Menu

الطرح المرحلي الفلسطيني كان طرحاً تمويهياً لمقايضة الميثاق الوطني بالدولة الفلسطينية

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

(جدال كبير بشأن موضوع الدولة الفلسطينية دار ولا يزال مطروحاً، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى اللحظة، من قبل أوساط شعبنا بين مؤيد ومعارض، فبينما دافع البعض عن موضوع الدولة بوصفه عنواناً للمشروع الوطني الفلسطيني حتى لو كان ثمنه عملياً المفاوضات والاعتراف، رأى البعض الآخر أن موضوع الدولة يكون في السياق الوطني، إذا جاء نتيجة المقاومة، ودون اللجوء للمفاوضات والصلح والاعتراف بالكيان الصهيوني).

عندما انطلق المشروع الوطني الفلسطيني المعاصر، منذ أواسط ستينات القرن الماضي لم يكن لموضوع الدولة الفلسطينية، أي ذكر في الميثاق القومي لمنظمة التحرير عام 1964 ولا في أدبيات الفصائل الفلسطينية، ولا في الميثاق الوطني الفلسطيني المعدل عام 1968.     تلك الوثائق بمجملها، أكدت على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وكانت تلك الأدبيات، وبخاصةً الميثاق، بمثابة عقد نضالي، ما بين الشعب وقيادة منظمة التحرير وفي ضوئه كان الانخراط الشعبي الفلسطيني والعربي الهائل، في صفوف الثورة الفلسطينية، وما ترتب على هذا الانخراط من تضحيات هائلة، لكن المتتبع، لمسيرة النضال الفلسطيني، منذ نهاية ستينات القرن الماضي ومطلع السبعينات، رغم الزخم الكفاحي آنذاك، لفصائل الثورة الفلسطينية، ورغم إنجازاتها المبكرة، في بلورة الهوية الفلسطينية النضالية، يكتشف أن هدف التحرير، استبدل من قبل البعض، بهدف الاستقلال، بمعنى استقلال الضفة والقطاع، من الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.

لقد تبدى ذلك أولاً، في أدبيات، كل من حركة فتح والجبهة الديمقراطية في نهاية ستينات القرن الماضي، عبر طرح الدولة الديمقراطية العلمانية التي يتعايش فيها العرب واليهود معاً، حيث تمكنتا من تثبيت "موضوع الدولة الديمقراطية العلمانية" كهدف للنضال في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثامنة عام 1971(1 ) ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن فهم بعض الفصائل لموضوع الدولة الديمقراطية، لا يندرج في سياق البحث عن التسوية.      
ويمكن التأريخ جذرياً، لاستبدال هدف التحرير، بهدف الاستقلال في الدورة "12" للمجلس الوطني الفلسطيني، عبر برنامج النقاط العشر، الذي أحدث في حينه انقساماً في الساحة الفلسطينية، تمثل في ظهور ما سمي بالتيار الواقعي، الذي ضم حركة فتح والجبهة الديمقراطية والصاعقة والحزب الشيوعي، وتبلور جبهة الرفض للحلول الاستسلامية، التي ضمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية (القيادة العامة).  
وكان نايف حواتمة – الأمين العام للجبهة الديمقراطية – أول مسؤول فلسطيني يوجه نداءً للإسرائيليين في إبريل – نيسان 1974، دعاهم من خلاله للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير، وذلك من خلال قوله: "تعالوا لنحول السيوف إلى مناجل في إطار سلام شامل ومتوازن، وحل وسط على قاعدة الشرعية الدولية ( القرارات الدولية) أي دولتان على أرض فلسطين(2)" .

وانبرى كل من نايف حواتمة ( الجبهة الديمقراطية) وأبو إياد – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، لتبرير السعي لإقامة السلطة الوطنية، حيث برر حواتمة هذا السعي بقوله : "إن شروط إنجاز الهدف الوطني ممثلاً بالتحرير النهائي، ليست متوفرة في واقعنا الراهن وإنها لمهمة  القوى والطبقات الأكثر تقدماً، أن تناضل بقيادة مجموع الشعب على طريق توفيرها، ولكن سياسة هذا النضال وبرامجه في كل مرحلة، لا يمكن أن تتجاهل نسب القوى القائمة، بل ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار بالتأكيد من أجل تغييرها، لا من أجل تبرير الاستسلام لها(3) ".

