Menu

فورين بوليسي: الوجه الجديد للإرهاب اليهودي

أرشيف

بوابة الهدف_ فلسطين المحتلة

ميتزب كراميم، الضفة الغربية – تقول جيلبوا مارمرستين أنّ حياتها عبارة عن “معاناة يومية”. تنتظر الفتاة ذات الستة عشر عامًا اليوم الذي تنتقل فيه عائلتها من مقطورتهم، ليسكنوا في سكن دائم. بشكل ما، هي فتاة إسرائيلية مراهقة مهووسة بهاتفها وبصديقاتها، لكنها تحدثت عن شعورها بالمسئولية نحو عائلتها ونحو هدفها.

تقول الأسر ال42 الذين يعيشون في ميتزب كراميم والتي تعني “نقطة مراقبة الكروم” في العبرية، يقولون أنهم لم يفقدوا هدوءهم وحياتهم الصالحة لأي سبب من الأسباب، لا سيما بعد أمر الإخلاء الذي أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2011 والذي أعلن أن الأرض التي يعيشون عليها هي ملكية خاصة بالفلسطينيين. سخرت مارمرستين من عدم أهمية قرار المحكمة، وقالت أنها تعتقد أن اليهود من جميع أنحاء إسرائيل والعالم سيتجمعون معًا في منطقة يهودا أو السامرة، مستخدمة الاسم التوراتي لكل منهما.

تدعم الحكومة الإسرائيلية أكثر من 500,000 من اليهود المنتشرين في حوالي 100 مستوطنة في الضفة الغربية، وذلك عن طريق توفير الحماية العسكرية، والسماح لهم بمواصلة البناء دون الحصول على التصاريح اللازمة. ولكن حوالي 100 بؤرة استيطانية أخرى غير مصرح بها والتي توجد فوق التلال مثل ميتزب كراميم تَحدَّت سياسة الدولة. تظهر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء زيادة تقدر بأكثر من 200% من حيث عدد المنازل المكتمل بناؤها في الرُبع الأول من عام 2015 مقارنة بتلك الفترة من عام 2014، وبالرغم من ذلك تشعر مارمرستين وجيرانها بخيانة  الحكومة الإسرائيلية لهم. اندلعت مظاهرات عنيفة نتيجة لهدم المنشآت والأحياء غير القانونية وهدم مستوطنات بأكملها في الضفة الغربية. أثناء هذه المظاهرات، ألقى المستوطنون الحجارة على الجنود ورجال الشرطة، حيث رأوا أنهم مثل الغزاة المذكورين في التوراة الذين دمروا المعابد اليهودية المقدسة في القدس القديمة، ورأوا أيضًا أن الحكومة الإسرائيلية كان عليها أن تعترف بشجاعتهم في إنشاء مخيم على الحدود الإسرائيلية.

تقول مارمرستين: “الإسرائيليون يرون أننا لصوص للمنازل، راشقون للحجارة، قتلة للأطفال، ولكن هذه أسوأ صورة يمكن أن يكون عليها الإسرائيلي”.

في الأسابيع الأخيرة، أصبح المستوطنون المتشددون مثل مارمرستين وعائلتها نقطة محورية في السياسة والمجتمع الإسرائيليين، مما يؤدي إلى إدانة سياسية وردّة فعل. بعد هدم مبنيين في مستوطنة بيت إيل والذي يقع شمال رام الله في يوم 29 يوليو، قام قادة المستوطنين بتمثيل حزب البيت اليهودي اليميني وهو أحد أعضاء الائتلاف الحاكم وقدموا إنذارًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطالبين بموافقته على أعمال التشييد في المستوطنات وإلا فإنه سوف يفقد الدعم السياسي من قِبَل هؤلاء المستوطنين. وفي غضون ساعات، وافق نتنياهو على بناء 300 منزل في بيت إيل، ولكن ذلك لم يلقَ قبول بعض السكان المتشددين في أنحاء الضفة الغربية، حيث ادّعوا أن هذه الموافقة كانت جزءًا من صفقة تعد إلى عام 2012 عندما قامت الحكومة بإخلاء حي آخر في المستوطنة.

يقول أحد سكان بيت إيل: “على كل حال، لقد سئمنا تلك الألعاب، ببساطة نحن نرى أن بيبي (نتنياهو) ليس لديه العزيمة للدفاع عن أفكاره”.

