Menu

حقيقة قراراته الرئاسية

الاحتفاء ببايدن: يحتفون بسيدهم وندافع عن وجودنا

خاص بوابة الهدف

ركز الإعلام العربي أمس على الاحتفال بتنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتظهير قراراته كتحولات مفصلية تزيل "كوارث" إدارة دونالد ترامب، قد يكون من المنطقي أن يحتفي هؤلاء بكون سيدهم الجديد أكثر مرونة ولباقة وكياسة من سابقه الذي امعن في اهانة أمرائهم وملوكهم على الملأ، وشئنا أم أبينا فقد لعب ترامب دورًا مضرًا فيما يتعلق بصورة علاقة الولايات المتحدة بهؤلاء الأتباع، لكن الحقيقة أيضًا أن توجهات ومطالب هذه النظم من دونالد ترامب كانت أسوأ بكثير مما استطاع تنفيذه من سياسات.

بالمعنى الحرفي للكلمة طالب حكام العرب ترامب وسلفه باراك أوباما بالتصرف تجاه ايران لقمع حضورها الاقليمي ومنع برنامجها النووي، والمعنى التنفيذي لهذا المطلب هو هجوم عسكري أمريكي على بلد عدد سكانه أكثر من ٨٠ مليون إنسان، ببساطة لقد طالبوا بمجزرة غير مسبوقة، وحاولوا جاهدين تركيع المقاومة في لبنان وفلسطين، وفي العلاقة مع الكيان الصهيوني لم يجبرهم ترامب إلا على الاعلان عن تحالف قائم بالفعل منذ سنوات عدة.

دفع هؤلاء الرشا لاستمرار الحرب على اليمن وشعبها، ووظفوا شركات العلاقات العامة بمئات الملايين من الدولارات لتغطية جرائمهم، وتسابق الكتبة العرب والفضائيات والمواقع، لتحليل مراسيم بايدن بالأمس يعكس الطريقة التي يرى فيها هؤلاء العالم، ويرون أنفسهم وشعوبهم في ذيله، فلا المواقف أو التقديرات أو السياسات والأبحاث ذات معنى أو هدف غير تغطية قرار مسبق بالركوع والاتباع لكل سيد جديد تخرجه أمريكا لقيادتها، ووفقا لمنطق التهليل والتبرير لكل حاكم، فمن يظن أن هناك فارق بين الطريقة التي يعمل بها "الخبير/ المفكر/ الاعلامي" العربي تجاه نظامه المحلي وتلك التي يحلل بها العالم ويتحف الجماهير بمواقفه "الرصينة" حوله، فكما شاهدنا أمس الابتذال على الشاشات، إذ أعاد الخبراء العرب عجن كلامهم للخروج بأهداف جديدة وخطاب جديد يستعرض مصلحة مشتركة مع إدارة بايدن، فهو كما أشار هؤلاء تكرم عليهم باعادة فتح بلاده أمام سفر المسلمين والعرب، وعدل منظومة العمل فيما يتعلق باللاجئين، وأمر بايقاف تمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وهذه النقاط جميعها تشكل أمثلة جيدة لفهم السياسات الأمريكية.

1 - حين أعاد جو بايدن السماح بدخول الولايات المتحدة لمواطني بعض الدول العربية والاسلامية أمس، لم يكن القرار سيطال أولئك البسطاء الفقراء الذين قد يحتاجون فعلًا للسفر وتحسين وضعهم، بل إن المقصود بالقرار هو عودة الولايات المتحدة لاستقبال شريحة اتباعها والمرتبطين بها من نخب أكاديمية وعسكرية وغيرهم، والعودة لسحب آلاف من العقول العربية الشابة المبدعة في مختلف المجالات كما اعتادت الولايات المتحدة سحبهم سنويًا.

