Menu

ماذا سيحصل لو صنعت إيران قنبلة نووية مثل "إسرائيل"!

زيارة بينيت لا يحتمها الواقع السياسي وإنما حاجته السياسية الداخلية!

رجا إغبارية

زيارة بينيت لم تتم بدعوة من بايدن وإنما بطلب من بينيت نفسه، وقد تم تأجيل هذه الزيارة عدة مرات بسبب انشغالات الإدارة الامريكية الجديدة بقضايا ملحة كأفغانستان والصين وروسيا وإيران، حيث يوجد هامش مهم بالشأن الإيراني يرتبط بـ "إسرائيل"، ألا وهو الاتفاق النووي الإيراني وإعلان بايدن عن برنامجه لإعادة الولايات المتحدة إليه .وقد ادعى بينيت أنه بلور مع قيادته الأمنية والاستراتيجية وبعد لقاءات متعددة بين هذه القيادة والقيادة الموازية في الولايات المتحدة، لبحث موضوع إيران برمته ووضع استراتيجية مشتركة جديدة تختلف عن استراتيجية نتنياهو ترامب بهذا الشأن، لدرجة أن بينيت والأوساط المحيطة به، تقول أن سياسة الضغط على الولايات المتحدة والتفرد العلني بالموقف المتشدد من ايران التي استخدمها نتنياهو، "قد أضرت بإسرائيل وبمصالح الولايات المتحدة بالمنطقة".

وبعد مراجعات المحللين الصهاينة والاستراتيجيين يتضح أنه لا يوجد موقف لبينيت مغاير لموقف نتنياهو، إلا أنه يشمل طرح قضية جديدة طارئة بسبب تلكؤ أمريكا من العودة للاتفاق النووي مع إيران، ألا وهي قضية أو طلب صياغة "موقف موحد" مع أمريكا في حالة عدم التوقيع بنهاية المطاف على الاتفاق إياه، لأن العودة لهذا الاتفاق "لم تعد مجدية" كما يراها بينيت وحكومته الجديدة، وهذا ما يستبعده الاستراتيجيون الصهاينة، أي تراجع بايدن عن التوقيع على الاتفاق النووي الأصلي، ربما مع بعض التعديلات التي ما تزال ترفضها إيران.

 

بايدن سيسمع من بينيت ما يعرفه من خبرائه ووزرائه الذين اجتمعوا مع الجانب "الإسرائيلي" وهو قطعاً سيعطي جواباً لبينيت لن يفصحوا عنه لوسائل الإعلام، وفي كافة القضايا الجدية والحقيقية، اللهم إلا مزيداً من الدعم العسكري والمالي لـ"إسرائيل" وضمان امنها ووجودها – الديباجة التقليدية .

وخيارات "إسرائيل" واضحة كما كانت، أولها عدم العودة للاتفاق النووي من جانب أمريكا والاتفاق معاً عسكرياً ومع حلفاء آخرين لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة ومدمرة لإيران لمنعها من الوصول إلى قنبلة نووية، وهذا ما رفض فعله المتهور ترامب، ولا يعتقد أحد أن بايدن سيفعل ذلك، وهو مصر على العودة للاتفاق، لكن بشروط جديدة تبرزه أمام ترامب وشعبه وحلف "الناتو" أنه أنجز شيئاً ما مقابل عودة أمريكا للاتفاق، الذي هو صانعه، وأن غريمه الجمهوري هو من ألغاه، وبايدن يريد العودة إليه ويمنع حرب التي ربما يعرف كيف تبدأ ولا يعرف كيف تنتهي، فروسيا والصين موجودتان في حلف مع إيران يتطور تدريجياً لحلف عسكري يعمل كند لأمريكا وحلفها الاستعماري على مستوى المنطقة والعالم.