ثم مضت الأمور على نحوٍ سيء عندما قام مجهولون بتفجير منزل في قرية دوما بالضفة الغربية وذلك في 31 يوليو، مما تسبب في مقتل الطفل علي دوابشة -في عمر 18 شهرًا- ووالده سعد. ترك مُشعلو الحريق كتابة على جدران منزل أسرة دوابشة تتضمن عبارات مثل “عاش المسيح” و”الانتقام!”. لم يتم اعتقال أحد جرّاء هذا الهجوم، ولكن المسئولين القانونيين والسياسيين الإسرائيليين ألقوا اللوم على “الإرهابيين اليهود” حسب وصفهم. وندد نتنياهو بهذا الهجوم ووصفه “بالبشع” ووعد بإحضار مُشعلي الحريق إلى العدالة. كتب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلين على صفحته بموقع فيسبوك أن “النيران قد اجتاحت بلادنا. نيران العنف، نيران الكراهية، نيران المعتقدات الخاطئة المشوهة”.

يعتقد الغالبية أن اليمين المتطرف هم منفذو تلك الهجمات. ومن الممكن أن يكونوا “فتيان التلال” الذين يرفضون –بدرجات مختلفة- سلطة الدولة، ويعيشون حياة متشددة استنادًا إلى التوراة. من المشتبه بهم أيضًا “برايس تاجرز” وهم مجموعة ذات صلة والتي تقوم بتمويل عمليات الهجوم على الممتلكات الفلسطينية أو الشعب، في كل مرة تحاول إسرائيل فيها الحد من التوسع اليهودي في الضفة الغربية. في حين أن هذه المجموعات تختلف في إستراتيجيتها، إلّا أنهم يتشاركون الرغبة في تطهير إسرائيل من غير اليهود. في البؤر الاستيطانية الأكثر تطرفًا، يسمحون فقط بوجود “العمالة اليهودية”، وذلك تبعًا لاعتقادهم بأن اليهود فقط هم من يمكنهم إضفاء الطابع اليهودي على الكروم والتربة وجدران المنازل، ومن ثمَّ إعداد الأرض والناس تمهيدًا لوصول يسوع المسيح وفقًا للديانة اليهودية.

بالرغم من أنّ شبان التلال الموجودين في أعماق المناطق التي يحكمها الفلسطينيون يُقدَّر عددهم بالعشرات فقط، إلا أن قوات الأمن الإسرائيلية حددت قرابة المائة من المتطرفين إما من الضفة الغربية أو المدن الإسرائيلية، والذين تعتقد قوات الأمن أنّهم تورطوا في هجمات ضد الفلسطينيين. يمكن تمييز هؤلاء المتطرفين عن طريق الطاقية اليهودية المنسوجة والضفائر الطويلة واللحى غير المتناسقة، مما يتناسب مع اتصالهم بالضفة الغربية بدلًا من المادية “الفاسدة” السائدة في إسرائيل.

أصبحت بعض المجتمعات مثل ميتزب كراميم أرضًا خصبة لحركة “شبان التلال” المتنامية. تقول مارمرستين أنها لا تتغاضى عن العنف، مثل الهجوم الذي وقع على دوما ولكنها تصر على أن اليهود بحاجة بكل ما هو ضروري للدفاع عن حقهم في الأرض التي أعطاها الله لهم، حسب وصفها، وتقول: “هذا هو وطننا بالتأكيد، بالإضافة إلى أن العرب لديهم أكثر من 18 دولة، ماذا يفعلون هنا؟”.

“الإرهاب اليهودي” ليس جديدًا على إسرائيل، ففي يوليو 1946، قامت منظمة الإرجون الصهيونية المسلحة بتفجير قنبلة في فندق الملك داود في القدس، مما أسفر عن مقتل 91 شخصًا. ولكن، حسب قول شلومو فيشر –أستاذ علم الاجتماع والخبير في التطرف اليهودي- أن التطرف الحديث يقوم به أشخاص أصغر سنًا وأكثر تدينًا، ويوحِّد مجموعة من الأشخاص المنبوذين حول هوية “القومية الدينية الرومانسية”.

تعود الحركة إلى عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب الستة أيام. والآن، تلك الحركة ضعيفة التنظيم تستهدف الشباب المهمشين والمتسربين من المدرسة الدينية اليهودية عن طريق عرض تجربتهم “الجديرة بالثقة”، يقارن فيشر بين إستراتيجيتهم في ضم الجدد، وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش. يتحدث أحد ناشطي فتيان التلال السابقين لقناة إسرائيل 2 ويقول: “تشعر بأنك قادر على الاتصال بأهداف وأيديولوجيات لم تسمع عنها من قبل”، ويقول أن نشطاء التلال يقومون بعملية التوظيف في أكشاك المعلومات في أنحاء المدن الإسرائيلية، وعادة ما يكونون قادرين على جذب المراهقين في سن 14 سنة، حيث يأتي حوالي 80% أو 90% منهم من أسر مفككة.

