Menu

لولا دا سيلفا بريء: لقد بدأت المعركة لإسقاط الفاشيّة في البرازيل

أحمد نعيم بدير

الزعيم لولا دا سيلفا

برازيليا _ خاص بوابة الهدف

"لستُ مجرمًا ولا سارقًا، سأواجههم وسأنظر في أعينهم، أنا أقوى منهم، هم لا يريدون شخصي، بل يريدون إفقاركم وقتلكم وتسليم أموركم إلى الفاسدين الحقيقيين، إذا كانوا يعتقدون بأنّ الزنزانة ستخنق صوتي فهم واهمون، لقد ناضلت مُنذ الصغر، وها أنا أعود إلى أجمل الأوقات".. بهذه الكلمات وبقبضةٍ مرفوعة حيّا الرئيس البرازيلي الأسبق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا (75 عامًا) المُلقّب بـ"بطل الجماهير" مناصريه أمام مقرّ نقابة "الحدّادين" في ساو باولو قبل ثلاث سنوات عند اتهامه بالفساد، مُؤكدًا لهم أنّ "المعركة لم تنته بعد".

الثلاثاء 9 آذار/ مارس 2021، ألغى قاضٍ في المحكمة العليا البرازيليّة إدانة الزعيم لولا الرئيس اليساري السابق (2003-2010) بتهم الفساد، وأعاد له حقوقه السياسيّة، حيث بات بإمكانه مواجهة الرئيس الحالي جايير بولسونارو المتطرّف والأكثر يمينيّة في الانتخابات الرئاسيّة القادمة لينقذ الشعب البرازيلي ويُحرّر البلاد من "عصابة الميليشياويين" كما وصفها في وقتٍ سابق.

ورأى قاضي المحكمة أدسون فاشين أنّ محكمة "كوريتيبا" التي حكمت على لولا في أربع قضايا سابقًا هي "غير مخوّلة" للبت في هذه الملفات، إذ يكون النظر فيها من صلاحيّة محكمةٍ فيدراليّةٍ في برازيليا.

وفور الإعلان عن هذا القرار الهام جدًا، غرّد حساب حزب العمَّال الذي أسّسه لولا في 1980 على موقع توتير: "لولا بريء".. وذلك بعد أنّ كان قد أمضى في وقتٍ سابق عامًا ونصف في السجن بعد إدانته بتهمة الفساد، بين أبريل 2018 ونوفمبر 2019، وأفرج عنه بقرار بالإجماع للمحكمة العليا، لكنه مُنع من الترشح للانتخابات في حينه.

ورغم حالة التشويه ومحاولات الاغتيال المعنوي للزعيم لولا، إلّا أنّه وبعد مرور عامين ونصف يبدو أنّه الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة بالرئيس بولسونارو في الانتخابات المقبلة في 2022، وهذا ما تؤكّده استطلاعات الرأي، حيث أبدى 50% من الأشخاص المستطلعة آراؤهم استعدادهم للتصويت للزعيم اليساري لولا في مقابل 44% للرئيس اليميني بولسونارو.

الناشط الفلسطيني المُطّلع على الشؤون البرازيليّة جاد الله صفا، أوضح أنّ "المحكمة الفدراليّة هي التي ستُحدّد براءة الزعيم لولا النهائيّة من عدمها، أي أنّ قضيّة لولا لم تنتهي بعد، لكن الصورة اليوم تختلف عن السابق خاصّة مع تبيان فساد القاضي السابق والمدعي العام، حيث سُربت رسائل لهما تدلّل على أنّ هناك مؤامرة حيكت ضد الرئيس لولا من أجل الزج به في السجن".

وبيّن صفا خلال حديثه مع "بوابة الهدف"، أنّ "كل الرسائل المتبادلة بين القاضي والمدعي العام كشفت الكثير من الحقائق وأنّ القضيّة سياسيّة بحتة لا سيما وأنّه جرى اتهام لولا بتهم دون دلائل، لكن في قضايا أخرى كان هناك دلائل واثباتات الفساد على أشخاص سياسيين آخرين ولم يتم توجيه أي تهمة لهم! وهذا يؤكّد فساد هذه المحكمة".

