Menu

إجابة مقترحة لرافضي حرب السكاكين

كيف "يختار نسر الشعب دنياه"؟

سميرة دحلان

شاب يطعن احد جنود الاحتلال في الخليل

ام الفحم المحتلة

 

بعد انحسار "غابة البنادق" عن بيروت، تسلل إلى وعي المجاميع في الأرض المحتلة، هذه المجاميع التي علّقت آمالا كبارا على كاتيوشا وكلاشنكوفات الفدائيين في الشمال،  (في شرائط مهرّبة في الأمعاء، عبر نهر الأردن، غالبا) موّال "يما مويل الهوى". ويحيل الموّال، بعد الانسحاب من بيروت، وبنبرة حزينة لكنها تحمل إصرار اليائس إلى "ضرب الخناجر" باعتباره أضعف الإيمان، كوسيلة للتحرر من حكم النذل.

مياه كثيرة جرت من تحت النهر. انكفأت في تلك الفترة بنادق كثيرة وغيرت بوصلتها. لكن اللحن المنكسر.. حكمة المهزوم في الأغنية، يسطعان الآن، على الأرض المحتلّة لكي يغيرا معادلات ويقلبا حالة مقلوبة أصلا، رأسا على عقب.

فمقابل عمليات الطعن التي نفذها شباب وفتية كبروا على اللحن، تصاعدت أسئلة كثيرة ومشروعة حول "مشروعية مهاجمة المدنيين" بخناجر وبغيرها.  السؤال انتقل من أرض "الجدوى" إلى أرض المشروعية هكذا بسلاسة ومن دون تعليق. يبدو أن دورات إدارة الصراع والتحكم بالغضب وتنفيخ البالونات التي يمولها الأجانب، قد آتت أُكلها في مثقفينا وسياسيينا، ولا رادّ لقضاء الله.

بضعة نقاط، ينبغي التأكيد عليها في مواجهة منطق الإنسانويين الطالعين في صفوفنا:

- يستتبع تبني الشعار السياسي، اعتماد أدوات واستبعاد أخرى. والصحيح أن الانتفاضة الحالية لم ترفع شعارات واضحة بعد لكي نقول أن هذه الوسيلة تخدم أهدافنا وتلك تقصينا عنها، إلا أن الواضح فيها هو أنها لا تطالب بحقوق مدنية. لا بإزالة حاجز طيّار أو إعادة بطاقة في آي بي لأحد المسؤولين.  كما أنها لا تطالب بمحاصصة على الأرض.
من يسأل الفتيات والصبية والشباب الذين يتسابقون، في شوارع مفتوحة، إلى الفوهات، بمقاليعهم وزجاجاتهم الحارقة، عن سبب اندفاعهم سيحصل على إجابات عامّة: تحرير فلسطين.. الدفاع عن الأقصى.. الثأر للشهداء.. إسقاط سلطة العار. لا تفاصيل في الشعارات سوى كونها نقيض كل المساومات التي تختبئ خلفها القيادة الفلسطينية في رام الله أم في الناصرة. بناء عليه، فإن هؤلاء لم يستثنوا، تباعا، الوسائل المتعددة لتسبيب الأذى للمحتل، (في الخليل أفقدوا جنديا وعيه ببطيخة ألقيت على خوذته من الطابق الرابع!)

- هل "المدني الإسرائيلي" ينفصل تماما عن المشروع الاستعماري؟ هل هو محيّد ؟
ليس المستوطن ديكورا مجردا للمشروع الاستعماري، من يعتقد بهذا يقع في فخ الخلط بين ديكتاتورياتنا الوطنية، التي تكرّس المواطن في خدمة المنظومة، وبين عسكريتاريا الاحتلال، التي تكرس العسكرة في خدمة المستوطن.   في إسرائيل: المستوطن هو من يصنع النظام. هو من يسخره لحمايته ولضمان بقائه. صحيح أن بعض المستوطنين مضللين، بمعنى ما، صحيح أنهم يقعون فريسة أكاذيب نظامهم. لكن العسكريتاريا والمجتمع في إسرائيل يعيدان تدوير ذات الأضاليل للحفاظ على مشروعهم المادّي في الأساس، والمتمثل في الاستيطان الاحلالي. . في المحصلة: يملك المستوطن الخيار في تشكيل وإعادة تشكيل النظام القائم وعلاقة الاستبداد. هذا المستوطن هو صاحب القرار الأول والأخير في تحديد شكل النظام. وهو المستفيد الأول منه. بعكس ما هو قائم في الديكتاتوريات الوطنية.

إن الإسرائيلي المدني، رافض الخدمة العسكرية، و الذي يشفق عليه زملاؤنا الإنسانويين، يمتلك طريقين: إما أن ينكفئ إلى بوهيميا تل أبيب، وهو في هذه الحالة مستفيد تماما من امتياز الاستيطان، وإما ينخرط في النضال في "اليسار الصهيوني" على تنويعاته ويحتمي، بأشكنازيته من رصاص المطّاط في مظاهرات التضامن مع سكان النبي صالح. من دون أن يشكّل ذلك، بالضرورة، انخراطا له في صفوف الثورة الفلسطينية.

سؤال الجدوى في التمييز بين الأهداف يحيل إلى سؤال آخر: هل ترك الاحتلال للمقاومة الفلسطينية مجالا للتسبب بإيذاء برج الحراسة والدبابة؟.

شاعت لدى الأجنحة العسكرية للفصائل في الانتفاضة الثانية نكتة  أن الرصاص يسقط عن الدبابة كالشواقل. تحوّل الرصاص على الميركافاة إلى عملات معدنية (بسبب من تصفيحها، وكناية عن عدم جدوى إطلاق الرصاص على جسدها). لكن زمن الشواقل قد ولّى أيضا: لا تنسوا حملات القضاء على "فوضى السلاح في الضفة". لم يتبقّ أمام الشبان من معدن سوى حديد السيارات وفولاذ السكاكين لكي ينجحوا في تسبيب أذى ما للعدو.

- غير صحيح أن السكاكين توجه نحو المدنيين فحسب. ولعلّ إحصاء لعمليات الطعن منذ بداية الهبة يؤشر بشكل واضح على أن الجنود هم المستهدفون في المقام الأول. هذه العمليات التي تقع سكاكينها على خوذات وبذلات مضادة للطعن تسقط من الإحصاء، في نهاية النهار، بسبب من كونها عملية غير ناجزة. مجرد محاولة طعن تسقط من نشرات الأخبار. الإنسانويّون  إذا ينصحون حاملي الخناجر بالانتحار أمام البذلات المصفحة، لكي تكتمل صورة الضحية التي يقدسونها.
ليس الفلسطيني هو من يرسم آفاق المواجهة، وليس هو من يسيطر على حيّزها. قواعد الاشتباك لا يحددها هو، لكنه قادر على الالتفاف عليها وتطويعها أحيانا لصالحه، مرحليا. فعلى سبيل المثال، وأمام فتى لا يبلغ من العمر الخامسة عشرة ويحمل سكينا، يمكن لنتنياهو الآن أن يلفّ الأوراق المطبوع عليها سكيتشات القبة الحديدية ودراسات جدواها على شكل اسطواني ويخبئها جيدا حيث يريد، مُفضّل في مكان رطب ودافئ.