أما صلاح خلف ( أبو إياد ) فقد بلور موقف الحركة فتح على النحو التالي: "كلنا كثورة لم نثقف كوادرنا تثقيفاً حقيقياً في معنى المرحلة، فقد أوافق أن مؤتمر جنيف 1974 لم يأت لنا بشيء مما نحلم به، ولا أتصور أن هنالك فرداً في المقاومة يأمل أن يحصل منه على السلطة الوطنية، فذلك يعني أننا نطلب من كيسنجر ومن أبا إيبان هذه السلطة الوطنية، لا يمكن... إنما نطلب شيئاً واحداً، هنالك  مطلب لإقامة السلطة الوطنية على قطعة في الأرض الفلسطينية، وهو مطلب نضالي، هو مطلب صعب، وأتساءل إذا كانت إقامة سلطة وطنية على الضفة الغربية، أو على أي أرض فلسطينية عملية صعبة، فإن من الطبيعي أن تكون العملية الأصعب هي عملية التحرير، فهي مطلب نضالي وليس استسلامياً(4)" .    
 لقد نص برنامج النقاط العشر الناجم عن الدورة (12) للمجلس الوطني الفلسطيني في الفترة من 1- 8 حزيران (يونيو) 1974، على إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية "المقاتلة" على أي جزء يتم تحريره، من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى رفض أي مشروع كيان فلسطيني، ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة ورفض التعامل مع القرار 242 لأنه يتعامل مع قضية شعبنا كقضية لاجئين ويطمس الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

برنامج النقاط العشر، دغدغ عواطف الشعب الفلسطيني وعمل على امتصاص موقف الرافضين له المشدودين للهدف الاستراتيجي، عبر الإتيان على  ذكر "الميثاق الوطني" في مقدمته، وعبر ذكر عبارة "السلطة المقاتلة"، إلا أنه انطوى على توجه تسووي واضح عبر مراهنة التيار الواقعي، على حضور منظمة التحرير مؤتمر جنيف آنذاك على قاعدة تطوير القرار 242، فهذا النص لا يرفض بالمطلق القرار 242 الذي يعترف ضمناً بالكيان الصهيوني، بل يرفضه فقط لأنه يتعامل فقط مع القضية الفلسطينية  قضية اللاجئين ناهيك أنه أسقط عبارة " لا تفاوض" مع الكيان الصهيوني.

أما القرار رقم (2) في البرنامج  فقد مرر عبارة  كافة الوسائل ، قبل عبارة " الكفاح المسلح" لتعزيز منهج التسوية الدبلوماسي، ومغزى هذا البند- وفق ما التقطه باحث صهيوني- "هو منح الشرعية للنضال ليس فقط بالوسائل العنيفة، بل وأيضاً الإقرار بإمكانية ألا تتحرر الأرض الفلسطينية بكاملها، أي أن المنظمة صاغت وللمرة الأولى هدفها المرحلي، وخلافاً لتصريحات وإعلانات سابقة، لم يتم الحديث هذه المرة عن تحرير فلسطين، ولكن عن "تحرير أرض فلسطينية"، كما تم تقليص معارضة المسار السياسي، وحصرها في معارضة القرار (242)(5)" .

وهذا البرنامج كما أشار المفكر غازي الصوراني، هو برنامج قيادة فتح رغم إصداره من قبل الجبهة الديمقراطية، وهو يمثل نهج قيادة المنظمة بعد حرب تشرين الذي تساوق مع النهج العربي الرسمي، بشأن حل يتضمن قيام سلطة وطنية فلسطينية مقابل الاعتراف ب (إسرائيل)، وأن خلفية هذا البرنامج تعود إلى عام 1970 بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن.(6)

 الجبهة الشعبية التي تزعمت جبهة  الرفض، أعلنت في سياق رفضها لبرنامج النقاط العشر "أنها في الوقت الذي أبدت فيه استعدادها، للتعاطي مع فكرة البرنامج السياسي الوطني المرحلي، لتجنيب الثورة من خلاله العزلة الدولية، وخطر السحق على أيدي الرجعية والبرجوازية العربية، اكتشفت من خلال  تلك المباحثات، ومن خلال النقاش الذي دار في تلك الدورة ومن خلال البرنامج نفسه كما أقر في النهاية، أن البرجوازية الفلسطينية على استعداد لتقديم تنازلات برنامجيه، تشكل نوافذ تنفذ  منها البرجوازية الفلسطينية للتفاوض مع العدو الصهيوني، والقبول بوجوده مقابل إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع (7) ".

