آخر (في البناء)، ولذلك قال: "دعونا نبقَ أسبوعاً آخر في نابلس"".

لكن شقيق مأمون اتصل بهم عند الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم، وأخبرهم بأن منزلهم يحترق. وهرعت إيمان وزوجها مأمون عائدين إلى قريتهم، معتقدين أن النار اشتعلت في المنزل على الأرجح بسبب خلل في أسلاك الكهرباء، وكانا يشكران الله على أنه لم يكن هناك أحد في المنزل. وتقول إيمان: "الأشياء المادية ليست ثمينة مثل أرواح البشر". ومع ذلك، وبينما كانت في طريقها عائدة إلى القرية، علمت إيمان أن منزل جيرانها وأقاربها من بعيد، سعد وريهام دوابشة، قد احترق أيضاً. "قلت (لنفسي): "أرجوك يا الله، لا تدعهم يكونون في المنزل الآن"".

فقط عند رؤيتها حشود الناس، والسيارات، وسيارات الإطفاء، علمت إيمان أن سعد وريهام كانا في المنزل في واقع الأمر. وتم سحبهما وابنهما أحمد البالغ من العمر 4 سنوات من الحريق، وقد لحقت بهم إصابات خطيرة من الحروق. وكان الطفل علي، ذو الثمانية عشر شهراً من العمر، ما يزال محاصراً في الداخل. وبعد فترة وجيزة، تم العثور على جسد علي في المنزل المحترق.

على الرغم من أن إيمان لم تشاهد جثة الطفل، فإنه قيل لها إن جسده احترق واسودَّ حتى أصبح من الصعب التعرف عليه. وتم نقل ريهام وسعد وأحمد إلى المستشفيات في إسرائيل؛ حيث ما تزال ريهام وأحمد في حالة حرجة. ودفن علي الصغير في مقبرة القرية في وقت لاحق من ذلك اليوم. وبعد ذلك، توفي الوالد، سعد، متأثراً بجراحه صباح يوم السبت، 8 آب (أغسطس). وقد تصدَّر خبر موت الطفل عناوين الصحف والأخبار في جميع أنحاء العالم، مما أثار الغضب الدولي واحتجاج الآلاف من الناس، سواء في داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تقول إيمان: "الصبي، الطفل، عليّ -كانت والدته تسميه علوش"، وتصف إيمان كيف أن الطفل كان دائم الابتسام. "كنت أفتح نافذتي، وأراها وهي تنشر الملابس وهو يتقافز حولها. كانت أمه تقول له: "علوش! أرجوك توقف!"، كانت تخاف أن يسقط. وكانت تحذره: "انتبه، انتبه!". آمل أن تكون على ما يرام...". وتصدَّع صوت إيمان، وانهمرت دموعها. لم تكن ريهام مجرد جارة. كانت المرأتان صديقتين حميمتين.

لم يكن قتل الطفل علي دوابشة أول عمل من أعمال العنف القاتل التي شهدتها إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في الأسبوع الماضي، ولن يكون الأخير أيضاً. فقد جاء هجوم المستوطنين في دوما بعد ساعات من عملية الطعن العنيف التي وقعت في مسيرة فخر المثليين في القدس . وفي تلك المسيرة، أقدم يشاي شليسل، الإسرائيلي المتزمت، على جرح ستة من المتظاهرين المشاركين، فيما أسفر في النهاية عن مقتل شيرا بانكي، البالغة من العمر 16 عاماً (كان قد أفرج عن شليسل مؤخراً من السجن، حيث كان قد أمضى حكماً بالسجن لمدة 10 سنوات بعد أن هاجم مسيرة الفخر في العام 2005 بالطريقة نفسها).

كان مورييل روثمان-زيشر، الناشط والمدون الإسرائيلي، يسير في ذلك الموكب على بعد بضع مئات من الأمتار إلى الأمام، ورأى الحشد وهو يتبعثر ويشرع المشاركون في الصراخ. وسمع شخصاً ينادي ويقول للناس حوله إنه تعرض للطعن.

