أعلنت نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية عن البدء باتخاذ خطوات احتجاجية هذا الأسبوع، ومن ضمن هذه الخطوات الإضراب الشامل، ويأتي ذلك في إطار مطالب لها علاقة بالأزمات المالية وتداعياتها، التي عانت وما زالت تحياها الجامعات، حيث من الواضح ان كل الجهود والإجراءات والسياسات، التي اتبعتها وتتبعها الجامعات الفلسطينية، وحتى لو كانت على حساب الجودة والنوعية والمستوى والسمعة، لم تنجح في إيجاد حلول جذرية للازمات المالية المتراكمة التي عانت وما زالت تعاني منها هذه الجامعات، وما زالت الجامعات تعاني من العجز المالي السنوي والتراكمي، وبسبب ذلك ما زالت تعاني من التخطيط بعيد المدى، وما زالت تعاني من تبني استراتيجية مستدامة للبحث العلمي، وحتى ما زالت تعاني من الاستقرار على أصعدة عديدة؟
وبغض النظر عن المسبب الأساسي لهذه الأزمات، سواء أكانت الحكومة او وزاراتها المعنية، او إدارات الجامعات ومجالس أمنائها، او الأوضاع العامة التي نعيشها من ظروف سياسية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، او بسبب ضعف التخطيط وتنويع المصادر، او بسبب حتى ثقافة الاستهتار او عدم الالتزام من قبل الطلبة بتسديد مستحقاتهم، او غير ذلك من الأسباب، الا ان هذه الأزمة المالية طاردت وعطلت التخطيط والتحديث والتطوير عند إدارات الجامعات، ويبدو أنها سوف تستمر في ذلك.
والخطوات الاحتجاجية بسبب الأزمات المالية في الجامعات الفلسطينية، ليست بالخطوات الجديدة وبغض النظر عن طبيعة او حجم المطالب، إلا ان هذه الإجراءات تتمحور في النهاية حول تحسين الظروف المعيشية للعاملين، او بالأدق حول الأوضاع المالية للجامعات وانعكاسات ذلك على حقوق العاملين والتزامات الجامعات نحو ذلك، وهذه المطالب تدور في نفس الإطار الذي دارت فيه مطالب العاملين في كل الفترات التي شهدت تحركات للعاملين في الجامعات الفلسطينية، وبالتالي فإن نوعية المطالب وأسبابها معروفة منذ سنوات، وليست وليدة هذه الأيام.
وحين الحديث عن الجامعات الفلسطينية، فهناك العديد من الأطراف ذات العلاقة، او التي لها مسؤولية بعمل الجامعات، بدءا من الحكومة والوزارة المعنية، ومجلس التعليم العالي هذا اذا ما زال هناك مجلس للتعليم العالي يعمل بفعالية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجلس التشريعي الفلسطيني المعطل، وبالطبع الأطر الخاصة، التي ترسم سياسات الجامعات وتتحمل مسؤولية مواصلة عملها وتقدمها، أي مجالس أمناء الجامعات.
ومن المعروف ان غالبية الجامعات الفلسطينية المعروفة، ليست بالجامعات الحكومية، اي لا تتبع الحكومة او وزارة التعليم العالي بشكل مباشر، اي ان رؤساء الجامعات ليسوا مسؤولين أمام الحكومة او بالتحديد الى وزير التعليم العالي، ولكن وحسب الأنظمة الموجودة، فأن رؤساء الجامعات يتم تعيينهم من قبل رئيس او مجلس الأمناء الذي يشرف على الجامعة، وبالتالي فهم مسؤولون لهم، وبشكل عملي فإن مجالس الأمناء هم مسؤولون عن توفير كافة المصادر لتأمين العمل الطبيعي لرؤساء الجامعات ولإداراتها.
وفي نفس الوقت، فإن دور رؤساء او إدارات الجامعات هو إدارة هذه المصادر بفعاليه، وبشكل يلبي حاجات الطلبة وحقوق العاملين، وتأمين السير الطبيعي لعمل الجامعات، وكذلك العمل على تطوير الجامعات أكاديمياً وبحثياً، وهذا الوضع هو الموجود في دول العالم التي تحوي جامعات مماثلة للجامعات الفلسطينية، اي جامعات يحكمها مجالس أمناء، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال هناك جامعات تتبع الولايات مباشرة (جامعات حكومية) وبالتالي الولايات مسؤولة عنها وبشكل كامل، وجامعات خاصة ليست للربح، يشرف عليها وعلى تأمين مواردها، واستثمار أموالها مجالس أمناء وبالتالي فإن الأمور تسير بشكل طبيعي، ولا نسمع عن إضرابات، وإذا لم يستطع مجلس الأمناء تأمين المصادر للعمل الطبيعي وللتطوير الجامعات، فأنه من المتوقع ان يعلن فشله وبالتالي تبحث الجامعة عن بدائل أو إطارات أُخرى من اجل العمل بشكل طبيعي.
ورغم الآثار السلبية المتراكمة للازمات المالية التي تعاني منها الجامعات الفلسطينية، الا ان هذه الأزمات من المتوقع ان تفتح النقاش حول العلاقة او دور الجهات الرسمية، من حكومة ومن وزارة التعليم العالي ومن مجلس تعليم عال، نحو الجامعات العامة، وهل دور هذه الجهات هو دور محدود فقط او دور غير مؤثر، او فقط يتعلق بالمطالبة بتوفير ذلك الجزء المالي البسيط لدعم الجامعات العامة، وماذا مثلا ان قرر مجلس أمناء إحدى الجامعات العامة، وهو الذي يملكها، تحويلها الى جامعة خاصة، او جامعة ذات واجهة محددة، او ذات نمط معين، ماذا يمكن لوزارة التعليم العالي او للحكومة ان تفعل؟
ومن تداعيات الأزمات المالية للجامعات، من المفترض ان يكون فتح النقاش وبشكل واسع حول علاقة الجامعة بالمجتمع، وبالتالي مدى اهتمام هذا المجتمع بها، سواء من خلال المنتج الذي تزوده به وهم الخريجون والجميع يعرف نسب البطالة بينهم ويعرف طبيعة التخصصات، وكذلك حول علاقة الجامعات بالقطاع الخاص من شركات ومؤسسات ومصانع، وعن علاقتها او بالأدق اهتمام مؤسسات المجتمع المدني والأطر والكتل بها، والتي كانت في الماضي بأزمة وبدون أزمة تتسابق لإظهار حرصها او اهتمامها بالجامعات.
ورغم ان الآمال ليست كبيرة، في إيجاد حلول بعيدة المدى او حلول جذرية للأزمات المالية التي تعاني منها الجامعات، الا ان مواصلة هذه الأزمات وبالتالي التهديد باتخاذ إجراءات بسبب هذه الأزمات، من المفترض ان يفتح الباب واسعاً أمام نقاش وطني شامل، تنتج عنه استراتيجية جديدة، تهدف الى إحداث التغيير او بالبدء في التغيير في فلسفة وأهداف وتطلعات التعليم العالي، وفي طبيعة وفلسفة وآليات عمل الجامعات في بلادنا؟
المصدر: الايام