Menu

النووي الإيراني: الاتفاق القادم.. ربما بدأ بالفعل

محمد أبو شريفة

نُشر هذا المقال في العدد 23 من مجلة الهدف الإلكترونية

منذ فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، استبشرت الأوساط الإيرانية خيراً، فبعد أربع سنواتٍ عجافٍ من حكم ترامب، أصبح من الممكن الحديث عن تجليس العلاقات الإيرانية الأميركية، وقد أثيرت في الأسابيع الماضية أجواءٌ إعلاميةٌ صاخبةٌ، دارت حول المدخل الصحيح لعودة تلك العلاقات والتي كانت من المتوقع أن تجري بلا تعقيدات، وأن تعودَ المياهُ إلى مجاريها، لتصب في بحر الاتفاق النووي.

لكن الأمور لم تجرِ وفق الرغبات الأميركية الإيرانية، فتدرج العودة لهذا الاتفاق فعلياً تطلب اتصالاتٍ مكوكيةً طالت عواصم غربية وإقليمية، وبعد مدٍ وجزر، تبين أن لدى الطرفين قناة خاصة للتواصل والاتصال، رشح منها أن هنالك على ما يبدو اتفاقاً ضمنياً قيد الإعلان عن مبادئ عامةٍ ينص على عودتهما إلى الاتفاق بصيغته الأصلية، أي ما قبل الخامس من أيار 2018 كمدخلٍ فعليٍ لتلطيف أجواء تلك العلاقة، ومن ثم وضع مختلف الملفات العالقة بينهما على الطاولة ومناقشتها، مع الإشارة إلى أن المفاوض الإيراني والمفاوض الأميركي يعرفان بعضهم جيداً، بعد أن خاضوا معترك جولاتٍ تفاوضيةٍ عديدةٍ ومريرةٍ في السنوات الماضية، فمنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 تحول التعاون الاستراتيجي النووي بین إيران والغرب إلی عاملٍ رئيسيٍ للتوتر وللخلافات ‏طوال العقود الأربعة المنصرمة، ولم ينحسر هذا التوتر إلا بعد مفاوضاتٍ مضنيةٍ استغرقت نحو عامٍ ونصف العام بين طهران ‏والسداسية الدولية، وقع خلالها الطرفان عام 2015 على خطة العمل الشاملة ‏المشتركة المعنية بالملف النووي الإيراني، وتقضي برفعٍ تدريجيٍ ‏ومشروط للعقوبات عن إيران، مقابل ضمانات بأنها لن تسعى للتزود بالسلاح النووي، وما لبث أن عاد التوتر إلى حجمه بعيد انسحاب ‏الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وفرض حزمةٍ من العقوبات الشديدة طالت العديد من القطاعات الإيرانية،، بذريعة أن الاتفاق ‏كان "معيباً وسيئاً في جوهره"، وأعلن استعداده للتفاوض على اتفاقٍ جديدٍ، ولكن رفضته إيران، وحينها أعلنت عن خمسة إجراءاتٍ "تقليصية"، ‏تراجعت خلالها تدريجياً عن تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، إلى أن أعلنت في بدايات العام الماضي (2020) تعليق جميع تعهداتها ‏فيه، وهددت بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، إذا أحيل ملفُ برنامجها النووي إلى مجلس الأمن، إلا أن طهران بقيت على المسافة ذاتها بين التهديد والترغيب بالعودة إلى تنفيذ كامل تعهداتها في الاتفاق النووي شريطة التزام الطرفين الأوروبي والأميركي بتعهداتهما ‏وعدم الاخلال فيه،‏ حيث اشترط الرئيس حسن روحاني رفع العقوبات قبل كل شيء، وحذر وزير خارجيته جواد ظريف من أن الاتفاق قد يتعرض للخطر إن لم تخفف واشنطن العقوبات المفروضة على طهران قبيل الانتخابات الإيرانية في حزيران القادم، والتي قد تسفر عن إدارةٍ جديدةٍ متشددةٍ مع الأمريكيين، ويعزز هذا الموقف الرؤية الروسية والتي دعت عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف إدارة بايدن إلى رفع العقوبات عن إيران تحضيراً للقاء مجموعة الدول (5+1) المستقبلي.