اما الخيار الثاني الأكثر عملانية، الذي سيوافق عليه بينيت، وهو ما رفضه نتنياهو (وهذا الجديد)، والذي تم استنتاجه من عدة تصريحات صادرة عن أعضاء حكومته، واولهم غانتس ولابيد، اللذان طرحا أمام الوفود الأمريكية ضرورة إضافة تعديلات على الملف النووي (أي قبوله ضمنياً)، ترتبط بنفوذ غيران بسوريا ولبنان وفلسطين و اليمن والعراق وكل الشرق الأوسط في مواجهة نفوذ أمريكا و"إسرائيل" وأنهم يريدون تطوير وتصعيد مشاركتهم للولايات المتحدة مع حلفائها الخليجيين بالاستمرار بخوض معارك خاطفة وتصعيدها بشكل يؤدي كما يعتقدون إلى تفادي حرب مدمرة من جهة ومنع إيران أو تعطيلها من الاقتراب من صنع القنبلة النووية من جهة ثانية، وهذا ما تجري المفاوضات السرية حوله بين إيران وواشنطن، ولم يصلوا بعد لأي نتائج، بل نرى تراجعاً من قبل إيران في استمرار المفاوضات التي يصفونها بالعبثية، والإسراع من طرفها في مشروعها النووي ورفع نسبة تخصيبه، الأمر الذي يشكل أكبر عامل ضغط على أمريكا وحليفاتها الأوروبيات والخليجيات ودولة الكيان الصهيوني. الأمر الذي يستخدمونه كأداة تخويف للعالم و"فزاعة" بيد حكومة بينيت وغانتس، حيث صرح الأخير هذا الأسبوع امام 60 سفير دولة أجنبية: "أن إيران بعيدة شهرين عن صنع القنبلة النووية"!.

كلام نسمعه على مدار أعوام خلت من نتنياهو، ولا يجدي هؤلاء نفعاً بسبب هذا التحريض، فلا أمريكا ولا أوروبا تقتنع بقرب إيران من القنبلة النووية، وربما يصدقون إيران أنها لا تسعى لصناعة قنبلة نووية، رغم شكوكهم التي تزرعها "إسرائيل" يومياً وفي كل مناسبة استعراضية من مناسبات نتنياهو ..

فماذا لو توصلت إيران للقنبلة النووية؟

هذه إيران التي تتمنع من العودة إلى المفاوضات دون أي تنازل عن مطالبها وحقها في الدفاع عن نفسها وعن حلفائها بالطرق المستقلة عن الولايات المتحدة أو الخضوع إليها، لأن هذا الخضوع في نهاية المطاف لا يخدم إلا دولة الكيان الصهيوني التي تناصب العداء لإيران وكل شعب أو دولة في المنطقة لا يخضع للإرادة الإمبريالية الأمريكية، ضمن الحفاظ وتطوير دورها كقاعدة متقدمة للاستعمار في المنطقة، بقيادة أمريكا، وهذا ما يسعى بينيت لتطويره والتفاهم حولة في مفاوضاته مع بايدن، والتخلي عن سياسة "إدارة الظهر" التي اعتمدها نتنياهو لأوباما وبايدن في حقبة ما قبل ترامب.

إذن نحن أمام تصحيح دور "إسرائيل" بالمنطقة بما ينسجم تماماً مع سياسة أمريكا "الديمقراطية" مع محاولة لتطويره ضد العدو المشترك إيران ومحور المقاومة وحلفائها روسيا والصين .

 

لن تكون محاولة لعودة مفاوضات "إسرائيلية" مع "سلطة عباس" فهذه الحكومة لن تبقى على قيد الحياة إذا ما دخلت هذا المسار، وبايدن غير معني بتحريك الملف، اللهم الا إعطاء بعض التسهيلات في الضفة و غزة للإبقاء على الوضع القائم دون توترات، وصب كل الجهود نحو جبهة الشمال، حزب الله وايران وسوريا .فرغم عدم وجود أي جديد بمشاريع بينيت إلا أن تغيير الحكم في "إسرائيل" وأمريكا بنظامين يختلفان في النهج عن سابقيهما لضرورات داخلية، أساسها البقاء والاستمرار على سدة الحكم على حساب الغريم الآخر، إلا إنه المبرر المركزي لهذه الزيارة ولا شيء دراماتيكي غير ذلك. فالتقاط الصور في الغرفة البيضاوية للبيت الأبيض ضرورة انتخابية في "إسرائيل" وجمهورها الاستيطاني أكثر من مواضيع النقاش المحسومة أصلاً، والبروتوكول هو لوسائل الإعلام والجماهير المعنية في كلا البلدين والعالم – للتضليل .

