Menu

إحياء الذكرى (103) لوعد بلفور يكون باستخلاص الدروسوليس باجترار التاريخ

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

(في ذكرى الوعد لا بد من وضع استراتيجية المواجهة على قاعدة عدم الخلط بين معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء، ونبذ خيار التسوية البائس)

في مثل هذا اليوم في الثاني من تشرين ثاني 1917، أصدر وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثرجيمس بلفور وعده المشؤوم، بالتنسيق مع الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة وفرنسا والذي ينص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، على حساب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني، ذلك الوعد الذي أقل ما يقال في وصفه"بأنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق".

لقد جاء هذا الوعد الظالم، في إطار المخطط الاستعماري البريطاني، القاضي بإقامة دولة لليهود في فلسطين، من خلال تهجير أصحابها الشرعيين العرب، ومن خلال مجازر التطهير العرقي وتسهيلات هجرة اليهود إلى فلسطين، وتمكينهم من السيطرة على مساحات من أرض فلسطين، وذلك عبر:  
اولاً: صك الانتداب البريطاني على فلسطين الذي تضمن الآليات اللازمة - التي جرى تنفيذها لاحقاً - لوضع الوعد موضع التنفيذ، ولتحقيق استراتيجية الحركة الصهيونية المقرة في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 .

ثانياً: وعبر تواطؤ وتبعية عدد من الدول العربية لبريطانيا آنذاك، لوضع حد للثورة الفلسطينية عام 1936، وللقبول بقرار التقسيم عام 1947،رغم رفض هذه الدول الشكلي له، خاصةً وأن معظم الجيوش العربية التي شاركت في حرب 1948،لم تتجاوز في قتالها ضد العصابات الصهيونيةحدود قرار التقسيم، ومن ثم فإن هذه الدول في تلك المرحلة، قدمت خدمةً كبيرة للمشروع الصهيوني في فلسطين.
ورغم مرور مائة وثلاثة أعوام، على ذلك الوعد المشؤوم الذي أرسى الأساس الظالم وغير الشرعي لهذا السلوك الاستعماري العنصري- بدعم غير محدود من الإمبريالية الأميركية- والذي كلف الشعب الفلسطيني معاناة اللجوء والتشريد، ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى وما زال، فإن بريطانيا والولايات المتحدة، لا تزالا تمارسان ذات الدور الاستعماري البشع بحق الشعب الفلسطيني،وتتنكران للحد الأدنى من حقوقه الوطنية المشروعة، ولا زالتا تلعبان ذات الدور التآمري والعدواني على الأمة العربية وقضاياها العادلة، ولا تزال العديد من الدول العربية تواصل ارتهانها وتبعيتها لدول المعسكر الامبريالي، وخدمة مشاريعه في الوطن العربي.

تحل ذكرى وعد بلفور، في ظروف تكالب المشروع الصهيوأمريكي في الوطن العربي وإشغال شعوبه ودوله بفتن طائفية ومذهبية، وفي ظل اندلاق العديد من الدول العربية على التطبيع المذل مع الكيان الصهيوني، وفي ظل استمرار المفاعيل الخطيرة للمعاهدات السابقة مع العدو  الصهيوني (اتفاقات كامب ديفيد، اتفاقات أوسلو ومعاهدة وادي عربة)، مع ضرورة الإشارة هنا– وعلى وجه التخصيص والتحديد –  إلى أن اتفاقات أوسلو سهلت مهمة العديد من الدول العربية، في نقل التطبيع من تحت الطاولة إلى العلن، وأغرت الإدارة الأمريكية أن تستثمر التنازلات الخطيرة الواردة فيها، بأن تطرح صفقة القرن التصفوية للقضية الفلسطينية.    
إن التعامل مع هذه الذكرى، يشكل مناسبة لاستخلاص الدروس، ووضعها موضع التطبيق وأبرز هذه الدروس:   
أولاً: وضوح الرؤيا عند رسم الاستراتيجية، بأبعادها السياسية والنضالية والثقافية،ما يقتضي أن نحدد بوضوح أن بريطانيا والولايات المتحدة، رغم أنهما تندرجان في إطار "الآخر"، إلا أنهما تصنفان في دائرة المعسكر المعادي للحقوق الفلسطينية وللقضايا العربية عموماً.

ثانياً: تحديد واضح لمعسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء، وعدم الخلط بين المعسكرين، وعلى ضوء هذا التحديد،يصار إلى رسم استراتيجية المواجهة، ولا نبالغ إذ نقول أن الخلط الذي مارسته قيادة المنظمة بشأن هذه المسألة- والذي انعكس على خارطة التحالفات – يفسر إلى حد كبير التراجع الذي وصلت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية.   
ثالثاً: أن الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، هو طريق الوحدة الوطنية المستندة إلى العمق العربي وإلى المقاومة بكافة أشكالها، وإلى مغادرة خيار التسوية،بعد أن ثبت وبالملوس بؤس الرهان على هذا الخيار.  
رابعاً: أن فلسطين قضية عربية بامتياز، وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده،وهي جوهر الصراع العربي – الصهيوني، وأن مسؤولية تحرير فلسطين تقع على عاتق الأمة العربية جمعاء.
رابعاً: التأكيد على ثوابت الصراع مع العدو الصهيوني بأنه صراع وجود وليس صراع حدود، وأن سمة الصراع معه، ومع المشروع الصهيوني في فلسطين والوطن العربي سمة تناحرية.

خامساً: التأكيد على ثقافة المقاومة ومقاومة التطبيع، وعلى ضرورة اشتقاق أساليب ومهمات جديدة لحركات مقاومة التطبيع تستجيب للتحديات الراهنة التي تعصف بالقضية الفلسطينية.