ويهدف الصخب الإعلامي الإيراني إلى التأثير على إدارة بايدن، ودفعها إلى اتخاذ خطواتٍ إجرائيةٍ باتجاه تلطيف الأجواء قبل 21 شباط (فبراير) من العام الحالي، الذي أعلنه البرلمان الإيراني كتاريخٍ محددٍ لاتخاذ إجراءاتٍ انسحابيةٍ من الاتفاق النووي، قد تعقد الموقفُ بين الطرفين، وترجئ العودة إلى الالتزام بالاتفاق.

 ومما زاد الصخب الإعلامي إثارة التصريحات الأخيرة لوزير الاستخبارات والأمن الإيراني محمود علوي حول الصناعات النووية وتحريمها إيرانياً، ولكن حسب قوله "إذا دفعوا الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الاتجاه، فإن ذلك لن يكون ذنب إيران، بل خطأ أولئك الذين دفعوا إيران، رغم أن إيران ليس لديها مثل هذه النية والخطة".

ويرتكز الصخبُ الاميركيُ على محاولات تعقيد مهمة بايدن من قبل الجمهوريين الرافضين لإعادة الاتفاق مع إيران، حيث بعث نحو 119 عضواً جمهورياً في مجلس النواب إلى بايدن (8/2/2021) رسالةً تطالبه بعدم الدخول في الاتفاقية النووية لعام 2015، دون معالجة بعض القضايا في الاتفاق الأصلي، الأمر الذي يضع بايدن أمام استحقاقٍ زمنيٍ ومقاربة المطالب السياسية للجمهوريين مع المطالب الإيرانية، ما يضعه تحت مزيدٍ من التوتر والضغط، وبناء على ذلك فإن واشنطن تقف بين أمرين أحلاهما مر، حيث تجاذبات الديمقراطيين والجمهوريين من جهة، ونفاد الوقت المحدد من جهةٍ أخرى، عندما يلزم قانونٌ إيرانيٌ طهران بإنهاء صلاحيات التفتيش الشاملة الممنوحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب اتفاق 2015، وتقييد عمليات التفتيش لتشمل المواقع النووية المعلنة فقط.

 لكن يبقى السؤال مطروحاً وبقوة، والمتعلق بتصور الإدارة الأميركية عن جدوى العلاقة مع طهران عموماً، لا سيما أن إدارة بايدن تنحو باتجاه التريث والاعتدال، في الوقت الذي يظهر فيه أن الطرفين ليسا على عجلةٍ من أمرهما فيمن يبدأ "بالخطوة الاولى"، فبالرغم من إنتاج معدن اليورانيوم والذي يمكن أن يستخدم لإنتاج نواة قنبلةٍ نوويةٍ،‏ وتأكيد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود 3.6 ‏غم من مادة اليورانيوم في منشأةٍ في أصفهان،‏ ‏إلا أن الاتفاق النووي هو فرعاً من كل، والحديث يدور الآن في أروقة إدارة بايدن حول التفاوض مع إيران على ملفاتٍ كثيرةٍ ومتنوعةٍ ومختلفة بعيدة عن النووي الإيراني، ملفاتٍ تتصل بالداخل الإيراني من حيث الطاقة والنفط وبرنامج التسلح الصاروخي، والمسائل المرتبطة بحقوق الإنسان، وكذلك ملفاتٍ مرتبطة بنفوذ إيران الإقليمي.

من المبكر الحديث الآن عن عودة الطرفين للتسليم لمبدأ التفاوض الوحيد بينهما، لكن المؤكد هنا، استبعاد شبح المواجهة والحرب في ظل الإدارة الأميركية الحالية، وما بين الاتفاق وتوتر العلاقات ستمضي إيران والولايات المتحدة في هذا المسار.