 وأشارت الجبهة في حينه "أن البرجوازية الفلسطينية ومعها بعض اليسار، أسقطت عبارة "لا تفاوض مع العدو الصهيوني من البرنامج" ما يعني أنها تبقى نافذة للتفاوض، كما أنها أصرت أن تكون الحيثية الرئيسية لرفض قرار 242 هي كون القرار يتعاطى مع القضية كونها قضية لاجئين، مما يعني استعدادها لقبول قرار 242، في حال تعديله أو استبداله بقرار يعتبر القضية قضية شعب له حق تقرير المصير، مع بقاء جوهر القرار الذي يؤكد على شرعية الكيان الصهيوني.

في أواخر أيلول 1974، وفي ضوء رفضها لتلك الحلول السياسية التي تعبر عن التنازل عن الثوابت الوطنية، قررت الجبهة الشعبية الانسحاب من اللجنة التنفيذية ومن المجلس المركزي، لكنها بقيت في إطار المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك لكي لا تتحمل تبعات الانحراف التاريخي الذي تسير فيه قيادة المنظمة، ومن جملة الأسباب التي بررت فيه الجبهة الشعبية انسحابها من مؤسسات منظمة التحرير، هو بقاء المنظمة في "موقف اللا موقف" وتفسير المنظمة لبرنامج النقاط العشر أو السلطة الوطنية، على نحو يتناقض مع الميثاق الوطني ومقررات المجالس الوطنية، وتصوير قيادة المنظمة لإمكانية حضورها لمؤتمر جنيف- الذي وصفته الجبهة بالمؤامرة- وكأنه انتصار كبير تحققه على  الأردن وإسرائيل، وأن الجبهة تؤكد حدوث اتصالات سرية مع الولايات المتحدة بمعزل عن الجماهير".

وبين الحكيم جورج حبش في حينه أن ميزان القوى بعد حرب تشرين 1973، لم يوفر المعطيات اللازمة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، دونما صلح أو مفاوضات أو اعتراف "
 وتساءل الحكيم: هل السقف المرحلي، ولا أقول طبعاً الحقوق التاريخية، السقف المرحلي الذي يتصوره بعض الأخوة في حركة المقاومة، هو سلطة وطنية ديمقراطية بدون اعتراف ولا صلح ولا تمثيل دبلوماسي...؟ هل هذا ممكن على ضوء ميزان القوى، وبدون برنامج سياسي اقتصادي عسكري جديد بعد حرب تشرين...؟ أنا شخصياً عندي جواب واضح حول هذا الموضوع "أنه غير ممكن" ومن هنا أقول بالتخطئة الشديدة فعلاً لهذا الموضوع لأنه يضعنا فعلاً في متاهات، ومن المفروض أن نرى الأمور بوضوح ونطرحها لجماهيرنا بوضوح (8)" .

أما بالنسبة لموضوع "البديل" -آنذاك-حول مستقبل الأراضي الفلسطينية في حال الانسحاب الإسرائيلي منها"، فقد طرحت فصائل ما سمي بالتيار الواقعي (إما أن تكون السلطة الوطنية عليها، أو عودة السلطة الأردنية، وعلينا أن نثبت السلطة الفلسطينية عليها).

لقد عالج الدكتور جورج حبش هذه المسألة على النحو التالي: "أنه مع السلطة الوطنية طبعاً، لكنه يعتبر طرح الخيارين على هذا النحو (فخاً)، "والفخ" في هذا السؤال، أن نقول أنه ممكن أن ينتج عن مؤتمر جنيف سلطة وطنية فلسطينية، في ظل ميزان القوى القائم، إلا بحالتين: قوة رجعية أو قوة مستسلمة.. وهل ممكن أن تصبح الثورة مستسلمة ؟؟".