يقول روثمان: "ذهبنا إلى النوم في ذلك اليوم مرتجفين، منتحبين، مرتعبين، ونحن نصلي من أجل الناس الذين تعرضوا للطعن في القدس. ثم كان الاستيقاظ وسماع أن عائلة قد أحرقت بشكل سيئ وقتل طفلها الصغير في الضفة الغربية. بدا هذان الحادثان على الفور متصلين للغاية". ووافقته على ذلك مايان داك، الناشطة الإسرائيلية ضد الاحتلال، والمنسق المشارك من "تحالف النساء من أجل السلام". وقالت داك: "في مجتمع بعيد جداً عن التسامح، هذا هو ما ستحصل عليه. سوف تحصل على مستوطنين متطرفين يهاجمون الناس في جنوب جبل الخليل، وستحصل على أناس يحرقون المدارس، وتحصل على أناس يحرقون الأطفال وهم على قيد الحياة، وستحصل على حادثة طعن في موكب الفخر".

مع ذلك، يجد روثمان-زيشر مع مرور الأيام أن من المهم كثيراً عدم خلط الحادثتين معاً. ويؤكد روثمان: "السياق الأكثر أهمية بالنسبة لعملية القتل التي حدثت في الضفة الغربية هو الاحتلال. إن الاحتلال، بحكم كونه نظاماً قائماً على عدم المساواة، ينطوي في أساسه على فكرة أن حياة الفلسطينيين هي أقل قيمة من حياة اليهود".

على الرغم من ذلك، يشير داك وروثمان كلاهما إلى الإدانة شبه الكاملة لكل من الهجومين من الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي، باعتبارها خيطاً مشتركاً يدعو إلى بعض التفاؤل: "لا أعتقد أن هناك قيمة حقيقية في أن هناك هذا السيل من التعاطف المجتمعي، وهذه الإدانة عابرة الحدود للعنف المتعصب رداً على كل من حادثتي القتل"، كما يقول روثمان، الذي يضيف: "الخطوة التالية هي أنه يصبح لزاماً على اليسار السياسي المنظم أن يغتنم هذه العاطفة الحقيقية والغضب الحقيقي، وأن يساعد في توجيهها ضد كل أشكال التمييز".

وتقول داك إنه على الرغم من أن معظم الإسرائيليين يعتقدون بأن قتل طفل هو أمر فظيع، فإنهم لا يرون علاقة ذلك بالصورة الأوسع للقمع والعنف في المجتمع الإسرائيلي. وتضيف: "إنها علامة جيدة أن الناس ليسوا غير مبالين تماماً. لكنني لست متأكدة من أنه أمر جيد أن يصاب الناس بالصدمة فقط إزاء ذرى محددة من أعمال العنف، لأن ذلك يتستر على الواقع اليومي ويخفيه... الناس في إسرائيل يعتقدون أن هناك عدداً قليلاً من المجانين المهووسين في المستوطنات، والذين يعتقدون بأنه لا بأس بقتل الفلسطينيين... "إنها ليس نحن، إنها ليست دولة إسرائيل، إنها ليست السياسة الإسرائيلية. إنهم مجرد عدد قليل من الناس المجانين"".

طبيعة رد الحكومة الإسرائيلية على هجوم المستوطنين -إدانة مشعلي الحرائق الأفراد، وإنما فصل عملهم عن السياق الأوسع للاحتلال- تؤيد فكرة داك. وقد كتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تغريدة على "تويتر": "هذا عمل من أعمال الإرهاب بكل المعاني. إن دولة إسرائيل تأخذ موقفاً قوياً ضد الإرهاب، بغض النظر عن مرتكبيه".

من جهتها، تتبنى إيمان دوابشة وجهة نظر متشائمة إزاء غضب الحكومة الإسرائيلية من الهجوم على أسرتها وعلى جيرانها. وتقول إنها تعتقد أن الحكومة الاسرائيلية دانت هذا الهجوم الذي نفذه مدنيون إسرائيليون من أجل فصله عن العنف الذي ترعاه الدولة. إن إسرائيل تريد أن يرى العالم الفلسطينيين على أنهم إرهابيون، وليس الإسرائيليين. وتضيف إيمان: "إنهم يريدون أن يكون أي هجوم من جهتهم من تنفيذ جنودهم، (والذي يجري تصويره على أنه) دفاع عن النفس، وكأنهم يريدون أن يقولوا: "نحن لسنا مثلهم"".

في واقع الأمر، يربط روتشيلد ليهي، المُنظِّم السياسي في تل أبيب، بين العنف الذي ارتكبه المدنيون الإسرائيليون في دوما وبين أعمال العنف التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات التي وقعت في أعقابه. ويقول: "تم إحراق عائلة فلسطينية، وقتل طفل، وبدلاً من فهم واحتواء الغضب والاحتجاجات التي تلت ذلك، قمعهم الجيش الإسرائيلي بعنف وقتل اثنين آخرين من الشباب الفلسطينيين".

لا تغيب هذه الصلة عن ليث الخالدي، الفتى البالغ من العمر 15 عاماً. ووفقاً لعمته، سماح الخياط، غادر ليث المنزل بعد ظهر يوم 31 تموز (يوليو)، وقال لعائلته إنه ذاهب للعب مع الأصدقاء. ثم وصلته أنباء مقتل الطفل علي دوابشة في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم. فذهب إلى نقطة تفتيش عطارة العسكرية مع الأصدقاء. وتقول سماح: "أراد ليث أن يجد طريقة ينفس بها غضبه". وتصر واحدة أخرى من عماته، هناء الخياط، على أن "وقوفه هناك لم يكن يشكل أي خطر على الجنود".

ادعى الجيش الإسرائيلي في تصريح قدموه لي أن قنابل مولوتوف ألقيت من قبل الفلسطينيين على موقع عسكري إسرائيلي بالقرب من مدينة بير زيت في الضفة الغربية، وأنه في الرد على ذلك، "فتح الجنود النار الحية، مما أسفر عن إصابة شخص واحد بإصابة خطيرة". وهذا الواحد كان ليث.

تلقت العائلة مكالمة هاتفية تبلغهم بأن ليث قد أصيب برصاصة في صدره. ونقل الشاب إلى المستشفى في رام الله حيث توفي بعد بضع ساعات.

اللوحة المعلقة في غرفة النوم الخلفية مغطاة تماماً بصور طفولة ليث. وتصف عماته صبياً ذكياً (موهوباً بشكل خاص في الرياضيات والموسيقى)، والذي أحب تربية الكلاب والقطط والأرانب. وتعتقد نصف أسرة ليث بأن كل شيء كان حلماً فقط، وأنها سوف تستيقظ وتجد ليث بينها مرة أخرى. ويصر شقيقه يزن، البالغ من العمر 17 عاماً: "ليث سوف يعود". وما تزال عمة ليث، هناء، تنام في الغرفة نفسها مع يزن، في محاولة لتهدئة مخاوفه. وحتى مع وجودها هناك، كما تقول، فإن يزن لا ينام. أما شقيقة يزن التوأم، تالا، فتستطيع بالكاد أن ترفع رأسها قليلاً، أو تتكلم.

لم يُقتل ليث في حلقة مفرغة من العنف، كما تصر هناء. وتقول: "إنها ليست حلقة مفرغة من العنف، إنها حلقة مفرغة من الانتهاكات". يجب على إسرائيل أن تنهي احتلالها بالكامل، كما تقول. ويريد الناشط والمنظم الفلسطيني، سعيد عميرة، أن يرى الفلسطينيين وهم يبذلون المزيد من الجهد لتحقيق ذلك اليوم. ويقول: "يمكن أن يقف الناس إلى جانبنا، وأن يدعمونا ويتضامنوا معنا، ولكن أحداً لا يستطيع أن يناضل من أجلنا إذا لم نخض نحن كفاحنا بأنفسنا".

المصدر: الغد الأردني