وتابع صفا حديثه: "سيقوم محامو لولا بطلب نشر الرسائل التي تم تداولها بين القاضي الذي حكم سابقًا على لولا بالفساد وبين المدعي العام لاستخدامها في الدفاع عن لولا أمام محكمة برازيليا، وفي حال تم استخدامها فعلاً فيستم تأكيد الفساد في المحكمة السابقة وأنّ القضيّة سياسيّة"، لافتًا إلى أنّ "استطلاعات الرأي تؤكّد حتى اللحظة أنّ الوحيد القادر على هزيمة الرئيس الحالي بولسونارو هو لولا، ومن الواضح في البرازيل أنّ هناك قوى برازيليّة يساريّة تؤكّد أنّ "FBI" الأمريكيّ كان يزور القاضي والمدعي العام اللذين حكما على لولا سابقًا".

تبرئة لولا ستزيد شعبيّة حزب العمّال البرازيلي

وأكَّد صفا خلال حديثه أنّ "تبرئة لولا ستزيد شعبيّة حزب العمّال البرازيلي خاصّة وأنّ هناك الكثيرين ابتعدوا عن الحزب جرّاء اتهام لولا بالفساد، لكنّ الآن الموقف تغيّر وسيعود كل من ابتعد عن الحزب إليه في الوقت الحاضر وسيُعزّز شعبيّة الزعيم لولا دا سيلفا"، مُشيرًا إلى أنّ "الرئيس الحالي بولسونارو له شعبيّة كبيرة في البرازيل، ومن الممكن ألّا يفوز عليه لولا في الجولة الأولى من الانتخابات، لكن تظل الكلمة النهائيّة للمتغيّرات السياسيّة خلال الفترة القادمة ويعتمد على ماذا يمكن أن تقدّم قوى اليسار وحزب لولا، لأنّ المجتمع البرازيلي مشغول في أزمة "كورونا" وليس بالسياسة حاليًا، لذلك مطلوب من القوى اليساريّة الاهتمام أكثر بالجماهير لضمان ترشّح لولا للرئاسة وضمان فوزه أيضًا".

أمّا الدكتور اللبناني بلال رامز البكري وهو طبيب باثولوجي ومُقيم في ساو باولو، فقد بدأ بالحديث مع "بوابة الهدف"، بالقول: "لنعد قليلاً إلى انتخابات العام 2018 حيث كان المرشحان الرئيسيّان لولا دا سيلفا والرئيس الحالي جايير بولسونارو تُشير استطلاعات الرأي بشكلٍ كبير لاحتمال فوز لولا في هذه الانتخابات، ولكن في ذات العام قام القضاء البرازيلي بمُحاكمة وإدانة وسجن لولا في قضيّة شابها الكثير من العوار القانوني والشُبهات بدءًا بشخص القاضي سيرجي مورو الذي أصدر الحكم بسجن لولا".

الصراع الرئاسي للعام 2022 قد بدأ من اليوم

وأكَّد البكري، أنّ "الصراع الرئاسي للعام 2022 قد بدأ من اليوم، ويبدو أنّ الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الزعيم لولا للفوز في هذه الانتخابات، وكذلك استطلاعات الرأي تُشير إلى إمكانية فوزه الكبيرة في الانتخابات المقبلة بسبب شخصيّة لولا الكاريزميّة الفائقة بل يُعتبر رمزًا كبيرًا لعامّة الشعب ليس فقط في البرازيل وإنمّا في جميع أميركا اللاتينيّة وباقي دول العالم الثالث، ويعتبر من الزعماء الكبار في الفترة الأخيرة في عالم أميركا اللاتينيّة وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، لذلك فهو شخصيّة قياديّة لها فرصة كبيرة في الفوز وتاريخه في الحكم كان مُشرّفًا وكان منحازًا للفقراء والمهمّشين، وكانت البرازيل من بين أوّل عشر اقتصادات في العالم بل سبقت إنجلترا، واليوم في فترة حُكم بولسونارو خرجت البرازيل من هذا التصنيف".