فلو توصلت إيران لقنبلة نووية لن يختلف التعامل معها برأينا من طرف أمريكا ومن ورائها "إسرائيل" عما تم مع كوريا الشمالية التي تضمنها الصين وروسيا، وهذا ما يمكن ونعتقد أن يحصل من طرف إيران في حالة وصلت هذه الذروة ولو افتراضياً. نعتقد أنها تدرك أن عليها تأمين نفسها بأحلاف عسكرية مناسبة بحالة تعرضت لحرب تدميرية، سواء نووية أو أقل منها، فالأسلحة التدميرية لا تقتصر على السلاح النووي فقط .عندها تسطيع إيران وضع قنبلتها النووية في موازاة ومكافأة مع الـ 200 رأس نووي التي تمتلكها "إسرائيل" ووضع العالم أمام توازن قوى جديد، يفرض عدم تفرد "إسرائيل" بهذا السلاح ويفرض تعامل سلمي مع إيران يحميها من حرب مدمرة ومن الاعتداءات الخاطفة المعلنة وغير المعلنة ويحمي شعوب المنطقة من أي عدوان نووي أو غيره من قبل "إسرائيل" وأمريكا وحلفائهما في المنطقة والعالم، فأمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي ضد اليابان وما تزال تستعمرها حتى اليوم و"إسرائيل" استعدت لاستخدام هذا السلاح حسب تسريبات إعلامية في حرب الـ73 عندما عبر الجيش المصري قناة السويس والجيش السوري حرر معظم الجولان، لولا التدخل العسكري المباشر للجيش الأمريكي في سيناء والجولان لمنع هزيمة جيش الاحتلال الصهيوني في تلك الحرب، وهذا ليس سراً ...

ولا نعتقد أنه ستقام هذه الحرب المدمرة ضد إيران في الوضع الراهن ولا توجد موافقة دولية عليها كما حصل مع العراق، فهذه الامكانية واردة فقط في المرحلة التي تسبق التوصل للقنبلة النووية أكثر منها ما بعد صناعة القنبلة النووية، الأمر الذي يسعى لتسويغه بينيت الآن مع بايدن في هذه الزيارة، حيث يستغل "فرصة" أن أيران لا تمتلك بعد إمكانية الرد المناسب على حرب مدمرة كهذه التي تريدها "إسرائيل بينيت كما نتنياهو"! ولا يعتقد الاستراتيجيون الصهاينة أيضاً حصول بينيت على هذه "الفرصة" من بايدن.

أما العراق وكوريا الشمالية فهما مثالان ماثلان أمامنا وأمام العالم على التقييم الوارد، حرب على العراق لتدمير قدرتها النووية قبل أن تصنع القنبلة وعقوبات على كوريا الشمالية بعد امتلاكها القنبلة النووية وقبلها، وهو ما يجري مع إيران، مفترق طرق استراتيجي لا تحسد عليه.

أخيراً نؤكد ما نظّر له صانعوا القنبلة النووية وكل السلاح الاستراتيجي الفتاك، "أن هذا السلاح صنع كي لا يستعمل" لأن البشرية لا توافق على الإبادة الجماعية لها ولاي جزء منها. إنه يصنع كسلاح تهديد موازي يستخدم عند حصول الإبادة الجماعية الفعلية فقط، ما لا نراه حاصلاً حتى مع "إسرائيل" الدولة (رغم البروبوغاندا الصهيونية في الموضوع المستندة إلى تصريحات بعض القادة الإيرانيين السابقين، وليس للسياسة الرسمية الإيرانية وفتوى القائد الأعلى السيد خامنئي بتحريم السلاح النووي، هي القول الفصل بهذا الموضوع)، ناهيك عن اليهود كبشر، وما لا نراه حاصلاً مع إيران وشعبها. فالمسألة في نهاية المطاف تعزيز موازين القوى لكل طرف وإدارة صراعات وحروب تقليدية لتعزيز المصالح، بعيداً عن اللجوء لهذا السلاح المدمر. فإذا ما تم التعامل معه بهذا المفهوم وبضمانات روسية صينية، فإنه سيكون سلاح سلام لا سلاح قتل جماعي، فلا أحد حقيقة يرغب به أو يجرؤ على استعماله.