Menu

 حوار الفصائل الفلسطينية الثاني في القاهرة:ضمانات إدارية للانتخابات في غياب برنامج الاجماع الوطني

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

من يتأمل البيان الختامي لاجتماع الفصائل الثاني في القاهرة في 17 مارس( آذار) 2021، يخرج بنتيجة مفادها أنه انطوى على ضمانات نظرية في السياق الإداري  لإنجاح العملية الانتخابية، عبر ميثاق الشرف الذي وقعت عليه الفصائل، وعبر ضوابط عمل لجنة الانتخابات المركزية المتصلة بمسائل عدم المحكومية والإشراف القضائي والأمني وتحصين المرشحين الفائزين في الانتخابات، لكنه لم يتضمن عملياً ضمانات سياسية تستند إليها العملية الانتخابية برمتها.فالجانب السياسي في البيان تم تناوله على شكل " شذرات" هنا وهناك لا ترقى لأن تشكل رؤية أو برنامج سياسي، تستند إليه العملية الانتخابية في مراحلها الثلاث المتعاقبة " التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني"، على نحو:

-"تأكيد المشاركين في حوارات القاهرةعلى استكمال تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية الشاملة وتفعيلها وفقا لبيان لقاء الأمناء العامين الأخير في الثالث من أيلول (سبتمبر) 2020 ."

-"اعتبار مؤتمر الأمناء العامين في حالة انعقاد دائم لمتابعة ما تم التوافق عليه".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية وتفعيلها وفق مؤتمر الأمناء العامين مسألة معلقة بالهواء، بدون برنامج سياسي يحملها وتستند إليه؟ وهل للأغصان أن تثبت في الهواء بدون ساق وجذور تغذيها وتضمن نموها؟ما يدفعنا للاستنتاج بأن ذكر المقاومة الشعبية وتفعيلها، لا تعدو أن تكون هروباً من الاستحقاق المطلوب، وجائزة ترضية شكلية للفصائل التي ظلت تلح على مسالة برنامج الحد الأدنى الوطني.

وحتى لا ندفن رؤوسنا بالرمال نطرح السؤال التالي: كيف يمكن تفعيل المقاومة الشعبية في ظل بقاء التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي تمت العودة إليه مباشرةً بعد وصول الرئيس الأمريكي " جوزف بايدن للسلطة "؟ وهل تسمح أجهزة أمن السلطة للمتظاهرين الوصول إلى نقاط التماس مع قوات الاحتلال للاشتباك معها في سياق المقاومة الشعبية؟ وهل تسمح بانطلاق انتفاضة شعبية أو حتى هبة شعبية؟

أما ما ورد في البيان الختامي حول "اعتبار مؤتمر الأمناء العامين في حالة انعقاد دائم لمتابعة ما تم التوافق عليه"، فيدعو للاستغراب والتساؤل:لماذا يكون في حالة انعقاد دائم طالما أن مؤسسة الأمناء العامين – إذا جازت التسمية- ليست مرجعية للانتخابات وطالما تم تجاوزها كمرجعية سياسية من قبل قيادة السلطة بعد مؤتمر بيروت – رام الله؟ وإذا كانت مرجعية للجانب السياسي، فالجانب السياسي مغيب عن البيان الختامي كون الانتخابات تتم في غياب برنامج إجماع وطني. ثم ماذا فعلت مؤسسة الأمناء العامين، عندما ارتدت قيادة السلطة عن مخرجات مؤتمر بيروت- رام الله، بشأن تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، وإلغاء اتفاقيات أوسلو وإلغاء التنسيق الأمني إثر فوز جوزف بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حين  زعمت على لسان عضو لجنة فتح المركزية وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في 17 -11-2020،باستلامها رسالة من مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني،تؤكد  تمسك نتنياهو باتفاق أوسلو وغيره من الاتفاقيات مع السلطة، وأن رئاسة السلطة في ضوء هذه الرسائل المكتوبة والشفوية المزعومة، أعادت الاعتبار لكل الاتفاقيات مع (إسرائيل) بما فيها التنسيق الأمني التي جرى  وقف العمل بها في  مايو ( أيار) 2020.

ماذا فعلت مؤسسة الأمناء العامين حيال هذه المهزلة؟ لم تفعل شيئاً بل رأينا معظم الأمناء العامين للفصائل، يتوسلون قيادة السلطة العودة لمخرجات مؤتمر بيروت- را م الله ولا يزال التوسل قائماً..