وبيّن البكري أنّ "الكثيرين من الذين صوّتوا لبولسونارو سابقًا يشعرون اليوم بالندم بسبب الفداحات والفظاعات التي ارتكبها هذا الرئيس منذ توليه الحكم بل منذ قبل التولي أثناء حملته الانتخابيّة، حيث كانت هناك مؤشرّات تقول أنّه سيكون فاشلاً وهذا ما نعيشه اليوم جرّاء الأزمات المُتلاحقة في البلاد بفعل سياساته الرعناء".

هناك فرصة كبيرة لنجاح لولا في الانتخابات

وتابع البكري حديثه: "إنّ تململ الجماهير جرّاء سياسات بولسونارو وتصدّع القاعدة السياسيّة تُتيح للولا فرصة كبيرة بالفوز بالانتخابات المقبلة"، مُؤكدًا أنّ "الطبقات الفقيرة والدنيا في الشارع البرازيلي ستُناصر لولا في الانتخابات المقبلة بلا جدال وخاصّة في مناطق الشمال الشرقي وشمال البرازيل، وحتى في الجنوب الغني أو المناطق اليمينيّة أعتقد أنّنا سنشهد تأييدًا كبيرًا للزعيم لولا بسبب تردي أحوال الطبقات فيها في عهد بولسونارو الذي وعد خلالها بتحقيق إصلاحات، لكنّه اقتطع من رواتب المتقاعدين فهذه كانت ضربة كبيرة للشعب، وكذلك تدهور العُملة الوطنيّة".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، شدّد د.البكري على أنّ "بيت القصيد هو الطبقة الوسطى وخاصّة في مناطق جنوب وجنوب شرق البلاد التي لديها رفض لليسار بشكلٍ عام وللولا بسبب الدعاية المغرضة التي استهدفته خلال الأوقات السابقة وهذا منبعه الحقد على لولا لأنّه يدافع عن الفقراء والمهمّشين ويسعى لتحسين أوضاعهم، ولهذا يجب على الحملة الانتخابيّة للزعيم لولا توعيّة الطبقة الوسطى خصوصًا وتقديم لها البرهان الساطع بشأن كيف تدهورت أوضاعها في عهد بولسونارو، وبعد كل ذلك تصبح معركة لولا دا سيلفا ظافرة مظفّرة".

تبرئة لولا خطوة في طريق العودة للنضال ضد الفاشيّة

ولإكمال الحديث، أكَّد المحامي والناشط البرازيلي المُناصر للقضية الفلسطينيّة نادر ألفيس لـ"بوابة الهدف"، أنّ "تبرئة لولا مبدئيًا هي خطوة في طريق العودة إلى النضال ضد الفاشيّة الممثّلة حاليًا بالرئيس بولسونارو، وهذه العودة نتمنى أن تكون فرصة حقيقيّة لتوحيد اليسار البرازيلي من أجل برازيل أفضل، واليوم كل مواطن برازيلي مطالب جرّاء الوضع المأساوي في البرازيل النضال من أجل إفشال المشروع الفاشي المُسيطر على الحُكم".

وقال ألفيس، أنّ "هناك أوراق قوّة تُساعد لولا في النضال من أجل اسقاط الحكم الحالي الفاشي، فمثلاً بحسب آخر استطلاع للرأي صدر قبل أيّام أظهر أنّ 50% من الشعب البرازيلي سيصوّت للزعيم لولا في الانتخابات القادمة بينما سيصوّت فقط 38% للرئيس الحالي بولسونارو، ويبدو لي أنّ لولا الآن هو الشخصيّة البارزة والأكثر أهميّة التي تستطيع هزيمة الفاشي الذي يحكم البلاد، لأنّ لولا حارب الفقر وحاول بكل جهده إيجاد حلول للمشاكل الداخليّة وكانت البرازيل في عهده حاضرة على الساحة الدوليّة بقوّة وخاصّة في المشروع النووي الإيراني وبما يخص الصراع الفلسطيني – الصهيوني، وأيضًا الآن نتيجة الفساد في حكم بولسونارو والذي يمتد إلى أبناءه وعائلته وأصدقائه الذين يُمارسون الفساد بشكلٍ علني ويحتكرون إرادة الشعب البرازيلي من خلال عدم القيام بحملةٍ وطنيّةٍ جادّة لمكافحة فيروس "كورونا" في البلاد، كما أنّ هناك أشياء كثيرة يقوم بها الرئيس الحالي تدلّل على تدني مستواه كقياديٍ حقيقي للبلاد".

