Menu

القدس قاطرة الانتفاضات الفلسطينية والشعب الفلسطيني من النهر إلى البحر يتوحد حول عاصمته الأبدية

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

كعادتها القدس تفاجئنا بعنفوانها الانتفاضي في وجه الغزاة من عصابات المستوطنين وقوات الاحتلال، معلنةً على رؤوس الأشهاد أنها لا شرقية ولا غربية، وأنها بكاملها عربية الهوية والانتماء، ولن يغير من واقعها كتل الاسمنت الاستيطانية، ولا صفقة القرن ولا محاولات العدو اليائسة لتغيير طابعها الديمغرافي.

يوم الخميس الماضي كان شباب القدس، على أهبة الاستعداد في مواجهة عصابات المستوطنين الذين هرعوا إلى البلدة القديمة عن طريق باب العمود، رافعين شعار "الموت للعرب" "وإعادة الاعتبار لما أسموه بالشرف القومي اليهودي عبر إعادة بناء الهيكل المزعوم"، فكان الرد عليهم بعزائم الرجال وعزائم حرائر النساء المقدسيات، عبر الاشتباك معهم بقبضاتهم وصدورهم العارية ، في منازلة أذهلت قوات الاحتلال التي هبت لمساعدة المستوطنين مستخدمة كافة أساليب القمع من رصاص مطاطي وفولاذي وغازات سامة وهراوات كهربائية ناهيك عن الخيالة الذين حاولوا مطاردة الشبان المنتفضين، ومنعهم من التجمع عند مدخل البوابة ، لكن دونما جدوى حيث استمرت المواجهات طوال ليل الجمعة.

وفي اليوم التالي كان التحدي قد وصل ذروته، حين توجه عشرات الألوف إلى باحات المسجد الأقصى لأداة صلاة الجمعة، مفشلين محاولات العدو منعهم من الوصول إليه، وهال العدو مشاركة ما يزيد عن 70 ألف فلسطيني في صلاة التراويح، لينتظموا بعدها في مواجهات وصدامات مع قوات الاحتلال والمستعربين وعصابات المستوطنين، أسفرت عن إصابة ما يزيد عن 100 مقدسي واعتقال العديد منهم، ولم تقتصر الإصابات على الفلسطينيين، بل أصيب عشرات المستوطنين بمقذوفات الحجارة الفلسطينية، وبقبضات الشبان الفلسطينيين التي نالت منهم.

لقد توقع العدو أن يمر استفزاز العصابات الصهيونية، بدون ردة فعل مقدسية فلسطينية وتجاهل حقائق الصبر الاستراتيجي للمقدسيين وعموم الشعب الفلسطيني، الذي فاض به الكيل وهو يرى المشاريع الاستيطانية تطوق المدينة، وهو يرى تمادي العدو في السطو على منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح وسلوان وباب الجوز وغيرها من الأحياء المقدسية. كما توقع بكل غباء أن تمر أحداث القدس، بدون ردة فعل فلسطينية في عموم الوطن الفلسطيني من قبل أبناء شعبنا، الذين يصحون كل يوم على وقع بناء بؤرة استيطانية، وعلى مصرع شاب فلسطيني على يد قوات الاحتلال بذريعة محاولة طعن مستوطن أو جندي صهيوني، ناهيك عن العذابات التي تلحق بهم على حواجز الاحتلال، ومسلسل التضييق الاقتصادي.

باختصار شديد، وصلت الأمور إلى ذروتها مجدداً، وهم يرون أيضاً السلطة لا زالت تراهن على  المفاوضات مجدداً من بوابة  الإدارة الأمريكية الجيدة، وتغمض عينيها عن إجراءات الاحتلال، ولا ترى غضاضة في الاستمرار في سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال دون أن تتيح المجال لأبناء شعبنا للثورة على هذه الإجراءات، عبر انتفاضة نوعية جديدة  تصنع واقعاً جديدا يقلب الطاولة على مخططات العدو الصهيوني وأدواته التطبيعية في الحكم السعودي والإماراتي و السودان ي التي باتت تشكل ظهيراً للعدو في تكريس الواقع الاستيطاني في القدس وعموم الأراضي المحتلة، عبر توقيعها اتفاقات اقتصادية  وتكنولوجية مع قادة المستوطنين.