البرنامج السياسي

يزعم البعض أن مهمة حوار القاهرة الثاني (16-17) مارس ( آذار) 2021 ينحصر في بحث قضية الانتخابات وضمانات نجاحها، وأن الجانب السياسي مؤجل ، وهذا الزعم لا ينطل على أحد، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الانتخابات بحد ذاتها عملية سياسية بامتياز   بحكم أن كل قائمة تخوض الانتخابات وفق برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي محدد، فقد تفوز قائمة على أرضية برنامج أوسلو وفق تحالفات رجعية، وقائمة أخرى قد تفوز على قاعدة برنامج المقاومة وفق تحالفات مع محور المقاومة.

 وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي:

1-أن حوارات القاهرة لم تحسم موضوع البرنامج السياسي، ولا يغير من واقع هذه الصورة، التصريحات التي تصدر أحيانا من هذا الطرف أو ذاك بشأن اعتبار وثيقة الوفاق الوطني التي صاغها الأسرى في مايو ( أيار) 2006، هي  المرجعية السياسية فوثيقة الأسرى لم يتم تضمينها في البيان الختامي، ناهيك أن وثيقة الأسرى حتى لو تم اعتمادها فإنها لا تكفي بحكم المتغيرات الكثيرة التي حصلت بعدها.

2-أن قضية البرنامج السياسي التي لم يتم حسمها، ستصبح قضية صراعية من جديد بين نهج التسوية الأوسلوي الذي يتخفى بالرباعية الدولية وبالمؤتمر الدولي، وبين تيار يعطي الأولوية لنهج المقاومة والبناء عليه سياسياً.

المصالحة الفلسطينية

ويزعم البعض مثل رجوب الرجوب – أمين سر حركة فتح- بأن الانتخابات ستنهي الانقسام في الساحة الفلسطينية، من زاوية أن صندوق الانتخابات هو الذي يقرر من يقود المرحلة، وهذا طرح ينطوي على تبسيط لدرجة السذاجة السياسية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الانقسام السياسي في الشارع، الموازي للانقسام بين فتح وحماس، مع وجود كتلة وازنة خارج كتلتي الانقسام.فكتلة فتح الانتخابية لن تغير موقفها من موضوع المصالحة، بغض النظر عن ما سيسفر عنه الصندوق، وكتلة حماس الانتخابية هي الأخرى لن تغير موقفها هي الأخرى بغض النظر عن ما سيسفر عنه الصندوق، ومن واقع قراءتنا لاتفاقات المصالحة المتعددة يمكننا التأكيد أن لا ميثاق الشرف، ولا مخرجات الصندوق، يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الانقسام إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار انقلاب الطرفين على اتفاقات المصالحة في القاهرة (2011) والدوحة (2013) ومخيم الشاطئ(2014) وبيروت (2017) وما نجم عنها من تشكيل لجان أمنية ومجتمعية وسياسية.فهذه الاتفاقات وكما سبق وأن أوضحت في مقال سابق، لم تؤدِ إلى المصالحة، فكيف ستشكل الانتخابات - وما يعتريها من تنافس وصراع على السلطة وخلاف حاد في البرنامج السياسي – مدخلاً للمصالحة؟! إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنه في حال فوز حماس بالانتخابات، فإنه من المتوقع أن ترفضها قيادة السلطة وفتح عبر الطعن في مخرجات صناديق قطاع غزة، وفي حال فوز حركة فتح فإنه من المتوقع أن تطعن حركة حماس في مخرجات صناديق الضفة، ما يؤدي إلى إذكاء نار الانقسام وتعميق الهوة بينهما.

 وما يعزز هذه التوقعات ما يلي:

1-استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر كانون الأول الماضي، الذي بين أن (52) في المئة من الفلسطينيين يعتقدون أن الانتخابات في ظل الظروف الحالية لن تكون حرة ولا نزيهة، وأظهر أيضاً أنه في حالة فوز حماس فإن (76) في المئة يعتقدون أن فتح التي يرأسها عباس لن تقبل النتيجة في حين قال (58) في المئة إن حماس سترفض فوز فتح.

2- أنه لا توجد كيمياء سياسية مشتركة بين قيادة" فتح" وقيادة "حماس"، رغم عبارات المجاملة السياسية التي تصدر من الطرفين بين حين وآخر، فكلاهما يكن الضغينة للآخر وكل طرف يريد أن يوظف الانتخابات لمصلحة نهجه، فحركة حماس تسعى لاستثمار نتائج الحوار باتجاه تخفيف ضغوط السلطة الأمنية عليها في الضفة الغربية، مراهنةً على فوزها بالانتخابات، وحركة فتح تتصرف على نحو واثق بأنها ستفوز بالانتخابات واضعة نصب عينيها إعادة القطاع إلى حظيرة السلطة وإخضاعه لنهجها السياسي والأمني.