2 - لم يعن بايدن اطلاقًا فتح بلاده أمام اللاجئين، بل أجرى تعديل يتعلق بوضع الاطفال اللاجئين الذين شكلت قرارات ترامب إقرارًا رسميًا بجرائم ضد الانسانية كانت وما زالت تجري بحقهم، فيما استمرت بقية القرارات على ذات النهج السابق في السماح بدخول أبناء أمريكا اللاتينية كمتسلين إلى الولايات المتحدة، كطريقة للحفاظ على دفق اليد العاملة الرخيصة حيث يعمل ملايين من هؤلاء دون أي حقوق تذكر، ويعني غيابهم فعليًا تعطل مرافق وقطاعات حيوية بأكملها في العديد من الولايات الأمريكية.

3 - بقية قرارات بايدن فيما يتعلق بالتراجع عن الانسحاب مع عدد من المنظمات والاتفاقيات لم تعبّر اطلاقًا عن انصياع أمريكي لإرادة هذه المؤسسات، بل عودة الدولة المهيمنة لإدارة مؤسساتها الدولية التابعة والخاضعة، وإعادة ترميم العلاقة بين أقطاب المشروع الاستعماري على ضفتي الاطلسي، والقول إن السياسات الأمريكية متساوية أو لا فارق بينها لا يتحلى بالدقة الكافية والضرورية لشعوب تخوض صراع جذري مع المنظومة الاستعمارية، فهناك مسارات هامة بالفعل ننتظر ما ستقدم عليه إدارة بايدن فيها، لا بمنطق الرهان عليها ولكن بمنطق الاستعداد لمواجهة مسارات العدوان هذه، وهي:

 أ - محاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال مؤتمر دولي للسلام، يجري تحت السقف الأمريكي وبتواطئ عربي، ويحظى برهانات فلسطينية قد تقود لتصفية القضية، أو بالحد الأدنى استعادة مسار الاستسلام.

ب - ما سيتم استخدامه من أدوات لحشد معسكر عربي ضد قوى المقاومة في المنطقة، مع استمرار للضغوطات الاقتصادية على لبنان، وبرنامج العقوبات على سوريا المرشح للتصاعد بما هو أسوأ من قانون قيصر الهادف لتجويع السوريين واخضاعهم.

ج - المساومات الهادفة لتفريغ الاتفاق النووي مع إيران من أي مضمون إيجابي، واستخدامه كأداة لتقويض الداخل الايراني، وكسر الموقف السياسي الداعم للمقاومة والرافض للهيمنة الأمريكية.

د - توجهات هذه الإدارة فيما يتعلق بدعمها المؤكد للعدو الصهيوني، والخشية في المرحلة المقبلة من تلك الرؤى التي انضجتها المؤسسة العسكرية للولايات المتحدة مع نظيرتها الصهيونية، وبمشاركة ومباركة أطراف عربية، و الرامية لشن عدوان عسكري كبير على قوى المقاومة في فلسطين وسوريا ولبنان، قد يشمل تدخل أمريكي بدرجة معينة أو بشكل مباشر وكامل.

هـ - استعادة الاستثمار الأمريكي في الميلشيات المحلية العميلة للمشروع الاستعماري، واستخدامها كقوات محلية رديفة للقوات الأمريكي، وأذرع تنفيذية تعمل على الأرض لتنفيذ مهمات محددة لها في الرؤية الاستراتيجية للجيش الأمريكي والبنتاغون.

إن المؤشرات في معظم هذه المحاور سلبية للغاية، وتؤكد في معظمها أن توجهات المؤسسات الرئيسية في الولايات المتحدة، تميل لسلوك عدائي حاد في الملف الرئيسي وهو المواجهة مع قوى المقاومة، مع مساعي لتبريد الملفات والاشتباكات الهامشية بين حلفاء الولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه مساعي "المصالحات"، بين القوى الخليجية المتنافسة، وبعض الأطراف الاقليمية الساعية لمجاراة سياسات الادارة الأمريكية الجديدة.