نعم وصلت الأمور إلى ذروتها، فأبناء شعبنا هبوا لنجدة القدس وأبنائها، ولنجدة أنفسهم عبر مسيرات غضب ومواجهات دامية مع قوات الاحتلال، عمت مدن بيت لحم ورام الله وطول كرم وجنين ونابلس و الخليل وقباطية وسائر المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وبتنا أمام ارهاصات انتفاضة جديدة، تضع حداً لترهات صفقة القرن ومفاعيلها ولكل المراهنات على التسوية البائسة التي شكلت غطاءً للتهويد والاستيطان.

نعم فلسطين اليوم أمام تباشير انتفاضة جديدة، وقد علمتنا التجربة أن القدس كانت على الدوام قاطرةً للهبات والانتفاضات الفلسطينية، وفي الذاكرة هبة النفق عام 1996، وانتفاضة الأقصى عام 2002، وانتفاضة الدهس والسكاكين عام 2015، وانتفاضة القدس لإفشال البوابات الالكترونية عامي 2017، وهذه التباشير لانتفاضة جديدة تستلزم توفير سبل دعمها وإسنادها.

صحيح أن الانتفاضة من صنع جماهير شعبنا في القدس وعموم الأراضي المحتلة، وأن شعبنا يوفر دائماً المخارج لقيادة المنظمة والفصائل من الأزمات التي تمر بها، لكن يتوجب على قيادة المنظمة والفصائل الفلسطينية أن لا تخذل الحراك الانتفاضي الجديد على النحو الذي حصل في انتفاضة القدس عام 2017، وانتفاضة عام 2015، وأن توفر سبل إدامته عبر ما يلي:

1-تشكيل قيادة فلسطينية موحدة للهبة الانتفاضية الجديدة، تشارك فيها بشكل أساسي الفعاليات الشعبية المقدسية والفعاليات الوطنية من عموم أرجاء الوطن، تأخذ على عاتقها برمجة عمل الانتفاضة، وبهذا الصدد فإن تشكيل غرفة مشتركة لفصائل المقاومة، وصدور بيان عنها يشير إلى أنها في حالة انعقاد دائم، وأنها ليست بمنأى عن هبة أهلنا في القدس، وأن القدس والأقصى خط أحمر وللمقاومة الكلمة الفصل... كل ذلك يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.

2- تشكيل لجان ميدانية مهمتها تفعيل الشارع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

3- توفير الدعم المادي بشكل أساسي لأبناء القدس، الذين يعانون من ضائقة اقتصادية جراء إجراءات الاحتلال التي زادت من معاناتهم في ظل الاغلاق المرتبط بجائحة كورونا.

4- اتخاذ إجراءات تأديبية قاسية جداً بحق القلة من ضعاف النفوس الذي ساهموا بتسريب بعض المنازل للصهاينة في بلدة القدس القديمة وفي حي سلوان.

5- التصدي الحقيقي لأي أساليب قد تصدر عن السلطة لوقف الحراك الانتفاضي الجديد والضغط على قيادة السلطة، بعدم الاستجابة لطلبات سلطات الاحتلال بشأن تهدئة الموقف في القدس وعموم الأراضي المحتلة.

6- المطالبة الجدية والحازمة للسلطة الفلسطينية بوقف نهج التنسيق الأمني الذي ألحق أكبر الضرر بالمقاومة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو، وخاصةً منذ موافقة السلطة الفلسطينية على خطة خارطة الطريق عام 2003م.

7- التواصل مع جماهير شعبنا في مناطق 1948، الذين شكلوا ظهيراً وعمقاً استراتيجياً لانتفاضات شعبنا المتتالية.

وهذه المهمات باتت ملحة جداً، من أجل تحويل الهبة الشعبية المقدسية الفلسطينية إلى انتفاضة عارمة، لخلق واقع مقاوم جديد على طريق دحر الاحتلال، يضع حدا لمراهنات السلطة على التسوية، ولنهج التنسيق الأمني، ومن أجل الحفاظ على هوية القدس العربية التاريخية.

يضاف إلى هذه المهمات، مهمة مركزية تقع على عاتق جماهير شعبنا والفصائل في قطاع غزة، ممثلةً بالرد المقاوم على إجراءات الاحتلال في القدس، وبالفعل لبى القطاع النداء عبر المظاهرات التي عمت القطاع نصرة للقدس وانتفاضتها، وعبر رشقات الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة، ومن ضمنها الصواريخ التي أطلقتها كتائب الشهيد أو علي مصطفى على المستوطنات الصهيونية.