تستفيد تلك الجماعات أيضًا من شعور المستوطنين بخيبة الأمل تجاه الحكومة. إذ وقَّعت الحكومة الإسرائيلية . في عام 1993 اتفاقية أوسلو والتي تلزمها بشكل رسميّ بتجميد التوسع الاستيطاني (ومنذ ذلك الحين توسعت المستوطنات بشكل كبير بالرغم من ذلك). في حين أن بعض المستوطنات وخاصة القريبة إلى حدود إسرائيل المعترف بها تُعامَل على أنّها جزء من إسرائيل، بينما تعتبر الدولة أن مستوطنات مثل ميتزب كراميم عقبة في طريق السلام.

منذ انهيار عملية السلام في عام 2000، دار جدل حاد حول مستقبل هوية الدولة، مما يضع إسرائيل في موضع كدولة قومية يهودية وذلك عكس ما تبنته من مبادئ الديموقراطية والتعددية. رأى سياسيو اليمين أنّ الحل يكمن في إضفاء الصفة “اليهودية” على الدولة فوق صفاتها الديموقراطية، مثل الاستيطان في الضفة الغربية كوسيلة لاستعادة وعد التوراة، وأيضًا مثل إعطاء الحقوق المدنية الكاملة ل1.7 مليون فلسطيني يعيشون داخل حدودها. ومع استمرار الصراع، لاقت فكرة المستوطنين المتشددين “إسرائيل الكبرى” قبولًا كبيرًا، حتى أنّ الوجود اليهودي في الضفة الغربي اعتُبِر أمرًا في غاية الأهمية من حيث الأمن والأيديولوجية. في يومنا هذا، يظل الكنيست الإسرائيلي من حيث المحافظة والتوجه الديني كما كان عليه طوال تاريخه، فمن الشائع وجود تعليقات ضد العرب، وضد اللاجئين، وضد المثلية.

وحتى الآن، يسود بين المستوطنين شعور بالاضطهاد.

يقول الناشط اليميني المتطرف مائير إيتنجر على مدونته في هذا الشهر: “لقد تعرضنا لهجوم إرهابي على اليهودية من قِبَل ممثلي دولة إسرائيل”، واصفًا التوتر بين المستوطنين والدولة “بالحرب الثقافية”. هو أحد أعضاء شبان التلال البارزين وأحد المتسربين من المدرسة اليهودية عندما كان في بداية العشرينيات، هو أيضًا حفيد الحاخام الراحل مائير كاهانا الذي كان ينتمي لحزب كاخ الذي كان محظورًا في إسرائيل حيث اتُهِم بالعنصرية والتحريض وأدرِج كجماعة إرهابية من قِبَل وزارة الخارجية الأمريكية. كتب إيتنجر “بينما يكرر الشاباك (جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي) ذكر الإرهاب اليهودي، الإرهاب اليهودي، الإرهاب اليهودي، وفي نفس الوقت الذي يلقي فيه العرب الحجارة أو القنابل على اليهود، تزداد أعداد اليهود الذين يدركون أن المسئولين عن حمايتهم قد تلطخت أيديهم بدماء الذين قُتِلوا”.

في 3 أغسطس، قُبِض على إيتنجر إلى جانب تسعة آخرين من النشطاء القوميين المتطرفين ووضع قيد الاعتقال الإداري، وهي سياسة تثير جدلًا واسعًا، فهي عادة ما تستخدم ضد الفلسطينيين والتي تحرم المتهم من حقه في المحاكمة ومن إبلاغه بالتهم الرسمية الموجهة إليه، حيث يعتبرونهم إرهابيين. منظمة إيتنجر السرية والمعروفة باسم “الثورة” تحث على الفوضى على نطاق واسع عن طريق الهجوم على الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، لكي يتمكنوا من إحياء “المملكة اليهودية”. يدّعي بيان المجموعة -والذي صدر للنشر من قِبَل الشاباك- أنّه “من الأرخص بكثير والأسرع أن تُدمَّر الدولة ثم يُعاد بناؤها من أن يتم إصلاحها”. ويتضمن البيان تعليمات حول تأمين قنابل المولوتوف والحفاظ على الصمت أثناء استجوابات الشرطة.