3- اهتمام دول الإقليم وأجهزة مخابراتها بالانتخابات، على نحو غير مسبوق، وعلى الأخص المخابرات المصرية، التي هرعت إلى رام الله، مؤكدة على إجرائها في الوقت المحدد، وهي بهذه التحركات الضاغطة، مشدودة لدفع الفصائل الفلسطينية للعب في ملعب السلطة الأوسلوي، ومشدودة لفوز حركة فتح والسلطة الفلسطينية في الانتخابات لتجديد شرعية السلطة، بهدف العودة إلى العملية السياسية الأوسلوية، بعد وصول الرئيس الأمريكية " جوزف بايدن" للسلطة في الولايات المتحدة.

المجلس الوطني: الحلقة المركزية لإعادة بناء منظمة التحرير

بخصوص البند المتعلق في المجلس الوطني في البيان الختامي الذي جاء فيه ما يلي: "إن رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني قدّمت تقريرا تفصيليا حول رؤيتها لوضعية المجلس والمنظمة، كما ناقش المجتمعون آليات تشكيل المجلس الوطني الجديد وعدد أعضائه"، فهذا النص لم يشرح الآليات لتشكيل المجلس، ولا نسب توزيعه بين الداخل والشتات، ولم يشر إلى ضرورة إجراء انتخابات في الاتحادات والمنظمات الشعبية التي ستكون عضواَ طبيعياً في المجل ،ولم يشر إلى بناء مؤسسات المنظمة بما يراعي الشراكة السياسية في مختلف مؤسسات المنظمة وعدم قصرها على فصيل واحد، ولم يشر إلى البرنامج السياسي  الذي سبق الاتفاق على عناوينه  في مؤتمر الأمناء العامين، الذي أكد  على إلغاء اتفاقيات أوسلو والتنسيق الأمني واتفاق باريس الاقتصادي وسحب  الاعتراف ب(إسرائيل)، ناهيك أن البيان لم يتحدث عن حوارات لاحقة، تكون مهمتها توضيح كل  التفاصيل سالفة الذكر.

 الفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة

تـأملت ورقة الجبهة الشعبية المقدمة للحوار،وتوقفت أمام بعض المسائل التي أعتقد بصحتها، وضرورة أن تأخذ الأولوية في المتابعة والتنفيذ وهي:

1-ضرورة الفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة ورئاسة الدولة في إطار الفصل بين السلطات ووقف تغول السلطة على المنظمة وإعادة الأمور لنصابها.

2-رئيس الدولة يجب أن يُنتخب من كل الشعب الفلسطيني وليس فقط من الضفة والقطاع.

3-الصندوق القومي الفلسطيني صندوق لكل شعبنا وعلى الجميع أن يلتزم بنصوص النظام الأساسي المتعلقة بالصندوق القومي.

فالسلطة الفلسطينية التي كان من المفترض أن تكون خاضعة لمنظمة التحرير وسياساتها أصبحت في التطبيق العملي، هي التي تقود منظمة التحرير وترسم سياساتها، ورئيس السلطة المنتخب من جماهير شعبنا في الضفة والقطاع، لا يمكن وصفه رئيساً للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، إلا إذا كان منتخباً من عموم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. وحتى تصبح السلطة خاضعة لمنظمة التحرير، ينبغي الفصل بين رئاسة المنظمة ورئاسة السلطة، وبدون هذا الفصل ستظل السلطة هي من تقود المنظمة وليس العكس، كما ينبغي الفصل بين الدائرة السياسية لمنظمة التحرير وبين وزارة خارجية السلطة الفلسطينية.

 ونلاحظ في التطبيق العملي، أن وزير خارجية السلطة، بات يمارس موقع ودور رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير، في تمثيل الشعب الفلسطيني في مختلف المؤسسات الاقليمية والدولية، ما يقتضي الفصل في هذه المسألة.

كما أن الصندوق القومي الذي سبق إنشائه عام 1964، كمؤسسة مركزية من مؤسسات منظمة التحرير =، بات هو الآخر مؤسسة من مؤسسات السلطة، ويخضع مباشرة لرئيس السلطة وليس للجنة التنفيذية للمنظمة، ما يقتضي إصلاح هذا الخلل في عمل منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة ً أن هذا الصندوق استخدم من قبل رئاسة السلطة أكثر من مرة في حجب المخصصات المالية عن هذا الفصيل أو ذاك الذي يعترض على نهج السلطة السياسي.