جاءت الدورة  الثالثة عشرة للمجلس الوطني  في آذار – مارس 1977 لتلاقي قرار قمة الرباط عام 1974، التي نصت على أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عبر النص على صيغة الدولة الفلسطينية المستقلة، باعتباره أهم قرار يصدر عن المجالس الوطنية، حيث جاء هذا القرار في ظل مسلسل من اتصالات قيادة المنظمة مع الجانبين الأمريكي والصهيوني، وفي الذاكرة الرسالة التي وجهها عصام سرطاوي لمستشار النمسا اليهودي برونو كرايسكي الذي قام بدوره إلى إرسالها إلى دولة العدو الصهيوني، والتي تضمنت عبارات تطمينيه للكيان الصهيوني، ومن ضمنها فقرة تقول: " أن منظمة التحرير الفلسطينية، على استعداد لعقد معاهدة عدم اعتداء مع دولة إسرائيل (Non aggression agreement with ISRAEL). ولمنح الشرعية للاتصال مع الإسرائيليين، نجح ياسر عرفات في استصدار قرار من المجلس الوطني الفلسطيني في  تلك الدورة ( النقطة العاشرة)،  تضمن ما يلي "أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديموقراطية والتقدمية المناضلة داخل الوطن المحتل وخارجه، ضد الصهيونية كعقيدة وممارسة"... وقد استثمر هذا القرار كمظلة للتواصل مع قيادات إسرائيلية صهيونية (9) .

برنامج النقاط العشر جسر موصل للتسوية وفق القرار 242:

وهكذا، فإن برنامج النقاط العشر المرحلي عام 1974، كان بمثابة  الجسر الموصل للموافقة على مشروع فاس عام 1982، وعلى عدم رفض مشروع ريجان عبر التعامل معه بصيغة (اللعم) في الدورة (16) للمجلس الوطني، وكان الجسر الموصل لاتفاق شباط (فبراير ) 1985 مع الأردن، الذي نص على ما سمي بمبدأ الأرض مقابل السلام وفقاً للقرار 242، وكان برنامج النقاط العشر في محصلة  كل التداعيات السابقة الجسر الموصل لدورة المجلس الوطني التاسعة عشرة" دورة الانتفاضة والاستقلال الوطني" التي لم تأتِ على ذكر الميثاق الوطني، وأنجبت مبادرة سياسية على قاعدة القرار 242 ، تم التنازل دون سقفها المعلن في وثيقة ستوكهولم مع الوفد اليهودي الأمريكي، وفي خطاب أبو عمار في جنيف بشأن نبذ الإرهاب "المقاومة" والاعتراف غير المباشر بالكيان الصهيوني، وصولاً إلى اعتبار الميثاق ملغى إثر زيارة أبو عمار لباريس واستقبال الرئيس ميتران له (10).

اتفاقيات أوسلو ولدت من رحم المبادرة السياسية الفلسطينية:

ولا أجافي الحقيقة، إذ أقول أن اتفاقات أوسلو 1993 ولدت من رحم دورة المجلس الوطني التاسعة عشرة، وهو ما أكده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مراراً وتكراراً عندما قال بصريح العبارة: أن منظمة التحرير اعترفت (بإسرائيل) في تلك الدورة، وليس صحيحاً أن اتفاقات أوسلو، جاءت كممر إجباري جراء ما انتهت إليه الأمور في العراق بعد العدوان الإمبريالي الصهيوني الثلاثيني في مطلع العام   1991، وجراء انهيار الاتحاد السوفياتي.

في اتفاقات أوسلو، التي تمت من وراء ظهر المفاوض الفلسطيني برئاسة حيدر عبد الشافي في واشنطن، حصلت عملية تظهير أكثر وضوحاً للمبادرة الفلسطينية الناجمة  عن الدورة 19 للمجلس الوطني من حيث الاعتراف المباشر بدون مواربة، بقرار مجلس الأمن  رقم  242، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والإعلان عن نبذ الإرهاب وما نجم عنه من تنسيق أمني مع الاحتلال، والقبول بترحيل قضايا الصراع الأساسية ( القدس ، اللاجئين، المستوطنات، الحدود) إلى مفاوضات الحل النهائي، دونما إسناد لها بأي من قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وكانت كل هذه التنازلات مقابل  الحصول على حكم ذاتي على الشعب دونما الأرض، ومقابل وعد بالتفاوض على  قيام دولة فلسطينية عام 1999 لم تلتزم  قيادة  العدو به معلنةً "أن لا مواعيد مقدسة".

إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني:

والتطور الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1964 تمثل في قيام القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، في دورة المجلس الوطني في غزة عام 1996، بالإعلان الواضح والصريح بشأن إلغاء جوهر الميثاق الوطني الفلسطيني، عبر إلغاء المواد الأساسية بناء على طلب من الكيان الصهيوني، ومن إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومن المواد التي تم إلغائها في تلك الدورة هي (11) :

  6و 7 و 8 و 9 و 10 و 15 و 19 و 20 و 21 و 22 و 23 و30 أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي 1 و 2 و3 و 4 و 5 و 11 و 12 و 13 و 14 و 16 و 17 و 18 و 25 و 26 و 27 و 29  .

ونسوق هنا بعض المواد الملغاة من الميثاق القومي، لندرك أن إلغاء هذه المواد وتعديل غيرها- كما قال شفيق الحوت – تلغي عملياً منظمة التحرير الفلسطينية.

المادة (7) انتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخ بفلسطين حقيقتان ثابتتان، وأن تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كل وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير واجب قومي.

المادة (8) المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين.. الخ.

المادة (9) الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجيا وليس تكتيكاً.

المادة (19) تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن... الخ.

المادة (20) يعتبر باطلاً كل من وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما وأن دعوى الترابط التاريخية والروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ... الخ.

المادة (21) الشعب العربي الفلسطيني معبراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة، يرفض كل الحلول البديلة من تحرير فلسطين تحريراً كاملاً ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويله... الخ.

• المادة (22) الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية العالمية وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها توسعية استيطانية في أهدافها فاشية نازية في وسائلها...الخ.

وبهذا الصدد  قال القائد الفلسطيني شفيق الحوت (12): "إن التعديلات  الجوهرية على الميثاق تعني عملياً إلغاء منظمة التحرير، مشيراً إلى الأهمية التاريخية والوطنية والقانونية لهذا (الميثاق الوطني) باعتباره اهم وثيقة قانونية، تصدر عن اوسع مؤتمر وطني ينعقد في التاريخ الفلسطيني المعاصر، أي منذ بداية الانتداب البريطاني  في مطلع العشرينات حتى لحظتنا الراهنة، ولأن هذا الميثاق بمثابة (الدستور الفلسطيني) مثل دستور اي بلد عربي، بل يتميز على العديد من هذه الدساتير ــ بسبب اغتصاب الأرض الفلسطينية وتشريد أكثر من نصف شعبها خارجها ومحاولات شطب هويته الوطنية وشخصيته الاعتباريةــ بأهمية وطنية استثنائية، مما يجعل أي مساس به، مصدر خطر ماحق يهدد مصير الوطن والمواطنين الفلسطينيين".

[1]

حل الدولة – الدولتين على حساب الهدف الاستراتيجي الفلسطيني:
واللافت للنظر هنا أن معظم فصائل منظمة التحرير - وليس قيادة المنظمة فقط – تعاملت لاحقاً  مع موضوع الدولة الفلسطينية، على حساب الهدف الاستراتيجي، وباتت موافقه على حل الدولتين، في الوقت الذي لم يبدِ العدو الصهيوني أي استعداد حقيقي، للتعاطي مع موضوع الدولة  الفلسطينية، خاصةً وأنه ظل يتعاطى وفق اتفاقات أوسلو مع الأراضي  الفلسطينية بوصفها أراض متنازع عليها وليست أراضي محتلة، ما مكنه من فرض حقائق الأمر الواقع على  الأرض، في قضايا الاستيطان وتهويد القدس واللاجئين وغيرها، إلى أن وصلت الأمور  إلى طرح  عناوين صفقة القرن التصفوية من قبل إدارة  ترامب منذ عام 2017، والإعلان عنها بشكل نهائي في 28 كانون ثاني ( يناير) 2020 ، والتي  لا يمكن عزلها عن مسلسل التنازلات التي أقدمت عليها القيادة المتنفذة للمنظمة منذ حوالي ثلاثة عقود.