ما حصل مع لولا فضيحة قضائيّة كبرى

وتابع ألفيس حديثه: "كما أنّ هناك إحساسًا واضحًا اليوم في البرازيل بأنّ ما حصل مع لولا فضيحة قضائيّة كبرى قد تكون أكبر فضيحة في تاريخ البرازيل، والشارع البرازيلي تأكّد اليوم بأنّ الزعيم لولا قد ظُلِم حقًا من قبل قاضي المحكمة عدا عن أنّ أسلوب هذا القاضي أضرّ بدولة القانون، ونُطالب جميعًا بمُحاكمة هذا القاضي الفاسد لأنّه لا يتمتّع بالنزاهة والحياديّة، ويجب النضال من أجل تحقيق ذلك".

ورأى المحامي ألفيس أنّ "فضيحة القضاء فرصة حقيقيّة يجب على لولا استغلالها بشكلٍ أمثل خاصّة من أجل توحيد اليسار وأن يكون هناك حكمًا وطنيًا ينظر بشكل أكثر نزاهة وحكمة للبلاد ولمشاكلها، وأتمنى من كل قلبي أن يكون هناك اصطفافًا من قِبل كل القوى الديمقراطيّة من أجل إنجاح لولا في الانتخابات القادمة لنتخلّص من الفاشي بولسونارو الذي لا يتحالف إلّا مع الدول والنظم التي تُمارس مخالفات حقوق الانسان كالكيان الصهيوني، ولابد من التذكير بأنّ وزير الخارجيّة البرازيلي الآن في زيارة إلى الكيان الصهيوني من أجل شراء لقاحات كورونا علمًا بأنّ مدير مستشفى "أخلوف" الصهيوني قال: إنّ هذا اللقاح ما زال في بداياته الأوليّة التجريبيّة، والرقيب المالي الفدرالي طالب بضرورة التأكّد من فعاليّة الزيارة، وهل أنّها ستأتي بنتائجٍ إيجابيّة للصالح العام البرازيلي أم لا، وضمان عدم انفاق المال العام بشكلٍ سيء، وهذا يدل على أنّ بولسونارو فقط يُريد إرضاء الكيان الصهيوني على حساب الشعب البرازيلي ومصالحه وهذا شيء غير مقبول بتاتًا".

عذاب الشعب البرازيلي أكبر بكثير من عذابي الشخصي

يوم أمس الأربعاء، وفي أول خطابٍ له في مقر حزب العمال البرازيلي بعد تبرئته وتابعته "بوابة الهدف"، قال الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: "حين تم اعتقالي قبل نحو ثلاث سنوات، كنت على ثقة تامة أنّ اليوم الذي سأثبت فيه براءتي آتٍ لا محالة، والاتهمات ضدّي كانت أكبر كذبة قضائية حدثت في آخر 500 عام".

كما أشار إلى معاناته الشخصية وهو يرزح في السجن قائلًا: "تسبب السجن بأشياء كثير قاسية، مثلًا: توفيت زوجتي بسبب هذا العذاب، ومنعتُ من حضور دفن أخي"، لكنّه أكَّد في ذات الوقت: "لكن ليس لدي أي رغبة بالانتقام؛ لأني أرى أنّ عذاب الشعب البرازيلي أكبر بكثير من عذابي الشخصي".