كان الرد من مجتمع المستوطنين المتشددين على اعتقال إيتنجر بالمزيد من الهجمات وتصعيد العداء تجاه الدولة. في 13 أغسطس، أحرقت “برايس تاجرز” خيمة تابعة لعائلة بدوية فلسطينية تاركين عبارة “الانتقام الإداريّ” على صخرة مجاورة، في إشارة إلى عملية الاعتقال الإداري لإيتنجر.

أخبرتني شايا شميدوف –مدرِّسة تبلغ 28 عامًا- مؤخرًا أن التمييز من قِبَل الدولة ضد اليهود المتدينيين أمر متوطن، وأشارت إلى صديق لها تظاهر ضد عمليات هدم المستوطنات التي نفذتها الحكومة، مما عرَّضه للهجوم بالغاز المسيل للدموع من قبل قوات الجيش والشرطة المسئولين عن الإشراف على العملية، ثم تم سجنه لأيام. تقول: “ماذا أشعر حيال ذلك؟ ماذا تريدني أن أشعر حيال ذلك؟ نتمنى أن يأتي يوم تتعرف فيه الحكومة علينا بشكل صحيح ويقولون “هؤلاء الناس يضحون بأرواحهم حقًا”. تعيش شميدوف في مستوطنة “عشية” وهي مستوطنة غير قانونية تقع نحو 20 ميلًا شمال رام الله، وتضم العشرات من المنازل الخشبية والبيوت المتنقلة.

قال رافاييل زوج موريس (20 عامًا) أنه منذ هجوم دوما قامت قوات الأمن الإسرائيلية بتثبيت منطاد مراقبة في المنطقة ليراقبوا المستوطنين، يقول “خلال جميع الطرق في يهودا والسامرة، ينتظرون للإمساك بنا”. اعترف رافاييل موريس أنّه اشترك في “حوادث” ضد الفلسطينيين، لكنه لم يحدد أي نوع من الحوادث.

ومما يُغضِب رافاييل وزملاءه الإيديولوجيين، إجلاء المستوطنين من غزة في 2005. في واحدة من المهام الإسرائيلية الأكثر إثارة للجدل، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون بالانسحاب بحجة أن الآلاف من الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون المستوطنات الصهيونية في غزة تعرَّضوا لتهديد أمني، كما تعرَّض استقرار الديموقراطية في الدولة للخطر أيضًا. يتذكر الإعلام الإسرائيلي هذا الشهر الذكرى العاشرة للانفصال، حيث قام الجيش الإسرائيلي بإخلاء نحو 8500 مستوطن يهودي من غوش قطيف في غزة، تاركين منازلهم المدمرة وراءهم. ما زال موريس وأمثاله يشيرون إليه بأنه “طرد”.

ويعتقد أيضًا أن عملية مماثلة تجري في الوقت الحالي في الضفة الغربية لهدم نطاق صغير من مستوطنات قمم التلال. على الرغم من ذلك، يتوقع القليلون أن الحكومة ستكرر “خطأ” الانسحاب الكامل من الإقليم. وقال موريس أنه أكثر عزمًا من أي وقت مضى على المشروع الاستيطاني و”إيجاد حل للصراع عن طريق التوسع في المستوطنات ببطء”.

يرى المستوطنون في الضفة الغربي أنهم يجب أن يتصرفوا طبقًا للدين وليس الأمن أو السياسة. تقول ميريام شوارتز: “مذكور في التوراة أن اليهود سوف ينتشرون في جميع أنحاء العالم ثم يعودون إلى الوطن وهو أرض إسرائيل”، ميريام مستوطنة من أوروغواي تبلغ من العمر 40 عامًا.

دعت امرأة –ذاهبة في نفس الطريق- شوارتز وابنتها وثلاثة آخرين ليركبوا معها في سيارتها، ثم طلبت على الفور من أحد الركاب أن يقرأ نسخة من “صلاة الطريق” وهي صلاة لليهود يدعون فيها أن يحظوا برحلة آمنة، وعادة ما تتلى في بداية رحلات الطيران، أو القارب أو الرحلات الطويلة بالسيارة. وقالت السائقة: “هذه الصلاة ذات أهمية خاصة” ثم سارت متجهة نحو القدس، تقول: “في هذه الأيام، ليس لدينا سوى الله لمساعدتنا”.

المصدر: ترجمة ساسة بوست