واللافت للنظر أيضاً أن حركة حماس – التي كانت تتحدث عن تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، باعتبار أن فلسطين بمجملها وقف إسلامي - باتت هي الأخرى تتبنى موضوع الدولة الفلسطينية، في الضفة والقطاع، وذلك في برنامجها الجديد الذي جرى الاعلان عنه في مطلع أيار( مايو ) 2017 حيث وصف البعض، تبني "حماس" لموضوع الدولة الفلسطينية، بأنها باتت تسير على ذات الخطى، التي سارت عليه منظمة التحرير، منذ سبعينات القرن الماضي.     
وأخيراً فإن التعامل المرحلي، في النضال الوطني، أمر مشروع في سياق قراءة موازين القوى، وفي سياق إدارة الصراع، مع العدو الصهيوني، بشرط أن لا يكون التكتيك المرحلي، على حساب الأهداف الاستراتيجية، لكن قضية المرحلية شيء، وشعار الاستقلال شيء آخر، لأن شعار الاستقلال الخاص بإٌقامة دولة فلسطينية، على الأراضي المحتلة عام 1967، هو في المحصلة تخلي عن مناطق 1948، وتكريس لما جاء في رسائل الاعتراف المتبادل، بين قيادة المنظمة، وحكومة العدو الصهيوني، من حيث الاعتراف بحق (إسرائيل) بالوجود.

المراجع:

1- قرارات الدورة السادسة للمجلس الوطني الفلسطيني- وفا- وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، القاهرة ، 1-9/ 1969-6/ 9/ 1969.

2- عماد صبحي عسيلة، الفصائل الفلسطينية من النشأة إلى حوارات الهدنة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية- مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2005م، ص 178.

3- نايف حواتمة، قيس عبد الكريم، البرنامج المرحلي 1973- 1974، وثيقة الاجتماع الطارئ للجنة المركزية للجبهة الديمقراطية، بشأن التسوية المرحلية- تشرين ثاني 1973، " شركة دار التقدم العربي- الدار الوطنية الجديدة، ابريل – نيسان 2002، ص 16.

4- مداخلة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، صلاح خلف "أبو إياد"، ندوة المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجديدة، التي أدارها محمود درويش، مجلة شؤون فلسطينية، عدد 30، ص 24- 27، فبراير- شباط 1974

5- مارن هلر، منظمة التحرير والمسألة الإسرائيلية، من كتاب سلسلة اعرف عدوك، حرب أكتوبر 1973 – تحديات وعبر – باحث للدراسات، مارس- آذار 2005، ص 90.

6- مقابلة مع غازي الصوراني، في إطار كتاب مسيرة المتغيرات السياسية وأثرها على سياسات منظمة التحرير الفلسطينية من النشأة إلى أوسلو (الباب الثاني)، أ. د. أسامة أبو نحل، د. مخيمر أبو سعدة، أ. ماهر عبد الواحد، ط 1، دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس، 2012، ص 244-245.

7- البيان الصحفي الصادر عن الجبهة الشعبية، حول انسحابها من اللجنة التنفيذية، بتاريخ 26-9- 1974، مجلة الهدف، بيروت، العدد 271، 82- 9 – 1974/ انظر الوثائق العربية، ص 573- 677.

8- مداخلة د. جورج حبش، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ندوة المقاومة الفلسطينية أمام التحديات الجديدة، التي أدارها محمود درويش، مجلة شؤون فلسطينية، عدد 30، ص 15-31 – فبراير- شباط1974.

9- بهجت أبو غربية، مذكرات بهجت أبو غربية "من النكبة إلى الانتفاضة، ( 1949- 2000) ، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002، ص484.

10- محمد حسنين هيكل، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (سلام الأوهام) أوسلو ما قبلها وما بعدها، دار الشروق، القاهرة، ط 9، 2010، ص 214/ انظر مجلة شؤون فلسطينية، عدد 190، ص 141.

11- محمد فايز الافرنجي / جريدة النهار بتاريخ 15-12- 1998.

12- شفيق الحوت، جريدة البيان، مقال بعنوان: التعديل المطلوب للميثاق يعني إلغاء منظمة التحرير، 11 تشرين ثاني ( نوفمبر) 1998.

 


[1]