Menu

يتامى ترامب والمراهنون على بايدن: السياسة الخاسرة

بوابة الهدف الإخبارية

ترامب وبايدن

خاص بوابة الهدف

ربطًا بمركزية وكثافة حضور الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الدولي، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تعتبر شأنًا داخليًا فقط، وهذا ما شهدناه بوضوح خلال الانتخابات الأخيرة، بين المُرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن؛ وهذا ما عُبر عنه أولًا بكثافة التصويت الداخلي الذي اعتبر الأعلى منذ سنوات طويلة. وثانيًا، الاهتمام الدولي والعربي ومنه الفلسطيني بمجرياتها كما نتائجها. وما يهمنا هنا هو ذاك الاهتمام العربي والفلسطيني الذي عُبر عنه؛ إما بدعم أحد المرشحيّن وحتى بالمال، والمراهنة على الرئيس القادم الذي سيعتلي عرش الإمبراطورية التي توزع عطايا الحرب والسلام كما تشاء، وهنا نجد اليتامى من الأنظمة العربية التي دعمت الرئيس الخاسر ترامب، والمراهنين الذين يرون بأن بايدن سينقلب على سلفه، ويأتي لهم بالسمن والعسل.

وهنا ليس من الاستغراب أن نجد أنفسنا عربيًا وفلسطينيًا أمام حصيلة سياسية هابطة إجمالًا، بل وبعضها مستسلمًا؛ تشرع الخيانة من أوسع أبوابها، ارتباطًا بطبيعة الذهنية السياسية المتحكمة في المشهد العربي والفلسطيني والملتبسة في كل شيء، والتي رهنت إرادتها، وبالتالي قرارها لزعيم البيت الأبيض من جهة، وللعدو الصهيوني من جهة الأخرى؛ فكنا أمام كل هذه الفوضى الشاملة وانعدام الأفق والانقسام الحاد وتشريع الهزيمة والسقوط المدوي المستمر، بوهم الانتصار الذي لا يعني أن الاستهانة والاستهتار طالا كل شيء أيضًا، وفي مقدمة ذلك الشعب وقضاياه وحقوقه.

في ضوء ما سبق، فإن القانون الناظم في حالتنا العربية والفلسطينية واضح تمامًا لمن يريد، سواء في إدارة الصراع والاشتباك القومي والوطني أو الاجتماعي الديمقراطي، ومع ذلك فإن المنهج القائم في الممارسة، كان واضحًا في قسوة نتائجه السلبية المحققة، وفي مقدمة هذه النتائج؛ الأزمة التي تعيشها قوى وأحزاب حركة التحرر العربية والفلسطينية إجمالًا، وعجزها عن القيام بالدور الحاسم المطلوب منها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا وأمتنا التي هي الأخطر والأكثر دقة، من كل المراحل السابقة.

فعربيًا، من الواضح أن المرحلة هي مرحلة الهبوط السياسي والاستسلام؛ من غالبية النظام الرسمي العربي للمشروع الأمريكي – الصهيوني الذي وجد في التطبيع، أحد ضالات تطبيقه، في شقه الجديد "صفقة القرن" التي أشهرها ترامب، وحملها معه إلى التطبيق هذا النظام الذي بات بعضه يتيمًا بعد خسارته الانتخابات، ويُتمِهم هذا؛ سيجعلهم يبحثون عن حاضنة جديدة في قاطرة بايدن؛ نحو استمرار الهبوط والاستسلام.   

أما على المستوى الفلسطيني، "فمعضلة المصالحة" باتت تتجاوز الحديث عن الاتفاقات التي جرى التوقيع عليها سواء وطنيًا أو "ثنائيًا" منذ عام 2005، وصولًا إلى اجتماع الأمناء العامين وما جرى بعده من اجتماعات ثنائية بين طرفي الانقسام، أو الحديث عن الطرف الأكثر تحملًا لمسؤولية التعطيل، ليصل إلى طرح سؤال: لماذا تم تجاوز التطبيق الجاد للاتفاقات الوطنية التي سبقت الانقسام الذي جرى عام 2007؟ خاصة وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى)، حيث كان هناك إمكانية لتجنيب شعبنا وقضيتنا ويلات كارثة الانقسام، لولا أن المسألة أعمق من الحديث عن المصالحة أو المسؤولية، أو الاختلاف البرنامجي بين الطرفين المتصارعين في السلطة وعليها، أو غياب الإرادة السياسية للطرفين المنقسمين، أو الإجراءات المتبادلة بين سلطتي غزة والضفة، لتطال الذهنية السياسية السائدة والمتحكمة في المشهد الفلسطيني، هذه الذهنية الإقصائية للآخر تمامًا، والتي تعمل على إحكام سيطرتها وهيمنتها على الوضع الفلسطيني ومقدراته والاستفراد في تقرير الشأن الوطني؛ بعيدًا عن مفاهيم وقيم الائتلاف والشراكة والجبهة الوطنية، لمواجهة الاحتلال ومشاريع التصفية المُعلنة للقضية الفلسطينية، بمعنى أن الوحدة الوطنية ببعديها الوطني والاجتماعي غير ممأسسة في الذهنية السياسية السائدة لدى "القيادة" المتحكمة في المشهد الفلسطيني، بحيث باتت التناقضات والتباينات الداخلية، تتقدم على حساب التناقض الأساسي مع العدو الصهيوني، إلى جانب محاولة تشويه الوعي الفلسطيني، "بالمراهنة" المستمرة على الزعيم الديمقراطي في البيت الأبيض، وتصوير الهزائم على أنها انتصارات؛ فالمسألة هنا تبدو بوضوح  أبعد وأعمق من المراهنة إلى العجز والاستسلام للمشروع المعادي والوقائع التي يفرضها باستمرار.

ورغم كل ما سبق من واقع مشخص؛ فإن الحقيقة الموضوعية التي يجب أن لا تغيب عن البال هي دلالات المقاومة والممانعة التي تبديها شعوب أمتنا وشعبنا الفلسطيني؛ مقاومة وممانعة نجحت على الأقل، في منع العدو من تحقيق كامل أهدافه، والتي يجب أن تكون الوقود الذي يعطى الحياة للأدوات السياسية المطلوب منها أن تملأ المساحة المُنتظرة، حفظًا للطاقات الكامنة وغيرها الفاعلة، بحيث نكون أمام بديل تاريخي موضوعي وشامل، يدفع لتجاوز اليتامى والمراهنين والعجز والمستسلمين، وجعل السياسة تحقق الربح المطلوب لأمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني.